حملات أميركية لتحطيم صور «قادة» خصوم

روزانا رمّال

أي لبناني لا يذكر نشاط السفير الأميركي السابق في بيروت جيفري فيلتمان عشية اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي أخذ على عاتقه تشكيل تكتل يتهم حزب الله «الشيعي» وحلفاءه باغتيال الزعيم «السني» المحبوب والمعتدل؟ ومَن الذي لا يتذكّر كم مرة ومرة جمع السفير قيادات 14 آذار في السفارة الأميركية في عوكر أو في منزله أو عزم على زيارة شخصيات من أجل الاستماع الى مقترحاتهم وما يستطيعون تقديمه من أجل مرحلة إعلان الحرب الكبرى على حزب الله بدأت باغتيال الحريري ووصلت لحرب مدمّرة لم يشهد مثلها لبنان من قبل، وكان حينها اشرس الخيارات الأميركية.

اتهم حزب الله الأميركيين حينها بالعمل على خلق فتنة سنية شيعية، لكن هذا الكلام تمّ الردّ عليه، لأن 14 آذار هي مكوّن يضم كل الفئات والطوائف وان المشكلة سياسية لا طائفية، في وقت أن الازمة طالت حتى وصلت لاشتباكات الشارع في 7 ايار 2008 وكادت تصبح طائفية بامتياز، خصوصاً بشوارع بيروت بعد الضغط الذي أخذ عليه حزب الله في مسألة تقديم داتا الاتصالات.

الحروب التي خرج منها حزب الله والأزمات متعافياَ أجبرت الاميركيين على دراسة الهالة التي يتخفّى وراءها هذا الحزب ليتبين ان شخصية نصرالله القيادية وانسجام خطابه مع الناس بمصداقية اعترف بها عدوه الاسرائيلي هي أساس نجاح هذا الفكر الذي يعتمد أصلاً على ايديولوجية دينية واضحة لا يُخفيها. وعلى هذا الاساس صار الحديث عن تشويه صورة حزب الله أهم ما يُعمل عليه في أروقة السياسة المحلية المدعومة غربياً.

اعترف جيفري فيلتمان بعد نهاية مهمته في لبنان بالكثير، ومن بينها أنه تمّ تخصيص 500 مليون دولار لتشويه صورة حزب الله، والكثير من الوثائق التي نشرتها ويكليكس تشرح العقل الأميركي في توقفه عند أمور قد يجدها البعض ثانوية في حين تبين أنها أساس الحركة الأميركية السياسية فما كان سوى إنفاق أموال على مؤسسات إعلامية لبنانية وصحف واحزاب لتشويه هذه السمعة، خصوصاً بين أهله وناسه في الساحة الاسلامية فشهد لبنان حينها أكبر حملة على نصرالله وبدأ التهاون بالسخرية من مواقفه ببرامج تلفزيونية ساخرة كانت تحسب حساباً لغضب الشارع نجحت في جعل هذا الامر واقعاً ضمن النقد السياسي، فكانت تنتقي عباراته لتعلق عليه على اساس ان هذا داخل ضمن الانتقاد الطبيعي وصولاً الى عقوبات اقتصادية خنقت الشارع الشيعي فعلاً المعني بالمؤسسات التابعة أو المدعومة من حزب الله، خصوصاً تلك في الخارج التي اضطرت الى تحمّل ما لا طاقة لها به ضريبة دعمها للحزب وصولاً الى طرد الشيعة من الخليج أي من أعمالهم وأرزاقهم وجزء منهم لم يكن مؤيداً أو منضماً للحزب وذلك للضغط عليه وتصغيره بعيون أهله وتشويه صورته، خصوصاً صورة زعيمه «نصرالله».

هذا كله يُعتبر مرحلة تتراوح بين تسع وعشر سنوات ولا يزال العمل على النيل من هذه الشخصية القيادية مستمراً.

يستحضر اليوم ما يتعرّض له الرئيس الأميركي فلاديمير بوتين نفس ما يمكن مقاربته من زاوية الرؤى الأميركية التي تعتمد كثيراً في مراكز أبحاثها على النيل من الرموز، وكما كان النيل من نصرالله أساسياً، فإن النيل من صورة فلاديمير بوتين كرئيس يشكل الخطر الأكبر على واشنطن لجهة نجاحه باستعادة هيبة روسيا بعد فقدانها إياها بخسارة الاتحاد السوفياتي، هذه الاستعادة هي أساس ما يُشغل بال الأميركيين. فبوتين اليوم صار رمزاً لمكافحة الارهاب وبعيون جزء كبير من الشرق أوسطيين والآسيويين والعرب هو بطل خلّصهم من «داعش» وبعيون شعبه هو قائد حماهم من الهجمات الإرهابية. والأخطر انه وبعد انتخابات الايام الماضية تبين أن هذا السلوك اي العسكري لم يؤثر سلباً على نظرة المواطن الروسي لرئيسه بل عبر عن تأييد واسع له بالانتخابات وجدّد له الفوز.

لكن وبالرغم من ذلك، فإن النيل من هالة الزعامة التي صارت روسيا متجهة نحوها بقيادة بوتين رسمياً ستبقى دائماً الهدف الأهم عند الأميركيين. وهو الأمر الذي ترجمته ملاحقة روسيا بدعم الإرهاب بدل مكافحته، خصوصاً بمسألة الكيميائي في سورية، مع العلم أن المعلومات كلها صبت في حادثة خان شيخون الماضية ان الرئيس بوتين هو الذي قدّم اتفاقاً واضحاً للرئيس باراك اوباما حينها حول رعايته تسليم سورية السلاح الكيميائي ودخول الأمم المتحدة لمعاينة ذلك لتعاد التهمة نفسها مجدداً في كيميائي الغوطة الشرقية ويُضاف إليها ما يعتبر استهدافاً واضحاً ومباشراً لموسكو خارج الاراضي السورية وهو اتهامها بتسميم بريطاني جاسوس أو عميل مزدوج بمواد كيميائية لتبدأ حملة أوروبية وصلت اليوم لمصاف التوجّه لطرد دبلوماسيين بعد أن بدأتها واشنطن بطرد دبلوماسيين روس بملفات سابقة. واليوم لندن ليُضاف إليها ما يُعتبر تطوراً فرنسياً ببحث إمكانية طرد دبلوماسيين روس على لسان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان الذي أشار إلى «أن باريس تفكر في طرد دبلوماسيين روس تضامناً مع بريطانيا بعد هجوم بغاز أعصاب على جاسوس روسي سابق». روسيا التي تبدو متحضرة لهذه الحملة ردّت بلسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف على الفرنسيين «إنه يتعين على كل بلد أن يتخذ القرار الخاص بطرد الدبلوماسيين الروس بنفسه اعتماداً على مفهومه للكرامة».

تشويه صورة الخصوم جزء لا يتجزأ من المعركة السياسية الكبرى والضغط باتجاه نسف الهالات والرموز أكثر ما تم العمل عليه تاريخياً ضمن صراع الشرق والغرب الذي لن تنتهي فصوله قريباً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى