الأمير والأوباش

د. رائد المصري

بهدوء… وفي نظرة استعراضية بسيطة لما آلت إليه حال العالم العربي، من توسيعٍ لدائرة الخطاب العنصري وثقافة تعميمه بأسلوب رخيص، واستثمارات سياسية عفنة تدلّ على/ وتقود إلى/ النّقص في التعبير وفي تحقيق الذات العربية أمام السيّد الأميركي والأوروبي الأبيض، وكرامة مفقودة لا يمكن شراؤها أو زيادة منسوبها، لأنّها تولد وتنشأ بالفطرة الطبيعية وتكتسب بالممارسة والتراكم التاريخي جيلاً بعد جيل…

أسوق هذه المقدّمة لأشير في علم السياسة لأمير يرمي كلّ أمواله واستثماراته في حضن السيّد الأميركي «ترامب» ويقول له: «هذه أموالي تفضّل لتحكمني بها»… وهي مفارقات لم تتوصّل إليها معاهد الدراسات السياسية والاستراتيجية في العالم منذ بدء الخليقة حتى يومنا هذا، ولم تتكبّد المؤسسات الأميركية عناء البحث والتطوير من أجل رسم خريطة لمثل هذه الممارسات، بما يخدم المشروع الاستعماري الأميركي وسلبه خيرات الشعوب دون مجهود يذكر أو وقت يهدر… نظرية لم ترد حتى في أفكار ميكيافيللي بل تفوّقت عليه في كتابه «الأمير»…

كأميرٍ شاب لم يتجاوز الأربعين من العمر له الطموح السياسي في المملكة وفي إعادة هيكلة اقتصاد بلاده وتحديث قوانينها فهذا حق طبيعي، لكن أن تقوم وبالقوة الجبرية على ممارسة ثقافة الإلغاء بحق أبناء المملكة وتحويلها كنادٍ للقمار والصفقات، وتريد تهديم اليمن للقضاء على الحوثيين بخطاب تحريضي عنصري، وتريد تدمير إيران وإلغاء اتفاقياتها النووية، وتريد تدمير حزب الله والمقاومة في لبنان والحشد الشعبي في العراق وسورية ورئيسها ونظامها، وضرب المذاهب الأخرى والأقليات وتهجيرها، والاستعانة بالسيّد الأميركي في كلّ ذلك، وتزيد عليها صفقة القرن للانتهاء من فلسطين والقدس مستخدماً كلّ الصناديق السيادية التي خلّفتها تراكمات النفط في عشرات السنين، فتلك مسألة وجب التوقّف عندها لإعادة صياغة وإنتاج نظام عربي ناعم، تنزع منه مخالب العنصرية الخليجية المتسلّحة بالنفط والغاز وبالاستقواء الغربي على الشقيق العربي والجار، تلك مسألة يجب العمل عليها فوراً، بأن لا يترك الأمير وحده في مواجهة كلّ هذه الإغراءات التي ينوي العمل والشروع بها رأفة بالشعوب العربية والمسلمة، التي تكبّدت عناء ترجمة وممارسة الأفكار الوهابية الإلغائية في بلدانها ونتيجة للطيش وللشخصانية في الممارسة السياسية المستمرة منذ أربعة عقود وأكثر…

كأمير تريد أن تفرض نفسك وسياستك ووجهة نظرك على كلّ الأمة، ومن خارج سياقاتها التاريخية النضالية ومن خارج سير قضية فلسطين وعذابات شعبها، فتلك أمور مستهجنة ومستغربة مع الإمعان في سياسة السمسرة التي باتت مكشوفة مع رئيس أميركي جشع وتاجر مجبول بالعنصرية الحاقدة…

فكلّ عناصر التأزّم والتوتير تجمّعت في المنطقة والعالم، عمادها عنصرية السيّد الأميركي الأبيض وعنصرية الصهيوني الحاقد وعنصرية الأمير الخليجي المأزوم والمهزوم والمألوم، في محاولة لإعادة إنتاج حروب جديدة دامية، واستثمارات مالية مشبوهة وشراء الذمم وطمس للقضايا الوطنية والقومية والعربية، ومحاولة تعويم النظام الرأسمالي الأميركي المعولم للحفر في الجروح التاريخية للشعوب من أجل النزف المستمرّ، فتُستعاد الغطرسة الأميركية التي أفلت ومعها الصّلف الصهيوني الذي تقيّد وتكبّل بأصفاد المقاومين، لتبقى أحلام الأمير التي لن تتحقق لا لشيء إلاّ لأنها لم تُبنَ على أسس علمية وواقعية، تعيد الحقوق لأصحابها ليس بفلسطين فحسب، بل في كلّ الأرض العربية التي يحق لشعوبها الاستفادة من كلّ أموال النفط والغاز كحق شرعي لها من أجل التنمية والتطوّر وليس من أجل رمي مقدراتها وثرواتها في الحضن الأميركي…

وإليكم الأنموذج الجديد في خطاب وزير الداخلية اللبناني الذي لا يمكن وصفه إلاّ بالخطاب العنصري، والحضّ على التفرقة والتنابذ بين أبناء الشعب الواحد على أبواب الاستحقاق الانتخابي، فتلك مدرسة يُراد تعميمها من خلال الإرساليات الخليجية والثقافة السياسية والنظرة العنصرية التي بدأت بالتدرّج للدخول في عقول اللبنانيين منذ بداية ظهور داعش ومتفرّقاتها من تنظيمات راديكالية متطرّفة تنشد الإلغاء والقتل والتمييز الاجتماعي والفروق الاثنية والمذهبية، وصولاً الى تعميم هذه الوصفات لأبناء الوطن الواحد ونعتهم بـ «الأوباش»، وهو وصفٌ مدروس لثقافة مكتسبة من ولي الأمر وولي النعمة ومن السيّد الأميركي الأبيض، ولن تنتهي إلاّ بانتهاء العنصرية الفاشية والنازية الجديدة في «إسرائيل»…

أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى