البيت الأبيض بين الاحتواء والمواجهة!

يارا بليبل

توالت الأحداث في «العرين» الأميركي، وكُدّست تقارير «الأحوال الشخصية» في البيت الأبيض بهدف الانتقاء والتصفية في آن، لرصّ الصفوف بتشكيلة «المذهب السياسي» الواحد.

خيط رفيع، يفصل بين الاستقرار النسّبي على السّاحة الدولية بعيداً عن خيار المواجهة، وبين ضفة الصّراع والاصطفافات الدولية الواضحة وغير المراوغة.

أعلن الرئيس الأميركي، «تويترياً»، بتاريخ 13/3/2018، عن إعفاء وزير الخارجية الأسبق ريكس تيلرسون من مهامه، وتولي مدير وكالة المخابرات المركزية مايك بومبيو هذا المنصب. وفي غضون أيام، 23/3/2018، أرفق ترامب قراره الآنف الذكر بتعيين جون بولتون مستشاراً للأمن القومي خلفاً لـ هربرت ماكماستر.

في الشكل، يبدو واضحاً أنّ الرئيس الأميركي قد عقد «العزم» على اللعب بأوراق جديدة، عبر تشكيله مجلس «الحرب»، وهذا أقلّ ما يمكن أن يوسم به، نسبة لتاريخ ومواقف كل من الأسماء التي أعجب بها ترامب ونقلها إلى ملعبه بصفة رسمية.

أما في المضمون، فإنّ هذه التجديدات الهيكلية التي طالت مناصب حسّاسة في تركيبة دائرة صنع القرار الأميركي، كُلِّفت بمهام تتناغم مع شعار»أميركا أولاً» من وجهة نظر واحدة وجامعة بين الأعضاء.

تتصدّر إيران سلّم الأولويات، فلا بدّ من تفكيك إرث السّلف، باراك أوباما، وخوض غمار مرحلة جديدة عبر الانسحاب من خطة العمل المشتركة الشاملة، أيّ الاتفاق النووي مع إيران بحلول 12 أيار المقبل موعد انقضاء المهلة التي حددت للتنازل عن العقوبات الأميركية بموجب الخطة الآنفة الذكر. حيث يتمّ ذلك من خلال عدم مصادقة الرئيس على الأسئلة التي يتضمّنها «قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015» المفروض من قبل الكونغرس كل تسعين يوماً.

إنّ هذه الخطوة تشي بأن ترامب جادٌ بشأن إعادة العمل بالعقوبات الاقتصادية الأميركية الأشدّ صرامة، بما في ذلك العقوبات التي تستهدف المصرف المركزي الإيراني، ما لم توافق أوروبا على إلغاء بنود انقضاء فترة سريان الاتفاق، التي تعتبرها الأخيرة خطراً على الاتفاق برمّته.

يسعى الأوروبيون في تفاوضهم مع الجانب الأميركي، إلى الحفاظ على «لبّ» الاتفاق وتدوير الزوايا ضمن المساحة المتاحة للمناورة منعاً لأي عرقلة، حيث تشمل مطالب واشنطن إجراء عمليات تفتيش شاملة للمواقع العسكرية الإيرانية، الأمر الذي ترفضه القيادة في إيران.

على مستوى أقلّ، يبرز أمام التشكيلة الجديدة للبيت الأبيض تحدّي المواجهة التجارية مع الصين، حيث تصاعدت وتيرة التصريحات بين الجانب الأميركي والصيني إزاء ما هدّد به الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن فرض مزيد من الرسوم الجمركية على الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة، في حال لم تقم بكين بخفض الرسوم الجمركية على الصادرات الأميركية وفتح الأسواق الصينية أكثر أمام الشركات الأميركية.

في هذا الإطار، تلوح في الأفق معالم حرب تجارية بين الطرفين مدعومةً بـ»تعنتٍ» أميركيٍّ كمحاولة لإيجاد علاج من خلال سياسة التصعيد الخطابي والتدرّج في فرض العقوبات أملاً برضوخ صينيٍّ سريع.

إنّ التفاوض المستمر بين الجانبين منذ اندلاع الأزمة، يمثّل محاولة لرأب الصّدع ولا يعبر عن نيّة حقيقية للتفاهم، ولا يلغي بالتالي احتماليّة العودة إلى نقطة البداية.

وفي سياق آخر، تأتي المفاوضات الأميركية «المفاجئة» مع كوريا الشمالية مشكّلةً سابقة سياسية ودبلوماسية في آن، كمحاولة لاحتواء بيونغ يانغ وإبعادها سياسياً عن أي طرح تحالفي مع الصين أو روسيا.

أتى ذلك بُعيد تقارب بين الكوريتين، تمثّل بزيارة وفد رسمي من كوريا الشمالية ولقائه الرئيس الكوري الجنوبي، وما أعلن عنه بشأن استعداد كوريا الشمالية للتفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية.

إزاء ما تقدّم، إن التغييرات التي شهدتها الإدارة الأميركية خلال فترة قصيرة نسبياً، بالتأكيد لا تعبّر عن قرارات «طائشة» تمّت على وجهٍ «تويتريّ»، جلّ الموضوع يتمحور حول كيفية البدء بالعمل الجاد والتطبيقي على أرض الواقع.

هي محاولة للكسب بقدر ما تتسع الجيب مع متلازمة من الضغوط الاقتصادية غير المنفصلة عما ورد طرحه.

كيف سترجّح كفّة التحالفات إن نجحت أميركا بِاستمالة كوريا الشمالية فعلاً، وهل من تعاون صيني وثيق سيظهر رداً على «المشاغبة» الأميركية؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى