«سياحة الحواس»… كتاباً نقديّاً لشاكر سيفو
مروان ياسين الدليمي
صدر عن دار غيداء في الأردن مطلع العام كتاب بعنوان «سياحة الحواس… مقاربات في النصّ الشعري المعاصر»، للشاعر شاكر مجيد سيفو. ويندرج هذا الإصدار في إطار اشتغالاته المتنوّعة، وهي تنطلق من مشغل النقد إلى التجربة الشعرية متناولاً فيها تجارب شعرية عراقية وعربية منتقاة، يقول عنها في تصدير الكتاب: تمّ انتخاب معظمها من الدهشة الأولى، والمتعة الشعرية التي تتخلق بها معظم النصوص، ومن الوله العميق بكلّ ما تحمله من فتوحات الحداثة، وما بعدها وما تخفيه وتضمره، وما تتمظهر في ملامحها من كشوفات في استيلاد الصورة الشعرية المكهربة بالمشاعر العميقة، والحساسية الحادّة بالوجود والحياة وتنويعاتها واحتشادها بالرؤى الميتافيزيقية، إلى جانب تنويعات الشكل وتعدّد مظاهره.
يرصد سيفو في مجترحاته النقدية من خلال هذا الإصدار الفنّ الشعريّ النوعيّ لعددٍ من الشعراء العراقيين، متعقّباً انعطافاتهم الشعرية في تحوّلاتها الرؤيوية والذاكراتية وفاعلية مخيّلتهم الخصبة.
ومن خلال معطيات الكتاب وما تضمّنه من أوراق نقدية، يمكننا أن نرصد ما استندت إليه القراءات من منطلقات منهجية، حيث نجدها قد اعتمدت على معطيات القراءة الحديثة للنصّ الشعريّ، وهذا يعود إلى أنّ سيفو نفسه في نصّه الشعريّ عوّدنا أن يكتب من وحي ميراث متنوّع ينهل من روافد مختلفة تتوزّع ما بين الميتافيزيقيا والفلسفة والميثولوجيا والحكمة واليومي والأسطوريّ. من هنا تخلّقت كتابته في مستويات متراكبة «بدءاً بتفكيك الجهاز اللغويّ ومروراً بالداخل المكانيّ وتمظهرات الزمانيّ فيه وفي طبقات النصّ، وبالتالي القبض على اللامرئيّ، إذ تتحوّل القراءة هنا إلى عملية إنتاجية في غاية التعقيد أحياناً، أو تترادف عملية القراءة والكتابة معاً لاجتراح مشهدية التحوّلات الرؤيوية والجمالية والفكرية في مشغل القارئ الناقد».
ورغم ما قدم عليه شاكر سيفو من جهد نقديّ في ملاحقة الصوَر الشعرية وكثافتها الثرّة، إلّا أنه ينأى بنفسه عن صفة الناقد، فيختتم تصديره الكتاب قائلاً: «أنا شخصيّاً لا أميل إلى كلمتَي نقد وناقد في تجربيتي بالمعنى الأكاديمي في اشتغالات هاتين الكلمتين. لكنّ اشتغالاتي الحميمة في هذه التجارب تأخذني إلى الكتابة المنفلتة والمتفلّتة معاً وإلى ما سمّيتها بسياحة الحواس».
ينقسم الكتاب إلى قسمين، الأول يفضي بنا إلى قراءات في تجارب ونصوص شعرية كردية مترجمة إلى العربية منشورة في الصحف والمجلات الأدبية العراقية وبعض مواقع الإنترنت، ويفتتح قراءاته في هذا القسم بالشاعر شيركو بيكس الذي يُعدّ من أبرز الشعراء الكرد الذين امتدّت مساحة تجربتهم الشعرية على امتداد العراق والمنطقة العربية والعالم. وتتوالى من بعده رحلته لترصد تفاصيل كثيرة في المتن الشعريّ الكرديّ، مارّاً بأسماء شكّلت في حضورها أبرز علامات المشغل الشعريّ الكرديّ، مثل: دلشاد عبد الله، جلال زنكبادي، لطيف هلمت، قوباد جلي زاده، طيب جبار، حسن سليفاني، لازو، سامي هادي هورمان وريا، جومان هردي، أوات حسن آمين، هاشم السراج، صلاح جلال، خلات أحمد، فرهاد بيربال، وأسماء أخرى.
أما القسم الثاني فقد توقّف عند تجارب ونصوص شعرية عربية منشورة أيضاً في الصحف والمجلات العراقية والعربية ومواقع الإنترنت، مبتدئاً بالشاعر سركون بولص، ومفتتحاً قراءته بما يأتي: «اتّخذ الشاعر سركون بولص سيرته الحياتية اليومية والكونية استراتيجية كتابية نصّية للتدوين وتطريز النصّ في كونيته وأنظمته الإشارية وإرسال منظومة من الشفرات داخل بنى النصوص لينكتب النصّ داخل كنية تتصارع فيها الأنا الشعرية». ثمّ توالى الرصد القرائي مارّاً على أسماء شكّلت بحضورها الإبداعيّ جانباً من حيوية المشهد الشعريّ، منها: أمل الجبوري، رعد فاضل، شربل داغر، الأب يوسف سعيد، موفّق محمد، عبد الزهرة زكي، علي الشلاه، شاكر لعيبي، زهير بهنام بردى، محمد حلمي الريشة، طارق مكاوي، ماجد الحيدر، سلمان داود محمد، هادي ياسين علي، شمس الدين العوني، الهادي الدبابي، مروان ياسين الدليمي، باسم عبّاس، وآخرون.