سقلاوي: تهريب المنتجات التبغية ازداد إلى 30.1 في المئة
افتتح وزير المالية علي حسن خليل قبل ظهر أمس، المؤتمر الوطني الأول لمكافحة التجارة غير المشروعة تحت عنوان «اقتصادك إنت بتحمي»، الذي تنظمه إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية الريجي في مجمع «سيسايد فرونت» ـ بيروت، بحضور وزير الإعلام ملحم الرياشي ممثلاً بمستشاره أندريه قصاص، ومدراء عامين وشخصيات نيابية وقضائية وأمنية ونقابية وخبراء دوليين ووفود عربية.
وزير المال
بداية، تحدث خليل لافتاً إلى أنّ التجارة غير المشروعة «موضوع فائق الأهمية والأثر على حياة الناس، المنتج منهم والمستهلك والعامل ورب العمل وصولاً إلى التأثير على كل حياة الدولة، وهناك حاجة ماسة لتنقية الاقتصاد اللبناني من هذا النشاط المؤذي حتى نحميه بأنفسنا».
أضاف: «لقد ألحقت التجارة غير المشروعة خسائر كبيرة باقتصاديات العالم وتركت آثاراً اجتماعية وصحية ونفسية وبيئية خطرة، إذ تطال مع الوقت قطاعات لم تكن تطالها في السابق، ترتفع خطورة ذلك مع مرور الوقت وتوسع قدرة التجار على ولوج السوق غير المشروعة».
وتابع: «ليس من الغريب ولكنه مؤلم أن يطال التزوير والمتاجرة بالمزور قطاع الصحة فيصبح الدواء الحامل آمال الناس بالشفاء، قاتلاً للآمال وللناس معاً، فإلى أين ستصل البشرية في ما لو سادت هذه التجارة وخرجت عن قدرتنا على الضبط؟».
وأشار إلى «أنّ هذه القنوات التجارية غير المشروعة أصبحت مجالاً لنشاط مضطرد لعصابات الإجرام المنظم للاتجار بالمخدرات والمؤثرات العقلية والأعضاء البشرية والممتلكات البشرية الثقافية التي تتضمن كل موروث الإنسانية من العلوم وأساليب العيش ومحدّدات الهوية وأصول الناس والمجتمعات. ولم يقف هذا النشاط عند هذا الحدّ، فقد طال أيضاً الأسلحة والذخائر وسيكون كارثياً في ما إذا تمكن رواده من تناقل أسلحة الدمار الشامل أو الأسلحة الفتاكة على نطاق واسع. كذلك طال النشاط غير الشرعي الحيوانات ومنها ما بات مهدداً بالانقراض، وكذلك غسيل الأمول وتمويل الإرهاب وشبكات الدعارة والمتاجرة بأملاك الناس ومن خلال الهجرة غير الشرعية حتى وصل الأمر إلى الاتجار بالبشر، كما كان يحصل في العصور الغابرة التي يخجل الإنسان اليوم بممارساتها المخزية في هذا الإطار».
وأكد أنّ «التهديد الذي تشكله التجارة غير المشروعة اتسع حتى بات يطال مئات الملايين من البشر اليوم، وهو نشاط قاتل بكل ما للكلمة من معنى نظراً إلى أنه يطال الصحة والسلاح وجودة المنتجات الغذائية»، لافتاً إلى أنّ «خطر هذه التجارة على حياة الناس يفوق خطر معظم الحروب إذا اعتمد معيار المعرضين لهذا الخطر».
وأشار إلى أنّ «التجارة غير المشروعة «تطال كذلك فرص الناس في العمل فتزيد من منسوب البطالة وتودي بضمانات العاملين فيها الذين لا يملكون المطالبة بحقوقهم من رب عمل غير شرعي بل ينشط إجرامياً ويورط معه كلّ شركائه في الإنتاج»، مشدداً على أنّ «التجارة غير المشروعة تشكل بكل واقعية نشاطاً تخريبياً وتؤدي إلى تراجع العائدات الضريبية للدولة وبالتالي إلى إيذاء ماليتها والتأثير سلبا على مردود التقديمات الاجتماعية المعتمدة منها، ولا يشكل الربح الفردي من خلال تلك التجارة إلا انعكاساً للطمع».
وأوضح أنّ «الاقتصاد الشرعي هو الوحيد الذي يحمي كلّ أطراف العملية الاقتصادية، من صاحب العمل إلى العامل ومن المنتج إلى الموزع إلى المستهلك النهائي».
وأبرز أهمية «مواكبة التطور في مكافحة التجارة غير الشرعية بتطوير جهود المكافحة لها على كل المستويات، إن على المستوى الإلكتروني من خلال اعتماد الداتا الإلكترونية وصولاً إلى الدمج الكامل للمعلوماتية الجمركية التي توليها وزارة المال أهمية قصوى واستثنائية من خلال سلسلة تدابير لضبط عملية التهريب، أو من خلال اتفاقات التعاون مع الخارج لتعزيز الضوابط المعتمدة دولياً وتعزيز التعاون الجمركي والأمني وصولاً إلى مشاركة المواطنين أنفسهم في دعم هذه الجهود من خلال عدم التعامل بالمواد المهربة بل رفضها والتبليغ عنها وعن الناشطين فيها».
وشدّد على أنّ «تأثير التهريب والتجارة غير المشروعة والتهرب الضريبي والفساد أحد أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد اللبناني وإعادة الانتظام إلى المالية العامة من خلال سد الفجوة القائمة في الإيرادات الضريبية والذي لا يحصل إلا بضبط حقيقي ومسؤول وبآليات متطورة لكلّ أشكال التهريب والتهرب الضريبي».
ولفت إلى أننا «في واقع مالي مأزوم يفترض بنا على مستوى الدولة إعادة النظر بكل الواقع على المستوى التشريعي والتنفيذي ورسم الآليات الضرورية لضبط هذه التجارة غير المشروعة والتهريب والفساد الإداري والمالي بكل أوجهه وعلى كلّ مستوياته لكي يستقيم وضع اقتصادنا وماليتنا ونعيد الثقة إلى الدولة ومؤسساتها».
إقرار الموازنة رسالة إيجابية
أضاف: «في هذا السياق، نشهد على تأكيد إعادة الانتظام للمالية العامة من خلال إقرار الموازنة العامة الجديدة لعام 2018 والتي تشكل اليوم رسالة إيجابية لكل الناس على مستوى الداخل والخارج بأنّ الحياة انتظمت على المستوى المالي الحكومي من خلال هذه الموازنة، والتي حاولنا قدر الإمكان واستطعنا أنْ نجعلها موازنة متوازنة على صعيد إعادة ضبط العجز من خلال تخفيف النفقات وزيادة الواردات وإقرار جملة من الإجراءات الإصلاحية الضرورية ولكنها غير كافية والتي وضعت على السكة من أجل أن تتطور وتتحول في السنوات المقبلة إلى مسار عمل تعتمده الحكومات في عملها على كلّ المستويات».
وتابع: «ننتقل بعد أيام قليلة على مستوى الدولة إلى باريس لحضور مؤتمر سيدر لدعم الاستثمارات في لبنان والذي نواكبه بكل إيجابية ومسؤولية وواقعية لنجعل منه محطة ننتقل منها نحو واقع أفضل، لا محطة تغيب عن مواكبتها الإصلاحات فتزيدنا أعباء وديوناً من دون أن نخرج من المسار المظلم الذي نعيش فيه على مستوى المديونية العامة. هذه المديونية أصبحت تشكل عبئاً أساسياً علينا يفرض إعادة النظر من خلال هيكلة الدين العام وإدارته بالطريقة الصحيحة والموجهة لنصبح في مسار المعالجة الحقيقية لواقع ماليتنا العامة».
«سيدر» أساسي في مسار إعادة الانتظام
واعتبر أنّ المؤتمر «هو جزء أساسي من مسار إعادة الانتظام هذه من خلال ضبط التهريب والتجارة غير المشروعة التي سترفد الخزينة بالتأكيد بموارد إضافية، بما يخفف العجز ويكبر حجم اقتصادنا الوطني وناتجنا القومي حتى يصبح ديننا العام متوازناً بنسبته مع تطور الناتج المحلي من جهة بما يخفف من عجز الموازنة العامة ويدخلنا في المسار الصحيح».
وختم مؤكداً «الالتزام كوزارة وكحكومة، بجعل توصياته ورقة عمل في المرحلة المقبلة لمواجهة هذه الآفة».
سقلاوي
من جهته، رأى مدير عام «الريجي» ناصيف سقلاوي أنّ «اجتماع مختلف المؤسسات والقطاعات في هذا المؤتمر يظهر أنّ الوطن بكلّ كياناته الاقتصادية مهدّد».
ولفت إلى «أنّ التهريب يشكل اليوم تهديداً حقيقياً لأمن الدول واستقرارها الاقتصادي في ظل الحدود المفتوحة، لا سيما في واقعنا الجغرافي»، معتبراً أنه «مسألة تهدد الاقتصاد اللبناني الذي يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى حماية». وقال: «اقتصادنا نحن من يحميه، وعلينا نحن تقع مسؤولية حمايته من كلّ التهديدات وأبرزها التجارة غير المشروعة، ومسؤولية الحفاظ على موارد الخزينة وعائداتها، ومضافرة الجهود ورفع الصوت عالياً، لأنّ الدولة أحقّ بمواردها، والوطن أحق بمداخيله واللبنانيون أحق بكل قرش يسلبه منهم المهربون والمقرصنون والمزورون».
أضاف: «آفة التهريب تنخر كل القطاعات وليس قطاع التبغ دون سواه، فالقطاع الخاص، يعاني كما القطاع العام، والقطاع الصناعي يعتبر الأكثر تضرراً. إن جهد أي جهة يبقى منقوصاً ما لم يصب ضمن رؤية وطنية جامعة وشاملة، لا سيما أنّ مكافحة تهريب المنتجات التبغية ليست محوراً منفرداً بل تتقاطع وتتشابك مع إشكالية التهريب بشكل عام، وبالتالي فإنّ الجميع معني ومطالب بمكافحته من موقعه ومن مسؤوليته».
وأشار إلى أنّ «تهريب المنتجات التبغية عالي الربحية وآمن نسبياً للمهربين فما يترافق معه من عقوبات لا يشكل أي رادع فعلي أو جدي»، لافتاً إلى أنّ «الدراسات بينت العلاقة بين تهريب التبغ والجرائم الأخرى مثل مشاركة مهربي التبغ في أعمال غير مشروعة كالغشّ في المنتجات ونقل البضائع والاتجار بالمخدرات وأعمال الإرهاب وغسل الأموال والاتجار بالبشر، وأظهرت أنّ هؤلاء يؤدون دوراً مهماً في تسهيل حركة التبادل ونقل الأموال والعائدات نيابة عن مجموعات الجريمة المنظمة».
وأوضح أنّ «تقارير إحصائية أظهرت أن معدل تهريب المنتجات التبغية في لبنان ازداد من 6.1 في المئة إلى 30.1 في المئة عام 2017، وأنّ العالم العربي يتربع على رأس لائحة ضحايا التجارة غير المشروعة وانعكاساتها المتنوعة، إذ بلغت خسارته وفق آخر دراسة أجريت نحو 739 مليار دولار أميركي بين عامي 2003 و2012، أي نحو 75 مليار دولار سنوياً».
تراجع مبيعات «الريجي»
وعرض بعض الأرقام المتعلقة بتراجع مبيعات «الريجي» نتيجة التهريب في الفترة الأخيرة، كاشفاً في هذا الإطار أنّ «قيمة مبيعات الريجي في تراجع منذ العام 2012، إذ انخفضت من مليار دولار عامذاك إلى 564 مليون دولار عام 2017».
وإذ ذكر بأنّ «الريجي خامس مصدر لدعم الخزينة اللبنانية»، حذر من أنّ «الضرر اللاحق بقطاع التبغ جراء التهريب سينعكس لا محالة على عائدات الدولة». ولفت إلى أنّ «ما يخسره الاقتصاد الوطني سنويا بسبب أعمال التهريب والاتجار غير المشروع في قطاع التبغ فقط، يبلغ راهناً 300 مليار ليرة والخسارة الفعلية أكبر بكثير من الأرقام وتنطبق طبعاً على القطاعات كافة، والخسائر إلى تزايد، بالإضافة إلى أنّ التهريب يحرم الخزينة عائدات مفترضة نتيجة عدم القدرة على رفع الأسعار بما يتناسب مع أسعار التبغ العالمية، ذلك أن أية زيادة في الأسعار ستكون دافعاً لزيادة أعمال التهريب».
وأشار إلى أنّ «الريجي استطاعت في العام 2016، وبمساندة وزير المال ودعمه، وبالإمكانات المتاحة، تحقيق بعض النجاح في مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة»، مثمنا تبني خليل «كل اقتراحات الريجي في هذا الشأن، ومنها القرار الجريء الذي يقضي بتحميل الشركات المستوردة ثمن البضائع المهربة ورسومها الجمركية والارباح الفائتة على الخزينة، وتعزيز مكانة الصناعة الوطنية من خلال تنفيذ مخطط شامل لتطوير الصناعة الوطنية وإنتاج أصناف تنافس تلك المهربة، إضافة الى توقيع اتفاقيات تصنيع أصناف عالمية في معامل الريجي». ولفت إلى «ضبط استقرار الأسعار في السوق خاصة عند رفع الضريبة».
خطة للتنمية المستدامة
وأوضح أنه «استكمالاً لهذه الجهود، وضعت الريجي في العام 2016 خطة للتنمية المستدامة بمشاركة جميع المساهمين في أعمالها، فحلت ضرورة مكافحة التجارة غير المشروعة في أعلى سلم أولوياتها»، آملا أن يساهم المؤتمر في «الخروج بحلول منطقية وعملية تناسب الجميع».
ولفت إلى أنّ «آفة التهريب خطرة وتعادل عائداتها جزءاً كبيراً من عائدات الثروة النفطية الموعودة وبالإمكان وضع اليد عليها». وإذ استغرب «العجز والاستسلام أمام معابر مفتوحة»، شدّد على أنّ «شبكات التزوير في معظمها معروفة وكاملة الأوصاف»، داعياً إلى «الإفادة من التجارب الدولية والخروج بمقاربة متكاملة لمكافحة التجارة غير المشروعة تصب في مصلحة كل القطاعات».
وقال: «اقتصادنا نحن من نحميه، واليد الواحدة لا تصفق منفردة، فلنضع معاً توصيات تؤسس لخطة واضحة ومشتركة لمكافحة التجارة غير الشرعية وليخرج مؤتمرنا بإجراءات عملية تحمي قطاعاتنا، وتحمي الدولة والخزينة والمواطن».
وطرح سقلاوي جملة توصيات «بمثابة خطة خمسية للأعوام المقبلة، من أبرزها: مساندة ودعم وتنفيذ الاستراتيجيات الوطنية لمكافحة التجارة غير الشرعية التي ستنتج عن المؤتمر، وتعزيز التعاون والتنسيق بين الأجهزة الأمنية والقضائية وصولاً إلى تشكيل لجنة مشتركة مع مختلف الأجهزة لتعزيز الاستقصاء والاستخبار والملاحقة، والسعي مع الأجهزة القضائية والتشريعية الى تحديث القوانين والتشريعات اللازمة لمكافحة التهريب والتشدد في تطبيق الأحكام القضائية وصولا إلى العقوبات الجزائية».
كذلك اقترح «زيادة الوعي عند المستهلك من خلال حملات التوعية ونشر المعلومات حول المخاطر الصحية والاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بتجارة التبغ غير المشروعة، والتأسيس لقاعدة بيانات وطنية مشتركة لتبادل المعلومات من خلال اعتماد تكنولوجيات حديثة وتنفيذ نظام متطور للتتبع والتعقب، والسعي مع الدول المجاورة الى مواءمة سياسات توحيد الأسعار ومعدلات الضرائب لضبط اختلال التوازن في أسعار السجائر عبر الحدود وخصوصا في ظل تدني اسعار المنتجات التبغية في بعض الدول المجاورة عن أسعارها في لبنان».
وأمل أن يكون المؤتمر «حجر أساس لإطلاق مبادرة جامعة من كل الجهات المعنية بموضوع مكافحة التهريب، وأن تكون توصياته خطوة جدية في سبيل رسم خريطة طريق تسمح بمواجهة اشكالية التهريب في لبنان والتصدي لها كل من موقعه»، داعيا إلى «اعتبار يوم 28 آذار من كل سنة يوما وطنيا لمكافحة التجارة غير المشروعة».