«ليبراليّة عربيّة» عقيمة فكريّاً
جورج يونان
كثُرَ الحديثُ عن الديموقراطية والحرية، من بعض الأنظمة العربية اللاديموقراطية والمتزمتة وبعض ما يسمى بالـ» ليبراليين العرب». وكان الكاتب الراحل سعيد تقي الدين يقول ما أفصح المومس حين تتحدث عن العفاف أنقلها بتصرّف، فقد استعمل الكلمة العامية للمومس .
مقال طويل لي نشرته جريدة «الحياة» عام 1997 في ثلاث حلقات تحت عنوان «الفكر القومي والنزعات اللاقومية» أختمه كالآتي: «الحقيقة أن صدقية الليبرالية العربية في العمل الديمقراطي، وعلى مدى تاريخها، آمر مشكوك فيه. وليس التشديد على الديمقراطية هو الذي أدى الى ظهور الفكر الثوري واستقطابه للعسكريين. ولكن التحايل على الفكر القومي ثم معاداته هو الذي أدى الى ذلك. وقد اتسم أغلب هؤلاء «الليبراليين» بالعقم الفكري، لا بل أنهم في قصورهم الفكري هذا كثيراً ما اختاروا معاداة الفكر القومي، والتستر بالفكر الأصولي والتحالف معه في شتّى أشكاله وملله. إن الموقف السياسي عندهم لم يتعد الولاء لعائلاتهم ولمذاهبهم الدينية ولحلقاتهم التجارية، لا بل أنهم التزموا بها. ولقد تبنوا وسرقوا كثيراً من الشعارات السياسية فقط لينافقوا بها. وما كانت مواقفهم إلا مساومات مع الأجنبي على الأهداف القومية بهدف حفظ المراكز والتشبث بالسلطة، والأمثلة كثيراً بدءاً من موقف حكومة عثمان باشا رفقي من أحمد عرابي العام 1882، ومروراً بمناورات مما سمي بالكتلة الوطنية في سورية ومثيلتها في لبنان. هؤلاء «الليبراليون» الذين انحصروا في أربع دول هي سورية ولبنان والعراق ومصر، أسقطوا احمد عرابي ورشيد عالي الكيلاني، واغتالوا عبد الرحمن الشهبندر وقتلوا أنطون سعاده وكانوا مسؤولين عن أكبر كارثة حلَّت بالعالم العربي وهي إضاعة فلسطين وإقامة دولة «إسرائيل». الليبراليون هم الذين ألغوا الوحدة الجمركية بين سورية ولبنان: خالد العظم لإرضاء تجار دمشق الذين كانوا ينتخبونه، وبشارة الخوري إرضاء للتجار اللبنانيين. يصف خالد العظم هذين الموقفين في مؤامرة القطيعة الاقتصادية بين سورية ولبنان، فيقول: «لكن حماسة بشارة الخوري ومسايرة رياض الصلح له ولزمرة التجار اللبنانيين، وفّرتا علينا كل هذه المتاعب وأزالتا من أمامنا العقبات…» وكانت القطيعة «وحفظ أهل دمشق لي في قلوبهم منة لتحقيقي ما عاد عليهم جميعاً بالوفر والربح والعمل. وأظهروا هذه المنة في الانتخابين الشرعيين في 1954 و1961…» مذكرات خالد العظم الجزء الثاني ». «الليبرالية العربية» هي التي عملت كل شيء لإرهاق جمال عبد الناصر والتخلص منه. «الليبرالية العربية» ، المرهونة للغرب والقوى الإستعمارية ، هي التي باركت وثيقة الاستسلام في «أوسلو». «الليبرالية العربية» هي التي تواطأت مع المستعمر في إضاعة لواء الإسكندرون. ثمة مقال لأنطون سعاده في جريدة « النهضة» البيروتية في العشرين من شهر تشرين الأول عام 1937 يقول فيه: «ليس فقد لواء الإسكندرونة عائداً إلى السياسة الإنترناسيونية فحسب، بل إلى سياسة الحزبية والعنصرية التي سارت عليها « الكتلة الوطنية» مضافةً إلى السياسة الإنترناسيونية…» ويضيف: «فإن بعض أعضائها يتشبثون بمبدأ الحزبية قبل كل شيء، وضرورة منع التطور القومي إلا ضمن قالب الكتلة…» ثم يختم: « الحقيقة أننا تجاه مشاكل قومية خطيرة لا تفيد فيها العجرفة البوربونية ولا يفيد فيها إلاّ الضمير القومي الحي». البوربون هم الذين كرّروا أغلاطهم . أنطون سعاده. الأعمال الكاملة. الجزء الثاني . ص: 180-181 .