مقبل متمسك بالهبة الإيرانية أسوة بكردستان العراق السعودية تطرح على ضيوفها التطبيع مع «النصرة»
كتب المحرر السياسي:
الفراغ الميثاقي قد يكون بانتظار اللبنانيين، إذا بقي الغموض في موقف البطريرك بشارة الراعي من إعلان رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، عن التفاهم معه على التمديد للمجلس النيابي بداعي أولوية الانتخابات الرئاسية على أي استحقاق آخر، فيما كلام البطريرك لغسل يديه من دم التمديد، بمعادلات «لا نتدخل في هذه الأشياء» من جهة، و»طالما التمديد غير دستوري فنحن لا نبارك شيئاً غير دستوري» من جهة أخرى، زاد الصورة تشويشاً بدلاً من توضيحها، فمعادلة الرئيس نبيه بري لعقد الجلسة التي سيطرح عليها التمديد للمجلس النيابي، متوقف على توافر الشرط الميثاقي نفسه المطلوب توافره لإجراء الانتخابات.
موقف التيار الوطني الحر الرافض وصولاً إلى البحث في مقاطعة الجلسة، لا تلغي مفاعيله من زاوية الضرورة الميثاقية مشاركة «القوات اللبنانية» وحزب «الكتائب» في الجلسة والتصويت ضدّ التمديد، أو توزيع الأصوات بين مع وضدّ، لأنّ المطلوب تغطية مسيحية كافية بنعم واضحة ودفاع سياسي وإعلامي عن الخيار، وفي هذه الحالة سيكون موقف علني مباشر من البطريرك الراعي، بتأييد التمديد، شرط الحدّ الأدنى لتعويض مقاطعة العماد ميشال عون ونواب تكتل الإصلاح والتغيير.
الفراغ يصير شاملاً، لبنان بلا رئاسة وبلا مجلس نيابي، ليحسم دستورياً إجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية، بينما تنتشر الاجتهادات التي تتحدّث عن شرعية مواصلة المجلس النيابي من دون تمديد لمهامه في انتخاب رئيس للجمهورية فقط، من منطلق التمييز بين نهاية الولاية من دون إجراء الانتخابات ووجود رئيس جمهورية، أو في ظلّ فراغ رئاسي، باعتبار مهمة المجلس الانتخابية مستمرة حتى الإنجاز وفقاً لقاعدة تسيير المرفق العام.
في المقابل، ينعقد مجلس الوزراء لجلسة ستغيب عنها مناقشة الهبة التسليحية الإيرانية، بعدما ربح وزير الدفاع على خصومه معارضي الهبة بالضربة القاضية، عندما طرح السؤال عن كيف يقبل العالم كله أن تسلّح إيران كردستان العراق، ولا يخرج أحد في كردستان أو في العالم للحديث عن لا مشروعية الدور الإيراني التسليحي بذريعة العقوبات، بينما يتبرّع ساسة لبنانيون لفعل العكس والطعن بحق بلدهم والتمسك بوجود موقف دولي، لا يستطيع التعطيل إذا ما كان الموقف اللبناني مبنياً على معادلة لماذا حلال في كردستان وحرام على لبنان؟
في قضية العسكريين المخطوفين، بينما لا يزال المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم في قطر، متابعاً للمسار التفاوضي، والمجموعات المسلحة في جرود عرسال تنتظر تطورات الطقس لتنتقل إلى الخطوة التصعيدية اللاحقة، كانت المفاجأة ما تسرّب عن وجود ربط ضمني بين حلّ قضية العسكريين المخطوفين وما هو أبعد من الإفراج عن موقوفين مطلوبين للقضاء اللبناني بجرم الإرهاب، فقد نقلت مصادر متابعة لما يجري من تغيير في مواقف السعودية ودول الغرب، تجاه التسليم باستحالة بعث الروح في جثة الجيش الحرّ والائتلاف المعارض، عن بعض قيادات المعارضة السورية في تركيا، امتعاضها من دعوات السعودية للتطبيع مع «جبهة النصرة»، التي يبدو أنها لم تحظ بدعم موشيه يعالون وزير الحرب «الإسرائيلي»، ومقابلها بتفهّم ودعوة للانفتاح من النائب وليد جنبلاط، إلا بعدما حسمت السعودية مدّ الخيوط والخطوط مع فرع تنظيم «القاعدة»، المسمّى بـ»جبهة نصرة بلاد الشام». وهذا ما قالت المصادر نفسها إنه شكل الطبق الرئيسي على المائدة السعودية، لكلّ من النائب سامي الجميّل ممثلاً والده الرئيس السابق أمين الجمّيل ومثله مع قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع.
بقي موضوع التمديد للمجلس النيابي طاغياً على الاهتمامات السياسية الأخرى، لجهة تأمين غطاء مسيحي له بعد اتضاح موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي الرافض له، فضلاً عن التيار الوطني الحر وحزبي الكتائب و»القوات اللبنانية».
وعلمت «البناء» أن المعلومات التي كانت وردت إلى بيروت من الرئيس سعد الحريري بعد اجتماعه مع البطريرك الراعي في روما الأسبوع الماضي، حول حلحلة مسألة التمديد، تبين أنها في غير محلها وقد بددها تصريح البطريرك بعد عودته إلى بيروت أول من أمس. الأمر الذي فرض واقعاً جديداً واستدعى إجراء مزيد من المشاورات في هذا الشأن، وبالتالي فإن الإخراج لم يكتمل بعد وإن كان المرجح أن يتبلور وينجز الأسبوع المقبل. وما أكد ذلك هو استدعاء رئيس حزب «القوات» سمير جعجع إلى السعودية لتأمين غطاء مسيحي للتمديد، خصوصاً أن هناك خشية حقيقية من أن يلجأ رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون إلى اتخاذ الموقف نفسه الذي اتخذه في التمديد الأول.
لكن وبعد اللغط الذي أثاره بيان الرابية أول من أمس حول التمديد، أوضح أحد نواب التكتل ممن شاركوا في لقاء الأربعاء النيابي، أن التكتل ضد التمديد، لكن ما صدر حول التقدم بالطعن لا يعبر عن موقف العماد عون الذي لم يتخذ قراراً بذلك بعد، لافتاً إلى أن هذا الموضوع لا يزال يدرس من قبل الحقوقيين.
بدوره، أكد أمين سر التكتل النائب إبراهيم كنعان لـ«البناء» موقف التكتل الذي صدر عنه الثلاثاء، قائلاً: «نحن لا نمزح في رفضنا التمديد، وموقفنا ليس للمناورة، وليس موقفاً سياسياً للمقايضة». وأشار إلى «أن معارضة التمديد لن تكون شكلية، وعلى كل الكتل النيابية تحمل مسؤولية قراراتها، وأن كل الاحتمالات مفتوحة من عدم حضور جلسة التمديد، إلى الطعن وصولاً إلى التحركات الديمقراطية».
وإذ أكد أنه ليس في الدستور مواد تمنع إجراء الانتخابات النيابية بسبب عدم إجراء الانتخابات الرئاسية، لفت كنعان إلى «أن الانتخابات النيابية محددة أصلاً قبل الرئاسية». ورأى «أن هناك قراراً متخذاً سلفاً منذ التمديد الأول، بتمديد كل الأزمات في لبنان لحين انتهاء كل الأزمات في المنطقة». وشدد كنعان على «أن تكتل التغيير والإصلاح يحاول كسر هذه الحلقة المفرغة وتحرير الاستحقاقات اللبنانية من الإملاءات الخارجية، إلا أن ما نطالب به من حلول يعتبرونه مستحيلاً في حين يتم الأخذ بالحلول التي تطرح من القوى السياسية الأخرى لأنها تناسب المعطى الإقليمي».
وكان جعجع عاد من السعودية بعد أن قابل فيها عدداً من المسؤولين.
كما التقى الرئيس الحريري، فيما غادر إلى الرياض وزير العدل أشرف ريفي.
تسييس الهبة الإيرانية
حكومياً، يعقد مجلس الوزراء جلسة قبل ظهر اليوم في السراي الحكومية برئاسة الرئيس تمام سلام، للبحث في جدول أعمال مؤلف من 47 بنداً أبرزها تلزيم الهاتف وملف النفط. كما سيبحث في ورقة العمل المتعلقة بالنازحين السوريين التي صدرت عن اللجنة الوزارية، فيما سيضع الرئيس سلام مجلس الوزراء في أجواء المفاوضات الجارية لإطلاق سراح العسكريين المختطفين.
ولفتت مصادر وزارية لـ«البناء» إلى أن ملف النفايات أرجئ إلى جلسة أخرى نتيجة الخلاف الحاصل حوله، كما أن موضوع الهبة الإيرانية لتسليح الجيش اللبناني لن تحضر في الجلسة بسبب عدم انتهاء قيادة الجيش من دراستها.
إلا أن مصادر مطلعة على زيارة وزير الدفاع سمير مقبل إلى طهران أشارت إلى «أن مقبل سيطرح موضوع الهبة على جلسة مجلس الوزراء الأسبوع المقبل»، لكنها توقعت «أن يتم تسييس الهبة في ظل الاعتراضات عليها من فريق 14 آذار والضغوط التي يتعرض لها سلام وقيادة الجيش لعدم قبولها تحت ستار العقوبات على إيران».
وأكدت المصادر أن موقف مقبل خلال زيارته طهران «كان ايجابياً وأن الإيرانيين لمسوا جدية في لقاءاته وتصريحاته التي توحي بقبول الهبة، إلا أنهم يدركون أن حسم الموضوع يعود إلى مجلس الوزراء مجتمعاً».
وبالتوازي، أكدت المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية مرضية أفخم أن إيران تنتظر رد لبنان على الهبة لإرسالها إليه، واصفة زيارة مقبل طهران بـ«الإيجابية». وهذا ما أكده الوزير مقبل الذي أبدى حماسته للهبة. وأشار في حديث تلفزيوني، إلى أن رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط نصحه بعدم الذهاب إلى إيران، مؤكداً أنه كوزير للدفاع كان مقتنعاً بالذهاب من أجل البحث في أي مساعدة ممكنة للجيش اللبناني.
ورداً على سؤال، أوضح أن لبنان لم يتلق أي تحذير رسمي بعدم قبول الهبة من قبل أي جهة دولية، لافتاً إلى أن الفقرة الخامسة من قرار العقوبات ترجمتها غير دقيقة. وأعلن أنه سيطرح موضوع حصول إقليم كردستان العراق على السلاح من قبل إيران عند نقاش الملف مع ممثلي مجلس الأمن الدولي، في حال موافقة مجلس الوزراء على الهبة عند عرضها عليه، لافتاً إلى أن أي فريق يريد أن يرفضها عليه أن يقدم المبررات.
وزير يشجع المسلحين على رفع الشروط
على خط آخر، صعد أهالي العسكريين المخطوفين تحركهم وقطعوا طرق الصيفي في وسط بيروت ما أدى إلى حدوث إشكالات في ما بينهم ومع المارة، قبل أن يعيدوا فتح الطريق بعد ساعة، فيما المفاوضات لتحرير العسكريين تراوح مكانه بحسب ما أكدت مصادر مطلعة لـ«البناء».
وأشارت المصادر إلى أن تحريك المفاوضات ينتظر ما سيعود به المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم من قطر. لكنها لفتت إلى أن الأمور لا تزال تدور في الحلقة المفرغة، على رغم أن الاتصالات كانت قائمة قبل زيارة ابراهيم قطر. وعزت المصادر المراوحة إلى الصراع القطري السعودي والذي ينعكس على الحراك الحكومي في ما يتعلق بالمفاوضات مع المسلحين، مضيفة إلى هذا السبب «ما يقوم به أحد الوزراء في تيار المستقبل لرفع شروط «جبهة النصرة» بما يخص عملية التبادل». وبحسب المصادر فان هذا الوزير بعث برسائل إلى المسلحين لا تمانع بأن يكون تحرير كل جندي في مقابل إطلاق سراح عشرين موقوفاً ممن تطالب بهم «النصرة» من إرهابيين.
المشنوق يكرر مواقفه
إلى ذلك، كرر وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق تمسكه بمواقفه التي أطلقها في ذكرى اغتيال الرئيس السابق لفرع المعلومات اللواء وسام الحسن. وقال في حديث إلى محطة «الجديد»: «كل ما أردته من الخطاب تصويب الخطة الأمنية وسميت من أخذت عليهم التقصير في متابعتها وإنجاحها في مناطق محددة من لبنان».
وأضاف: «لم أقصر بموقفي من الوضع الأمني على الحدود ولم يتجرأ أحدهم بقول ما قلته في شأن الموقف على الحدود أو في شأن الأطراف التكفيرية الموجودة على الحدود، أنا معني بالحدود وبكل أرض لبنانية كما أنني معني بأمن كل اللبنانيين وأمانهم». ولفت إلى أن «الوضع الأمني والسياسي في البلد يحتمل التشاور حول مشاركة حزب الله في الدفاع عن الحدود وأن يكون موضع نقاش وربما إجماع بين الأطراف اللبنانية».
قاسم: اتهاماتهم وشتائمهم فقاقيع
في المقابل أكد الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أننا «تجاوزنا فخ التحريض بعدم الرد على المحرضين، لتحويل اتهاماتهم وشتائمهم فقاقيع من دون مضمون ولا فائدة، ونجحنا مع القوى الوطنية الشريفة في أن نكون صفاً واحداً بوجه التوطين والتقسيم والإرهاب التكفيري».
وشدد بعد لقائه وفد «اللقاء الوطني» برئاسة رئيس حزب الاتحاد عبد الرحيم مراد، على أن «جهادنا في سورية حمى لبنان وشعبه ومقاومته، ومن يراقب الأزمة الحالية في لبنان بتعطيل كل شيء يجد المشكلة في استمرار مراهنات البعض على الاستفادة من مشاريع المحور الأميركي والإرهاب التكفيري لتغيير المعادلة في لبنان والمنطقة».