الحقيقة التي جعلت ترامب يَعِدُ بالخروج من سورية!

محمد ح. الحاج

هل هي المرة الأولى التي يصرّح فيها رئيس دولة بأمر لا تعلم عنه حكومته وخصوصاً الوزارات المختصة الدفاع والخارجية، وربما تكون استشارة واحد من أوساط وزارة الدفاع هو السبب باعتبار أنّ وزارة الدفاع الأميركية لا تتجه إلى صدام لم تعدّ العدة له، ولم تتوقعه كما لم تتوقع القدرات والإمكانات العسكرية الحديثة التي وصل إليها الخصم الروسي وكشف عنها القيصر رغم حرص الطرفين على وصف الآخر بالشريك!

قد تكون زلة لسان، أو هي رغبة مكبوتة انطلقت تلقائياً دون انتباه ودون حساب عواقبها، أو ربما هو اتفاق ثنائي مع الشريك اللدود أردوغان كترضية له واستجابة لطلبه المعلن بخروج القوات الأميركية من منبج والرقة وكأنه القادر على الحلول محلّ هذه القوى، هذا ما لا يؤيده الكثير من المراقبين والمحللين، مع أنّ البعض لا يسقط من حساباته الجانب التمثيلي المسرحي الذي تلعبه كلّ من تركيا والإدارة الأميركية على الساحة السورية، الأرجح هو ليس خافياً على الروسي ومن حقنا التساؤل: هل من رغبة روسية لتوريط تركيا وكشف تردّد الحلف الأطلسي عن تلبية استغاثتها عندما تسقط في رمال الجزيرة السورية، أو دفعها لصدام مع الحليف الأميركي؟

لم تكن أدوات الغرب والعربان في الغوطة قد سقطت كاملة، لكن النتيجة كانت واضحة مقروءة، الأكثر وضوحاً كان التصميم السوري على رفع الخطر عن العاصمة، والدعم الروسي الذي يلقاه، وما الفورة الغربية إلا بعامل السقوط المدوّي للمشروع وما ترتب عنه من فضائح ما زالت مستورة حتى اللحظة، ربما لاستكمال المعلومات ودراستها وربط الأجزاء ببعضها لتشكّل لوحة متكاملة، خبراء وضباط من جنسيات مختلفة، مجموعة بريطانية تتبع الاستخبارات، وخبراء عسكريين، انكليزي وأميركي وصهاينة ويعلم الله من غيرهم، الغوطة كانت وكراً للدبابير من كلّ الألوان والمقاييس، هذا الوكر جاءه الخراب من حيث لم يتوقع ويقال أُسقط في يد المشغلين جميعاً.

قد يتذرّع السعوديون الذين فقدوا ما يقرب من تسعة آلاف مواطن قتلى على الأرض السورية بأنهم مواطنون تسرّبوا بغفلة عن دولتهم كما تسرّب السوريون قبلاً إلى العراق وقبلها أفغانستان، ومثل السعودية الإمارات والكويت وقطر رغم المواقف التي فضحتهم والإقرار الصريح والواضح لوزير خارجية ورئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم، ولكن، ما الذي جاء بفريق الاستخبارات الانكليزي والضباط الأميركيين والصهاينة وغيرهم، ومعهم أدوات صناعة الأسلحة الكيميائية، منها الذي تمّ استخدامه ومنها ما كان مهيّأ للاستخدام، وقد وقفت الرقابة الروسية المشددة حائلاً دون ذلك، حيث كان الإعلان وتحديد الموقع يسبق التنفيذ… وهو ما جعل أصحاب القرار يحجمون بل يرتدعون.

من السخرية بمكان القول إنّ رئيس دولة عظمى لا يرجع إلى ضباطه أو مستشاريه في شأن بهذا المستوى من الخطورة حرب عالمية – وتراه يتحدث عن الصفقات المربحة، وما أنفقه في «الشرق الأوسط» من مليارات دون مردود! ولهذا السبب يعلن انسحاباً قريباً من سورية ويترك معالجة الأمور لدول أخرى… لم يحدّدها، فهل هي دول العربان وتركيا والصهاينة، وهل هو رئيس مؤهّل لإدراك خطر إغلاق السماء السورية أمام الطيران أيا تكن جنسيته، وهذا ما يجعل قواته المنتشرة في الجزيرة من دون غطاء جوي! العاقل لا يصدّق ذلك، ترامب لا يفكر بهذه الطريقة، وحدهم جنرالاته يستطيعون التقدير والتحليل وتقرير مدى الخطورة وهؤلاء كانوا بعيدين عن الرئيس ومؤكد أنه لم يتصل معهم ولا مع مستشاريه العسكريين، ترامب تحدث هكذا من تلقاء نفسه دون معرفة أبعاد الحديث والقرار، فقط ربما خطر له أنه بهذا القرار يقدّم ترضية لشريكه التركي، ولكن ماذا عن الموقف الصهيوني، بالأحرى ردّ فعل قادة الكيان الصهيوني على موقف حليف مع أنه ليس قراراً؟

الرئيس ترامب الذي حصد ما لم يحصده رئيس قبله من الصفات، الأبله، الكذاب، الثور الأحمر، الانفعالي الموتور، الغرّ في السياسة، والمواصفة التي تليق به أكثر… الطماع… الصندوق المشبع برغبة جمع الأموال، وهي صفات لا تدفع بالمراقبين للثقة بما يقول، وبعضهم يقول هي كذبة من مئات أطلقها عبر مسيرته القصيرة ولم يتعوّد حتى اللحظة أن يلعب دور القائد الجدي لدولة تمتّعت بوحدانية السيطرة على العالم أكثر من عقدين، ومع ذلك لو أنّ ترامب اجتمع بمستشاريه وضباط القيادات المختلفة لخرج بذات الرأي ولكن على شكل قرار يحدّد بدايته وتفاصيله، لأنهم سيبلغونه أنّ استخباراتهم تؤكد جدية القيصر بوتين، وأنه فعلاً القادر على إلحاق هزيمة بالغرب المتكبّر والمتعجرف، وأنّ القيصر لن يسمح بعد اليوم بوحدانية القوة فهو أكثر من ندّ وأكثر من قادر، وأنّ الغرور الأميركي والغطرسة وقفت حائلاً دون وعي اللحظة وتحقيق التوازن، اعتقد الغرب وعلى رأسه أميركا أنّ روسيا ملهية بمشاكلها الاقتصادية وأنها صرفت النظر عن سباق التسلح، روسيا فقط لم تعلن والتزمت الصمت، ألم تكن يوماً تحمل لقب الستار الحديدي، ولا شكّ أنّ العملاء المزدوجين نقلوا للغرب ما أرادت روسيا أن يصل فيطمئنوا، واحتفظت لنفسها بعظيم ما أنجزت من قدرات على المستوى العسكري براً وبحراً وجواً.

روسيا التي كسبت إلى جانبها قوى كبرى ستنحاز إليها في أيّ صدام مستقبلي ليست وحيدة ولن تخسر في أيّ نزال، هذا ما يدركه حلفاء أميركا الأوروبيون، وهم من سيتولى تحذير الرأس الفارغ من الإقدام على اللعب بالنار، فقد وصل مزاج الدبّ الروسي إلى قمة الإثارة ولم يعد بحاجة لمزيد بعد ان استكمل حشد قواه في مواقع حصينة، ومع أنّ الروسي ليس لديه الدافع أو الرغبة لضرب أو تدمير «إسرائيل» كما هي الرغبة السورية والإيرانية إلا أنه لن يقف مدافعاً عنها كونها ستقف مع غرب حماها وما زال… وهذا الموقف الروسي سيكون مفهوماً لقادة الصهاينة وأن هذه الحقيقة هي التي يجب أن تدفع ترامب ليتعهّد بالانسحاب من سورية وأظنّ هي رغبة صهيونية حتى لا يكون المشرق ساحة نزال عالمية ولو محدودة ستكون «إسرائيل» أول ضحاياها، قادة الصهاينة يرغبون بممارسة طريقتهم في الصراع.. ضربات يسمّونها وقائية تصحبها تصريحات بعدم الرغبة في زيادة التوتر أو الوصول إلى حرب شاملة بعد أن جرّبتها مرتين وتذوّقت طعم هزيمتين صغيرتين كادتا توصلان قطعان المستوطنين إلى قناعة شاملة باستحالة العيش في المنطقة، ولكن، حدثت الهجرة وتمّ التستر على أعداد المغادرين كما جرت محاولات حثيثة لترميم الانتشار الديمغرافي المهزوز، وها هم يبنون مئات المنازل في مستوطنات شبه خالية، وسيجدها الفلسطينيون إنْ وقعت حرب كبرى خاوية، وستكون المرحلة الأولى من الحرب انكماش السكان في داخل الداخل استعداداً للرحيل النهائي، لهذا نشاهد ونلمس المبالغة في العنف حتى تجاه الأطفال والتظاهرات السلمية في محاولة لرفع المعنويات المهتزة في جبهة الداخل.

حقيقة أنّ قيام حرب دولية محدودة تمسح عن الخريطة دولاً قامت بغفلة من الزمن، واستعادة أقاليم تمّ منحها لغير أصحابها، هي الحقيقة التي تجعل الجميع في الغرب وخاصة أوروبا يفكر كثيراً ويمتنع وليس فقط يتردّد عن المشاركة والنأي بنفسه، لا أحد في أوروبا على استعداد للدفاع عن كيان قام على قاعدة الخرافة، وتمّ إيجاده بقرار عصابة أممية، فكان عاقاً بأبوتها لدرجة وصفها بأبشع النعوت وخرج على قراراتها إن تمكنت من إصدار قرار.

قد نجد من يصدر توصية لرئيس الإدارة الأميركية، وقد أتبناها، لا تقل ما أنت عاجز عن فعله، على الأقلّ ليكن وزنك كرئيس مناسب لوزن دولتك وإلا فإنّ من أتوا بك قد يسقطوك… قريباً، وقريباً جداً… ونفذ وعدك بالخروج من الأرض السورية قبل أن تلحق بك لعنة سورية والسوريين أبناء الشمس الخالدة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى