هل فعلاً حققت أميركا أهدافها في سورية؟
مهران نزار غطروف
في خطابه يوم الخميس 29 آذار/ مارس الفائت، أطلّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب من ولاية أوهايو، معلناً عن خطوة متوقعة بحسب المعطيات الميدانية على الساحتين السورية والعالمية – وليست مفاجئة كما سوق البعض.
هذه الخطوة هي عزم بلاده مغادرة قواتها الأرض السورية، بحجة تنفيذ المهمة التي أوجدت لأجلها، وهي على حد قوله: «التخلص من داعش، والعودة إلى المنزل»، حيث سيوكل الأمر بعد رحيلهم حسب زعمه «لشركائهم الآخرين»، مضيفاً: «نحن لسنا هناك لأيّ سبب آخر، ولقد حققنا هدفنا إلى حد كبير».
خطوة الانسحاب بحدّ ذاتها خطوة حمّالة أوجه، كيف إذ تصدر عن شخصية مثل ترامب! الذي لا يعترف إلا بلغة الأرقام الربح والخسارة ، وعن إدارة مثل الإدارة الأميركية طالما عرفت بسياسة اللعب تحت وفوق الطاولة بآن واحد، وما يتحقق يكون الخيار الصحيح، وليس كما قال سابقاً ونستون تشرشل: «إنّ واشنطن تجرّب كلّ الخيارات الخاطئة، قبل أن تتخذ القرار الصحيح»!
حقيقة في خطاب ترامب يوجد ما يستحق التوقف عنده وإثارته، أكثر من هذه الخطوة ذاتها، يظهر ذلك بقوله: «لقد حققنا هدفنا إلى حدّ كبير».
حيث يتبادر إلى الذهن مباشرة سؤال مفاده: ما هو الهدف الذي جاءت أميركا لتحقيقه في الشرق الأوسط – عبر الساحة السورية وأنجزته على حدّ زعمه «لحدّ كبير»، وحان الوقت للانسحاب؟
للإجابة عن هذا التساؤل، علينا أن نستعرض حزمة من الأهداف، التي من المفترض أن تكون وراء مجيء أميركا إلى سورية، والتي وجدت أنها حققت إحداها أو جميعها كهدف رئيس، وهي:
أولا- إذا كان أحد هذه الأهداف زيادة فرص الحماية لإسرائيل بشكل مباشر، من خلال إضعاف العمود الفقري لمحور المقاومة سورية، وتدمير الدولة ومؤسّساتها وعلى رأسها العسكرية منها، على اعتبار أنه ليس من مصلحتها وجود دولة بجيش قوي، على الحدود المتاخمة لقاعدتها الكبرى في الشرق الأوسط إسرائيل، فهذا الأمر قد سقط فعلاً مع إسقاط طائرة «أف ـ 16» فوق الأراضي المحتلة في شباط/ فبراير الماضي، والمطالبة الإسرائيلية بعودة قوات الأندوف إلى خطوط فصل القوات تندرج في هذا السياق.
ثانياً إذا كان الهدف هو حصر إيران، تمهيداً لعزلها ضمن حدودها الجغرافية، وقطع الطريق نحو مزيد من التعاظم والقوة في تحالفها الاستراتيجي القائم مع سورية، فالواقع ينبئ بغير ذلك، حيث أنّ إيران أصبحت اليوم أكثر تفوّقاً وتمدّداً وتأثيراً على المستوى الإقليمي- الدولي، وبقدرات ذاتية، وتحالفات راسخة، تفرض شروطها بسيادية مطلقة، الاتفاق النووي مثالاً حياً على ذلك.
ثالثاً في حال كان الهدف ضرب الإسلام «الشامي» الصحيح، وصولاً لإلغائه، وخلق كيانات «إسلاموية إخوانية» أو انفصالية، تناسب سياساتهم وتخدم مصالحهم وتحمي إسرائيلياتهم – القديمة منها والجديدة – فهذا الأمر سقط لغير رجعة، عبر ضرب تنظيم داعش القوة الضاربة بين معظم الجماعات الإرهابية، التي تتلطى خلف عباءة الدين الإسلامي حتى المعتدلة منها، ودحره في كلّ من سورية والعراق نهائياً.
رابعاً – وفي حال كان الهدف السيطرة على المقدرات السورية النفطية والغازية، قليلها المكتشف وكثيرها الغير مكتشف – ما يفسّر ربما انتشار قواعدها في مناطق الشرق السوري ومحاولاتها المستمرة السيطرة على المناطق الساحلية السورية شرق المتوسط عبر أدواتها، فإنّ هذا أيضاً سقط بعضه، وبعضه الآخر بحكم الساقط، لسبب أنّ القيادة السورية تعتبر هذا الوجود احتلالاً، ومن حقها مقاومته بجميع السبل المتاحة.
من خلال عرض هذه الحزمة الأساسية والإستراتيجية من الأهداف – المعلن والغير معلن منها والتي تظهر دوافع الفعل الأميركي المستمرّ في سورية، يتضح أنّ أميركا حققت التالي فقط:
الأول: عملت على الدفع لتدمير الدولة السورية، وبناها التحتية، ومؤسّساتها الوطنية، تحت شعار «صداقة» الشعب السوري، تشهد على ذلك حالة الدمار التي تعيشها مدينة الرقة السورية، نتيجة قصف طائرات التحالف الدولي لها، والذي جاء بذريعة أساسية هي القضاء على داعش، وليس القضاء على مدينة بأكملها كما حصل!
الثاني: كانت السبب الرئيس والمباشر، بتسريع تشكيل قوى مقاومة شعبية سورية، مساندة للجيش السوري في محاربة الإرهاب وداعميه، ومجابهة كلّ وجود غير شرعي على الأرض السورية بدءاً بالوجود الأميركي نفسه، وصولاً للوجود التركي، وختاماً بالوجود الإسرائيلي في الجولان المحتلّ، الذي ربما بعد اليوم لن ينفعه عودة الأندوف أو غيرها، فالجولان بالنسبة للقيادة السورية جبهة محورية ومفتوحة، وحينها يبدو ليس ببعيد، بحسب البيانات السورية الدبلوماسية والعسكرية.
من الواضح أنّ معركة الغوطة الشرقية شكلت القشة التي قصمت ظهر البعير الأميركي وحلفائه وملياراته التي ذهبت مع الرياح، فمثلت الإعلان النهائي عن رسم الخارطة السياسية العالمية الجديدة، كما قال الرئيس بشار الأسد خلال زيارته الأخيرة للقوات العسكرية العاملة فيها.
ترامب فهم هذا جيداً، حيث أشار في خطابه إلى أنّ الولايات المتحدة في حاجة إلى «الدفاع عن حدودها، وإعادة بناء البنية التحتية المتهالكة». فلا خيارات اليوم أمامه مع هذا الواقع الجديد…
ما فات تشرشل في إشارة لقوله أعلاه، إنّ العالم يتغيّر بحسب تغيّر موازين القوى، ولا يدوم على حال، وعالم اليوم مختلف وجديد، وما كان صحيح بنظر أميركا أمس، هو خاطئ اليوم ومرفوض من المحور المقاوم والمناهض لهيمنتها ولأهدافها خارج حدودها الجغرافية.
بالمحصلة يبدو أنّ الحصاد الأميركي بين استراتجية البقاء والرحيل في سورية كان الانسحاب، وإخلاء الساحة، والاعتراف بالتوازن الدولي الحاصل، الذي فرضه الصمود السوري الأسطوري، والثبات الإيراني، وقوّضته النووية الروسية الزاجرة الصوت وسرعته معاً، فالنمر الذي يريد الصيد لا يصدر ضجيجاً…