الأوّل من نيسان

منذ مدة طويلة وأنا أتتبع حركات جسده نظرة عيونه، ابتسامته، كلّ شيء فيه، يده كانت تصيبني بصاعقة كهربائية كلّما صافحته شرارتها كانت تخترق عروقي وتسري مع دمي وتصل مسّرعة إلى قلبي فتحيّيه برودة كان يصيبني بحالة لاوعي، أتحوّل من خلالها لذئبة تشتهي أن تنقضّ عليه وترتاح منه، ولكن لا أدري لم كانت هذه الذئبة ضعيفة أمامه كانت تصرخ في داخلي بعواء يفكّك عظامي ويصيبها بكسر مؤلم عندما يناديني «صديقتي».

نعم فأنا صديقته منذ خمس سنوات كلّ من هم حولي تلاعبوا بهذه الكلمة وهمّشوا معناها إلّا هو بقي مصراً على رأيه.

كنت كلّما حاولت الاقتراب منه لأخبره بمشاعري أشعر بالبرد القارص وكأنني في ليل ماطر حزين زلزال قوي يهتز تحتي يجعلني أقف بين الحياة والموت. أغرس في قلبي إبرة بالخطأ أجعله يصاب بالهمود وأعود إلى منزلي امرأة استسلمت للريح، فيرميها الإعصار على فراش الوحدة.

هذه المسجّلة الصغيرة التي بجانبي وحدها كانت تعلم ألمي وكلّما لمستها تبدأ بالغناء لي كأم تهدهد لطفلتها العنيدة كي تنام وعندما تصل في أغنيتها إلى «عزّة نفسي منعاني»، أزداد بكاءً ومن شدّة تعبي أستسلم أخيراً للنوم.

في صباح يوم خرجت فيه الشمس على غير عادتها فقد كان لونها أقرب للبياض يرن هاتفي، إنه هو، ليس من عادته الاتصال بي من غير ضرورة وفي هذا الوقت المبكر يرد علي التحية ويتابع: هل تسمحين لي بأن أشرب معك فنجاناً من القهوة؟ بصوت به استغراب: هل هناك من أمر مهم لقد شغلت بالي؟

أجاب بسرعة: لا تلعبي بالوقت وتضيعيه جهزّي نفسك وتعالي إلى المكان الذي التقينا فيه أول مرة. لم أستطيع التفكير بطلبه حتى إنني لم أتذكر بالضبط مكان هذه القهوة وأنا لا أريد أن أتذكر شيئاً حينها، فصوته أصابني بحالة نوم مغناطيسي جعلني ألبي طلبه دون أي تفكير.

وصلت إليه كانت عيونه تنظر إليّ نظرة رجل يريد أن يمتلك تلك الأنثى التي بجانبه. ربما تهيّأ إلي ذلك لأنني مصابة بحبّه. أمامه أنا أنظر إليه استمع لأنفاسه وأشرب فنجان قهوتي المرّ.

بصوته البارد رماني بجمرة نار جعلتني احترق احتراقاً لا ألم فيه. قالها ببطء: أنا أحبك.

ألجم في فمي الكلام وازدادت حدّة نظرتي كنت أريد التأكّد من أن شفتيّه هي من نطقت بالحياة لي، وأكّدت في سمعي حتى أصبحت أسمع رنين الشوك والمعالق التي ترتمي على أطباق الطعام، ثم طلبت منه تكرار ما قال. قرّب يديه إلى فمه وكأنّه ينادي أحدهم، وقال بصوت أعلى: أنا أحبك.

حالة من الثبات أصابتني وصمت مخيف حلّ بالمكان رغم ضجيج من هم حولي. وجلست متبسمرة لا أعي أي شيء. لمسة يديه تعيد لي الحياة وصوت علو ضحكته تصيبني بالضياع، فأنا لا أعلم سبباً لهذا الضحك الهستيري استجمعت قواي ونظرت إليه مستغربة تصرّفه.

شدّني إلى صدره لم أشعر بأي رغبة بالتمنّع اقترب من أذني وهمس لن أطيل أكثر فقد خفت عليك من صدمة أفقدك فيها تعيشي وتأكلي غيرها إنّها «كذبة نيسان».

أنا بين يديه الآن مات قلبي من دون إذن مني وروحي ودعت الحياة وحيدة لا أحد حولها يقوم بتكفينها ولا حتى الإسراع في دفنها.

ابتعدت عنه وجلست على طاولتي ولأنني شرقية أظهرت عدم اهتمامي بما فعله بي تركته يتابع الحديث عن انتصاره هذا، وتابعت أنا شرب فنجان قهوتي الذي مات هو الآخر وبردت أطرافه.

نظرت إلى اللوحة الرقميّة التي كانت معلّقة أمامي، إنّها الساعة الثانية عشرة صباحاً واليوم هو الأول من نيسان.

مها الشعار

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى