«باريس 4»: توطين مقنّع ووصاية مالية وتقييد سلاح حزب الله

محمد حمية

لم ينجح المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس الحكومة سعد الحريري أمس، في السراي الحكومي في تبديد الهواجس والمخاوف الذي وَلّدَها مؤتمر «باريس 4» لدى الأوساط السياسية والاقتصادية والشعبية، وعلى رغم إسهابه في الشرح والتسويق للنتائج الإيجابية للمؤتمر، غير أن «الشياطين تكمن في التفاصيل» وجوانب عدة بقيت طي الكتمان تتمحور حول القيمة الفعلية للقروض وآلية ومدة تسليمها وكيفية استردادها وطبيعة إنفاقها والأهم مترتباتها المالية والضرائبية، فضلاً عن الشروط السياسية المتعلقة بالاستراتيجية الدفاعية والنازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين.

ليست محط نقاش حاجة لبنان لدعم مالي خارجي لإنقاذ اقتصاده من مستنقع الأزمات المتنوعة والمتشعبة الذي يعاني منها منذ عقود، غير أن المخاطر التي يحملها مؤتمر «سيدر» تتخطى الجوانب الاقتصادية لتطال الجانب السياسي وقضايا الأمن القومي والوطني للدولة.

وتحدّثت مصادر سياسية لـ «البناء» عن شروط ثلاثة يخفيها المؤتمر مقابل حصول الدولة اللبنانية على المساعدات الدولية:

– سلاح حزب الله، بعد فشل الحل العسكري للقضاء على سلاح حزب الله وسقوط وصفة بعض الداخل بجرّ «السلاح» الى اقتتال داخلي مذهبي، تعود بعض الدول للالتفاف عليه من الباب الاقتصادي من خلال إغراق لبنان بمزيد من الديون، لإخضاعه لاحقاً لشروط تقييد سلاح المقاومة وإبطال حركته وفعاليته ضمن استراتيجية دفاعية تجعل قرار السلم والحرب واستعمال هذا السلاح بيد الدولة حصراً. الأمر الذي يقدم ضمانة مجانية لـ «إسرائيل» وأمنها واستدراج عروض للإرهاب الى الداخل اللبناني من جديد والاستفراد بسورية في أي حرب مقبلة عليها.

– دمج النازحين السوريين في لبنان بالسوق الاقتصادية وإيلائهم الأولية في التوظيفات في المشاريع الاستثمارية الموعودة بهدف إبقائهم في لبنان حماية للأمن الأوروبي واستخدامهم ورقة انتخابية ضد الرئيس السوري بشار الأسد في الانتخابات الرئاسية السورية المقبلة.

– مزيد من «الاستيعاب الناعم» للاجئين الفلسطينيين في لبنان تمهيداً لتوطينهم في إطار تحضير المسرح الإقليمي لتنفيذ موجبات «صفقة القرن» الذي سيكون أولى نتائجها إلغاء حق العودة للاجئين، لا سيما الى القدس مع اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لـ»دولة إسرائيل».

رغم نفي الرئيس الحريري في المؤتمر الصحافي أي شكل من أشكال التوطين، واعتباره أن الدستور هو الضمانة، غير أن التوطين لا يكون بقانون في المجلس النيابي، بل من خلال تقديم تسهيلات ادارية وقانونية واقتصادية ومالية للعمال الأجانب لا سيما الفلسطينيين والسوريين، في ظل الحديث عن تعديل المادة 50 من قانون العمل التي ترعى عقود العمل بهدف توسيع قاعدة العمل للنازحين وغير اللبنانيين الموجودين على الأراضي اللبنانية؟ وإقرار المادة 80 في قانون الموازنة المتعلقة بتسهيل شروط منح الإقامات للأجانب!

تساؤلات تُرسَم حول عقد المؤتمر قبل الانتخابات النيابية واختصار الأصول الديمقراطية ومراحل ومحطّات الاستحقاقات الداخلية من الانتخابات الى الاسشتارات النيابية الى تكليف رئيس للحكومة ثم تشكيل حكومة، فقد فرض المجتمع الدولي على لبنان كل ذلك الى جانب سياسة اقتصادية ومالية يتمكن من خلالها من فرض وصايته المالية والسياسية على لبنان عبر البنك الدولي.

مصادر مواكبة للنقاشات الدولية – اللبنانية حول المؤتمرات، أشارت الى أن «الدول الخارجية أصرّت على عقد المؤتمرات قبيل الانتخابات وتقييد لبنان بالتزامات مالية واقتصادية وسياسية تبقى الحكومة والمجلس النيابي المقبلين رهينة لها لاعتبار تلك الدول بأن مكوّنات المجلس الجديد التي ستفرزها الانتخابات المرتقبة وتركيبة الحكومة الجديدة قد لا يسمحان بتمرير هذه المؤتمرات والمشاريع التي تحملها، وكان الخيار الدولي بأن يتمّ تكبيل لبنان من الآن بسلة التزامات تعجز المؤسسات السياسية على نقضها لاحقاً لا سيما تكليف شخصية أخرى لرئاسة الحكومة غير سعد الحريري». وتوقعت مصادر أخرى لـ «البناء» أن تبدأ الشروط الدولية بالظهور بعد الانتخابات، حيث سيوضع حزب الله أمام خيارين أحلاهما مُرّ: القبول بالمؤتمر والشروط السياسية المطروحة وإما تحميله مسؤولية تطيير المساعدات وتفاقم الأزمة الاقتصادية، ويُقال لحزب الله حينها ضعْ حلولاً للازمة الاقتصادية ونعدك بأن نرفض المال الخارجي، وهم يعلمون بأن الحزب أبدى استعداده للمشاركة في وضع الحلول للأزمات، لكنه لا يستطيع ولا يريد تحمّل مسؤولية الأزمة بمفرده.

وقد ركّز رئيس الحكومة خلال ردّه على أسئلة الصحافيين أمس، بأن المؤتمرات الدولية تحظى بتوافق سياسي من مختلف الأطراف لا سيما من حزب الله، وقد حاول حصر الخلاف بأولوية المشاريع والمناطق التي تشملها وليس بمبدأ ونتائج المؤتمرات. غير أن مصادر مطلعة على موقف حزب الله ومواكبة لمسار المؤتمرات، أوضحت لـ «البناء» أن «حزب الله لم يبد موافقته النهائية على المؤتمر، بل طرح الموضوع في مجلس الوزراء على أساس حصول لبنان على قروض ميسّرة مقابل إجراءات إصلاحية وتنمية المناطق ولم يناقش أي موضوع سياسي يتعلّق بمؤتمر باريس، وكان سؤال المعنيين بالحزب للقيّمين على المؤتمر: هل الاستدانة هي الطريق الأمثل لإخراج لبنان من أزمته؟ وتشير المصادر الى أن «الاستدانة ترتب مزيداً من الديون وتعمق الأزمة، فمن يريد مساعدة لبنان عليه تخفيف كلفة الدين من خلال شطب ديون جرى استيفاء فوائدها وليس إرهاقه بديون إضافية».

وتشدد على أن «الحزب سيناقش طبيعة ومترتّبات الهبات والقروض في مجلسي الوزراء والنواب، مع علمه بأن سياسة الاستقراض منذ العام 1992 حوّلت لبنان الى بلد مدين من دون تقدّم ملموس في الحاجات الاساسية للمواطن كالكهرباء والمياه». وحذّرت المصادر من أنه «إذا تبين أن هذه القروض ستفاقم المديونية من دون جدوى وتدخل سلطات أجنبية بالقرار الوطني، فإن الحزب سيتصدّى لهذه المؤامرة الجديدة»، مؤكدة بأن «المقاومة غير خاضعة للتفاوض والمساومة والجميع يعرف دورها في القضاء على الإرهاب، وبالتالي الحزب لن يناقش بسلاحه إلا في إطار استراتيجية دفاعية تهدف لحماية لبنان وليس لتقييد السلاح، ولا يمكن للدولة أن تخضع للابتزاز في هذا الموضوع» أما في مسألة اللاجئين السوريين فتلفت المصادر الى «الاهتمام الأوروبي في الفترة الاخيرة بهذا الملف، بهدف دفع لبنان للاستمرار بلعب دور حائط السدّ لمنع تسرّب النازحين الى السواحل الاوروبية». وتضيف «بدلاً من أن يطالب المجتمع الدولي لبنان بحل أزمة النازحين، كان الأجدى بلبنان مطالبة المجتمع الدولي تحمّل مسؤوليته في مساعدة لبنان لإعادتهم الى سورية وليس تقديم مساعدات لتحمل عبء نزوحهم».

ويُذكر بأن المجتمع الدولي قدّم مساعدات لتركيا واليونان لإبقاء اللاجئين على أراضيهما، ما يضاعف المخاطر من أن يكون هدف مساعدة لبنان إبقاء النازحين على أراضيه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى