مختصر مفيد

مختصر مفيد

واشنطن ترامب لا تختلف عن واشنطن أوباما

منذ اليوم الأول لدخوله البيت الأبيض يحاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب تصوير ضعف أميركا في المسرح الدولي نتاجاً لسلوك سلفه الرئيس باراك أوباما، ويتخذ لذلك مثالين: الأول في التفاهم على الملف النووي الإيراني، والثاني السلوك في سورية تحت عنوان الملف الكيميائي.

بالمقابل خاض الرئيس ترامب انتخاباته ممثلاً لخطاب سياسي عنوانه أميركا أولاً يتحدّث عن سياسات التدخل في الملفات الخارجية كسبب لاستنزاف المال والمقدرات متحدثاً عن تهالك الاقتصاد وركود الأسواق وتآكل البنى التحتية والخدمات الصحية وتراجع التعليم، داعياً لجعل الأولوية لأميركا كأمة عظيمة لا كدولة عظمى.

سرعان ما بدأ التصادم بين المعادلتين المتناقضتين لعهد ترامب الذي كان ملزماً بسبب هذا الازدواج بممارسة النفاق لإثبات صورة الرئيس القوي من جهة، والوفاء بوعود الأولوية للملفات الداخلية من جهة مقابلة.

خلال عام مضى وبتحرك إدارة ترامب في السياسة الخارجية بطريقة يحكمها تتابع الاستحقاقات في ملفي سورية وإيران دخل العالم نفقاً مظلماً من التصعيد. فالانتصارات السورية تستدرجه للتدخل ومواعيد استحقاقات رفع العقوبات عن إيران تدعوه لرفع السقوف، لكنه وجد نفسه محاطاً بمن يشجّعه على المزيد من التصعيد. فمن جهة أصدقاؤه الصهاينة وما يملكون من إغراء الكتل الناخبة ولوبيات التأثير في الرأي العام، ولا يرضيهم أكثر من التصعيد إلا المزيد من التصعيد. ومن جهة مقابلة السعوديون وإغراء أموالهم التي يسيل لها لعاب ترامب قبل أن يصير رئيساً، وقد أقسم على مشاركتهم بثرواتهم بالقوة، وهم يعفونه من هذه القوة ويأتون صاغرين ولا يطلبون إلا المزيد من التصعيد.

بقي ترامب يستلذّ لحس المبرد. وها هو يصل إلى لحظة الحقيقة، حيث التوقف فقدان لحلو المذاق، والمضي قدماً قد يتسبّب بقطع اللسان كحال الكلب الذي استلذّ لحس المبرد بتذوّق دمه. وها هم السعوديون يفتحون المزيد من حقائب المال أمامه والصهاينة يطلبون فتح المزيد من مخازن السلاح.

في سابقة أقل درامية وسريالية، كان الرئيس أوباما قد حشد الأساطيل وكانت السياسة الأميركية العميقة تدرك مصالحها باللعب على حافة الهاوية، فتركته يتورّط بخطه الأحمر، وصنعت له ملفاً صالحاً للتورط لتبدأ التفاوض مع اللاعبين الكبار. وها هي السياسة الأميركية العميقة تضع عنق ترامب في المقصلة ذاتها التي أراد أن يقطع بها رأس أوباما لتفتح باباً جديداً للتفاوض. ومثلما ولد التفاهم النووي الإيراني من رحم حشد الأساطيل في عهد أوباما يستعدّ التفاهم على الملف النووي الكوري من مخاض حشد آخر للأساطيل.

ناصر قنديل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى