ابنة البطة السوداء
ابنة البطة السوداء
في كلّ مرّة نجتمع فيها مع صديقاتي، كانت هالة دائمة التذمّر. هي تشعر بأنّ حقّها مسلوب بيننا، ودوماً كانت تردّد: «في المنزل وحتى هنا، أنا ابنة البطّة السوداء»!
علمت بعدئذٍ أنها الابنة الوسطى بين أخواتها، وقد لفتت نظري على صفحات التواصل الاجتماعي صور تتحدّث عن مشاعر الألم التي تحيط بالولد الأوسط.
ربما المشكلة في إنجاب ثلاثة أطفال من الجنس نفسه، فالعائلة من دون انتباه تعطي اهتماماً للولد الأكبر وبخاصّة لأنه الولد البكر، فيحظى باهتمام دائم، ولا ننسى الدلال والدلع لآخِر العنقود .
هذا الفرق بين الأول والثالث يجعل الأوسط في حالة تؤثر سلبياً على نفسيته.
اختصاصية نفسية في الجامعة الأميركية قالت: «إن الطفل الأوسط لا يحظى بالعناية اللازمة والمناسبة كما يحظى بها أخواه. ومعظم الأطفال يقعون في الإهمال ليصابوا بحالة متلازمة الطفل الأوسط، ويُذكَر أنّ صاحب هذه النظرية هو آلفريد آدلر».
والصدمة الكبرى أن الإحصاءات دلّت على أنّ غالبية الأطفال يعانون من الحالة نفسها.
هالة مثلها مثل الباقين، تعاني وتتألم كونها تعتبر نفسها طفلة منسيّة. سألتها ذات مرّة: «لماذا تشعرين أنك ابنة البطة السوداء؟». فأجابت بعد صمت: «لأنّني قد ولدت فقط حتى ألبّي رغبات أختي الكبيرة وأخدم أختي الصغيرة».
وقفت قليلاً عند كلمة «أخدم»، فمجرّد وصفها نفسَها بأنها خادمة لأختها، فهي تشعر بعدم احترام للذات. ولكن في صورة مشابهة وفي مكان آخر، يعيش قصي مع أخوته، وهو أيضاً الولد الأوسط.
سألته على عجالة: «هل تعاني أنت أيضاً من عقدة الولد الأوسط؟». فقال بثقة: «كنت صغيراً عندما بدأت ألاحظ اهتمام عائلتي بأخوتي. ولكنّني رفضت هذا الاهتمام وأصبحت أتسابق معهم لأكون أنا الأول في كلّ شيء لأحظى باهتمام عائلتي. والآن أنا أدرس الماجستير وفرضت نفسي على الكلّ، بخاصة كوني الأول في العائلة الذي يصل إلى هذا المستوى التعليميّ».
بالمقارنة بين هالة وقصي، فإنّ كلاهما عانى من العقدة نفسها، ولكنّ هالة كانت مشاعرها تفضحها، وحالة اليأس قد ألمّت بها. ربما كونها أنثى تفيض إحساساً وهذا معترف به. بينما قصي أخفى مشاعره بعملية إسقاط جسّدها نجاحاً.
لذلك لكلّ الأخوة في ترتيبهم الوسطي أقول لكم: «عليكم أن تفكّروا بالموضوع بطريقة مختلفة. فالكل يحبّونكم، والاستسلام مرفوض وهو صفة من صفات الضعفاء».
لذلك، مهما كانت الظروف التي تحيط بنا وبكم، علينا أن نحبّ أنفسنا ونجعلها سبّاقة إلى النجاح، ولنفرض على واقعنا الاحترام.
مها الشعار