ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
تُخصّصُ هذه الصفحة صبيحة كل يوم سبت، لتحتضنَ محطات لامعات من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة من مسار الحزب، فأضافوا عبرها إلى تراث حزبهم وتاريخه التماعات نضالية هي خطوات راسخات على طريق النصر العظيم.
وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا تفصيل واحد، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.
كتابة تاريخنا مهمة بحجم الأمة.
إعداد: لبيب ناصيف
ومضات من تاريخنا… ومآثر من الأمين مسعد حجل 2
بتاريخ 7 ـ 6 ـ 2017، عمّمنا الجزء الأول من المعلومات الواردة في مذكرات الأمين مسعد حجل الصادرة تحت عنوان «لم أبدّل.. ولن»، وهنا الجزء الثاني من تلك المعلومات التي تفيد تاريخنا الحزبي.
مهرجان قوميّ في جزّين
عندما سكنت جزين عام 1947، وأقمت علاقات مميّزة مع عدد من شخصياتها ونوابها كالقاضي جان عزيز والنائب مارون كنعان ومجمل عائلاتها وسكانها، وتوّجت تلك العلاقة بالاتفاق والتعاون والتنسيق مع منفذ عام عكا الرفيق محمد جميل يونس 1 ، لإقامة مهرجان قوميّ في المدينة، وتركنا أمره سرّياً حتى عودة الزعيم، فأقمناه ودعونا إليه من يجب وكان مهرجاناً ناجحاً جداً، نلنا من جرّائه، منفذ عام عكا وأنا، تنويهاً من قيادة الحزب ومن حضرة الزعيم أيضاً.
ولا يسعنا في هذه المناسبة إلا التنويه بجهود السيد جان عون واهتمامه المميّز في إنجاح هذا المهرجان وقد فرش مدخل جزين بالسجّاد العجمي حتى مكان المهرجان، سار عليه الزعيم بكلّ فخر واعتزاز.
معرفتي بالسيد جان عون بدأت عند تعييني مسؤولاً في مدينة «عروس الشلال»، وكان هو مأموراً زراعياً من قبل وزارة الزراعة، فعرض عليّ الإقامة في منزله إلى أن وجدتُ مكاناً استأجرته لسكني، وتوطّدت العلاقة بيننا، وكأني صرت واحداً من أفراد عائلته، آلت تلك العلاقة إلى إعجاب زوجته السيدة «إميلي» بمبادئ الحزب ومن ثم إيمانها بصحة عقيدته، فاندفعت إلى الانتماء والالتزام وأصبحت الرفيقة إميلي عون، لكنه هو، آثر البقاء صديقاً وفياً للحزب مؤيداً له من دون الانخراط في تنظيمه وإدارته والتقيّد بنظامه.
وبحكم علاقته العميقة والوثيقة بنائب جزين، الأستاذ مارون كنعان، قدّم النائب قطعة أرض من أملاكه 5 هكتارات لإقامة مشتل زراعي في المنطقة.
وبعد ذلك المهرجان، دبّت الحركة الناشطة في مديرية جزين، خصوصاً بعدما استقبل النائب مارون كنعان في منزله حضرة الزعيم كضيف شرف، بعد إلقائه خطابه القومي التاريخي الشهير، ودعوته جميع الحاضرين إلى وليمة في فندق المدينة.
وأريد التنويه أيضاً، بانضباطية رفقائنا من مديرية باتر 2 الذين حضروا بسلاحهم المخفيّ تحسّباً لطارئ أمنيّ قد يحدث بوجود الزعيم وقد استنفروا، سرّاً، وعندما تلاسن النائب كنعان مع درك مخفر جزين الذين طالبوا بنقل الاحتفال من الساحة العامة إلى داخل قاعة الفندق، فأمرهم النائب بالعودة إلى مخفرهم من دون التدخل في هذا الشأن، وأقيم المهرجان حيث كان مقرّراً.
عودة الزعيم في 2 آذار 1947
بعدما تأكد يوم الثاني من آذار 1947 موعداً لعودة الزعيم إلى الوطن، بعد غياب قسري وسفر طوعيّ استمر على مدى تسع سنوات 1938 1947 ، أرسلت القيادة الحزبية المركزية تعليمات موجّهة إلى كافة مسؤولي هيئات المنفذيات في الوطن وعلى تعداد الكيانات القومية، تعلمهم فيها عن الموعد المنتظر.
اتصلتُ حالاً بناظر التدريب في المنفذية الرفيق أمين سريّ الدين 3 واستدعيته على عجل للمجيء لأمر هام.
أعلمته بفحوى صادرة عمدة الداخلية المبشّرة بموعد قدوم حضرة الزعيم وتعليمات القيادة المركزية الموقّرة، وطلبت منه تبليغ جميع مسؤولي هيئات المديريات والمفوضيات إلى حضور جلسة استثنائية طارئة لتبليغهم الخبر السعيد، وأمرته بالتشديد على المدربين في الوحدات للحضور مهما كانت الظروف ولا أقبل عذراً من أحد منهم.
حضر الجميع في الموعد المحدد، وكما علمتُ من ناظر التدريب انه لم يكن بحاجة للتشديد على حضور الجلسة.
بعد افتتاح أعمال الجلسة الاستثنائية بِاسم سورية وسعاده، شرحت للرفقاء المسؤولين أن موضوع الجلسة يتعلّق بفقرة واحدة هي الاستعداد لليوم العظيم والعيد الكبير ألا وهو موعد وصول الزعيم المؤسس إلى مطار بيروت الدولي.
علت أصوات الفرح وضوضاء البهجة، لكني قلت للرفقاء إن الجلسة رسمية، فالتزم الجميع الصمت التام، إنه النظام القومي الاجتماعي.
أكملتُ تعليماتي وأوامري للعمل على ضرورة حضور جميع الرفقاء القوميين الاجتماعيين وعائلاتهم وأصدقائهم ومَن يلوذ بطرفهم من مؤيدين ومحبّذين ومناصرين وعليهم إعلام المنفذ العام عن تلك الاستعدادات.
وردتني اقتراحات وملاحظات عدّة يفيد بعضها الالتقاء في مكان معيّن للوصول إلى موقع المهرجان وفداً موحداً، نسير بصفوفنا البديعة النظام، تتقدّمنا فرقة حملة الأعلام.
دعوتُ هيئة المنفذية لدراسة كل الاحتمالات، وبعد التداول ودراسة كل الافكار، أصدرتُ التعليمات بأن تذهب كل مديرية لوحدها، حذراً من أن تتخذ الحكومة إجراءات احترازية فتمنعنا من الوصول إلى المطار، وعندما نلتقي هناك نلتفّ معاً كمنفذية.
أفادني ناظر التدريب ان المنفذية العامة حشدت أكثر من مئتي بوسطة وما يزيد ضعفاً من السيارات الخصوصية السياحية.
لم نتمكن من الوصول قريباً من المطار ولم يسعنا السير صفوفاً رباعية لكثرة الزحام وتلاطم الألوف المؤلفة من القوميين الاجتماعيين التواقين لرؤية زعيمهم وسماع صوته وتلقف توجيهاته.
أتوا من كل مكان، ومن كل كيانات الأمة، من الداخل والشام والأردن وفلسطين ولبنان، كلهم شغف وشوق للسلام على رائدهم وباعث نهضتهم.
كانوا كالأمواج العاتية والغابات الكثيفة، الرفقاء القوميون يتدافعون بنظام واحترام.
إنه الحشد العظيم والعيد الكبير والمناسبة السعيدة.
وما إن لاحت الطائرة في الجو تهمّ بالهبوط حتى تفجّرت المآقي واغرورقت العيون بدموع الفرح والنشوة والعزة.
خرج الزعيم من باب الطائرة يتبعه المناضل الوطني فوزي القاوقجي، وإذ بالمسؤولين المركزيين ينتظرونه على سلّم الطائرة، مأمون أياس ونعمة تابت وفؤاد أبو عجرم وكامل بو كامل وغيرهم.
حيّا الزعيم الحشود الغفيرة بتحيته القومية الاجتماعية، فعلت الهتافات:
يا أبناء الحياة لمن الحياة؟
فردد الجميع: لنا!
ولمن نحيا؟
لسورية!
ومن هو قائدنا؟
سعاده
اخترق الزعيم الصفوف إلى دارة مأمون أياس في الغبيري، المجاورة لمطار بيروت في بئر حسن والقريبة من قصر نعمة تابت.
التدابير لحماية الزعيم
رغم صدور مذكرة التوقيف بحق الزعيم بُعيد اليوم الكبير والحشد الأعظم يوم العودة، لم تتمكن الحكومة بواسطة قواها الأمنية من اعتقال الزعيم وزجّه في السجون، إذ كان القوميون وعائلاتهم ومجموع محبذيهم ومناصريهم، الحاضنة الشعبية له والعين الساهرة على حمايته. فما ان يعلم بعضهم بخروج الدورية المولجة بدهم المكان المحتمل ان يتواجد فيه الزعيم، حتى تكون المعلومة قد وصلت إلى صاحبها، فينتقل من مكان إلى آخر، ومن الأساليب التي اعتمدها الرفقاء حينذاك، استعمال المشاعل الليلية فيعمد كل فرع في المنفذية إلى إضاءة مشعل في مكان متّفق عليه فيضيء الفرع التالي مشعلاً آخر، وهكذا دواليك، فيصل الخبر إلى مكان إقامة الزعيم حتى قبل أن تنطلق دورية الدرك من مخفرها، فينتقل الزعيم إلى قرية أخرى، حتى أعيت الحيلة المرجعيات الأمنية والحكومية، فألغت هذه الأخيرة، المذكرة وأقامت الهدنة مع الحزب.
كان الزعيم في تلك المرحلة يتنقل بين «ضهور الشوير»، حيث كان الرفيق فريد صباغ واسطة الاتصال الوحيدة، و«بزبدين» حيث كان ناظر التدريب الرفيق أمين سريّ الدين مسؤولاً عن حراسته هناك مع عدد من الرفقاء أعضاء المديرية، وكذلك بلدة عين عنوب.
في عين عنوب، عليّ الإضاءة على ثلاث نقاط أعتبرها هامة:
الأولى: طلب الأمين جورج عبد المسيح تأمين فرق من منفذيتنا، تتناوب على حراسة الزعيم، كل واحدة لمدة اسبوع كامل، توجّهت على رأس فرقة من مديرية جل الديب. عندما وصلت تلك الصحافية الأجنبية لإجراء حديث مع الزعيم، استقبلها الحارس الأخير قبل أن تدخل المكان المُعَدّ لاستقبالها ودخل معها وأجلسها بينما يعلم الزعيم عن وصولها، وبعد عدة دقائق بدّل الحارس ثياب الحرس وارتدى لباساً مدنياً وخرج إليها، كان هو زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي، وقد أنهى نوبته في الحراسة.
الثانية: عُقد اجتماع إذاعي حضره أكثر من مئة وخمسين شيخاً من مشايخ الموحّدين الدروز.
ثالثاً: إقامة مهرجان في بشامون خطب فيه الدكتور عبد الله سعاده، ومن فرح الزعيم بأداء الدكتور عبد الله، أن أطلق عليه لقب «النمر الأبرص».
تفرّغ الزعيم للداخل الحزبي واهتم بإعادة العمل النهضوي إلى طريقه السليم والصحيح، بعد أن شردت به الأفكار الدخيلة إلى غير مكانه.
وعقد عدة جلسات مع القياديين الذين عبثوا بالوزنات التي أؤتمنوا عليها.
وبعد أن فقد الأمل بتصحيح ما اعوجّ فيهم من خروج على المبادئ والنظام والغاية، وبعد أن وجد في آخرين شحّ الشخصية الجماعية لتفضيل الفردانية والنزعة الشخصانية، ما يوحي باعتناقهم عقيدة أخرى مستوردة ودخيلة، وبعدما لمس أنهم لم يعودوا حماة ورعاة للحركة القومية الاجتماعية ورسل هداية لمبادئها وحَمَلة مخلصين لفلسفتها الجديدة ونظرتها الأصيلة إلى الحياة والكون المنبثقة من تاريخ أمتنا التليد، الهادية للأمم والشعوب.. قرر تنقية الجسم الحزبي من الحالة المرضية التي اجتاحته ودخلت في مسامه، فطرد هؤلاء جميعاً من صفوف الحزب، وسارع إلى إعادة عمل الندوة الثقافية وبدأ بإلقاء المحاضرات شرحاً لمبادئ الحزب وغايته.
كنت أحضر تلك المحاضرات ولم أفوّت واحدة منها.
سعاده يحضر اجتماعاً لمنفذية السيدات في جلّ الديب
سألتني الرفيقة فائزة معلوف آنتيبا ، منفذ عام منفذية بيروت العامة للسيدات، ان تستعمل منزلنا في جلّ الديب مكاناً لاجتماع الرفيقات التابعات لمنفذيتها مع حضرة الزعيم.
وقبلتُ من دون تحفظ وكان فرح واعتزاز والدتي مضاهياً لما انا عليه.
غصّ بيتنا، بالرفيقات الحاضرات الآتيات من منفذية بيروت، وحضرت أيضاً الرفيقات من مديريات ساحل المتن، وكانت بينهنّ الرفيقة ليندا ماضي، والرفيقة لويز زينون، والرفيقات شقيقات المنفذ العام الراحل نهاد حنا 4 ، وغيرهن كثيرات.
وبعد انتهاء اللقاء ذاك، دعانا الرفيق جريس خليل أبو جودة 5 إلى منزله، كان بيت ملحم حنا 6 أول من رشّ الورود والزهور على موكب الزعيم، هذا الموكب اخترق شوارع البلدة مشياً على الأقدام لمسافة تزيد على ألفي متر حتى وصلنا إلى دارة الرفيق جريس، فيما كان اهالي جل الديب يستقبلون الزعيم بالهتافات والنسوة بالزغاريد ورش الأزهار…
بالفعل، كان ذلك المنظر من أجمل المناظر التي رأيتها في حياتي…
في القامشلي المنفذ العام يشجّعني ويساعدني
سألت عن مكان وجود حضرة المنفذ فقيل لي إنه رئيس عشيرته وهو يسكن في القامشلي.
توجّهت إليها في اليوم التالي وقصدتُ مركز المنفذية حيث كان ينتظرني المنفذ وأعضاء هيئة المنفذية وعدد من الرفقاء القوميين الاجتماعيين الذين رحبوا بي أجمل ترحيب. وبعدما أطلعتُ المسؤولين على برنامج عملي، فرحوا كثيراً بالفكرة وزوّدوني بمعلومات تهمّ المصلحة التي انا بصدد البدء بها، ووضعوا أنفسهم تحت خدمتي لأي حاجة اعوزها، وكان اكثر المندفعين الرفيق أنيس مديوايه 6 وهو صاحب مكتبة هي الاولى في المنطقة كلها.
عدت من الاجتماع مع المسؤولين بكل اعتزاز وانا مليء بمعنويات عالية جداً أطفح أملاً بالتشجيع والاهتمام بعد الكلام الذي اسمعني إياه رفقائي.
تعرّفي بالرفيق تاج الدين مرتضى
قبل أن نستأجر الاراضي في «ديريك»، كنت اجلس في مطعم بالقامشلي مع الشيخ الخازن ونحن نتحدث بشتى المواضيع، لاحظت أن أحدهم إلى جوار طاولتنا يحمل علاقة مفاتيح عليها شعار الزوبعة، علم الحزب!!
التفتُ نحو حامل العلاّقة مبتسماً، فابتسم بدوره، فوقفت واتّجهت نحوه وألقيت عليه التحية القومية الاجتماعية فبادلني بمثلها فتعارفنا، كان الرفيق تاج الدين مرتضى 7 من العاصمة دمشق، يعمل موظفاً لدى وزارة التموين السورية الميرة ، مسؤولاً عن المنطقة التي نحن سنعمل فيها.
تأسيس مديرية حزبية
في غمرة الانهماك الكبير الذي أخذ منا كل مأخذ في مجال حراثة الأرض وزرعها، لفت انتباهي سائق التراكتور غابرو بنهمه للقراءة، فكان يحمل معه كتاباً يقرأ فيه كلما سنحت له فرصة للقراءة ما دفعني إلى سؤاله عما يقرأ وما يحب ان يقرأ، عرفت منه أنه يرغب في قراءة الكتب التاريخية.
زوّدته بمجموعة من الكتب الحزبية، سرعان ما قرأها واستفسر مني عن مؤلفها وباعث نهضة الامة السورية ورغب في ان اشرح له مبادئ الحزب وغايته وفلسفته.
بالرغم من انشغالي بعملي، وجدتُ الفرصة مواتية للبدء بنشاط حزبي. كان المواطن غابرو أول استهداف لي.
بدأت بدعوته هو ومن يرغب من الشباب المقرّبين إلى سهرات اجتماعية، مواضيعها شروح في عقيدة الحزب ومبادئه ودستوره وغايته.
سريعاً ما تولّدت لديهم قناعة الإيمان بصحة العقيدة وغاية النهضة ومبادئ الحزب. وسريعاً ما عُقدت جلسات القسم بحضور حضرة المنفذ العام الرفيق تاج الدين مرتضى، فانتمى إلى الحزب في دفعة اولى ما يزيد على 25 مواطناً على رأسهم غابرو غوركيس، فتأسست بذلك أول مديرية للحزب السوري القومي الاجتماعي في ديريك مديرها الرفيق غابرو غوركيس عينه.
في منفذية حلب
أعلنت منفذ عام القامشلي عن استعدادي للانتقال إلى مدينة حلب للعمل في أريافها، بعد أن اشترينا قطعة أرض في منطقة «الأندرين» واستأجرنا أرضاً أخرى، بشكل موقت، يملكها آل الجابري.
عندئذ، زودني المنفذ العام بكتاب تعريف لدى منفذ عام الشهباء، الأمين محمد طبّاخ 8 ، وأخبرني انه سيرفع موضوع انتقالي إلى عمدة الداخلية، عملاً بأحكام نظام الحزب الإداري.
وكانت إدارة الحزب المركزية قد انتقلت من بيروت إلى دمشق بعد حوادث 1949، وبعد عبور عبد المسيح الحدود آمناً بواسطة الرفقاء ودعوته الامناء إلى عقد جلسات خاصة لانتخاب قيادة حزبية جديدة، بناءً على مواد الدستور.
اتصل بي المنفذ الطباخ بواسطة احد الرفقاء وحدد لي موعداً للّقاء مع هيئة المنفذية والتعرف بي.
هناك التقيتُ بالأمين نوري الخالدي، الاستاذ في الجامعة الأميركية في حلب، والأمين المحامي عمر ابو زلام، والرفيق مصطفى خيرو الذي كان يعمل سائقاً على احد باصات النقل المشترك التابع للشركة الخماسية، وهو من الرفقاء المميزين، واعياً للعقيدة وإيماناً بالمبادئ المحيي وتجسيداً لقسمه الحزبي. دعانا مرةً إلى وليمة عامرة في قريته حارم 9 على ضفاف العاصي وهناك تعرّفنا على عائلته وعلى عدد من الرفقاء التابعين للمديرية في تلك البلدة النائية، كما تعرفتُ لاحقاً على العديد من الرفقاء القوميين الاجتماعيين، من بينهم الرفيق مصطفى اللادقي، شقيق الأمين محمد راشد اللادقي 10 .
وعدت والتقيتُ بالرفيق تاج الدين مرتضى، بعد ان نقلته إدارة مصلحته إلى حلب.
في حلب، تعرّف الرفيق تاج على النادلة في منزل الرفيق مصطفى اللادقي، الآنسة سعاد اللبنانية الجنسية، من جباع الحلاوة البلدة الجنوبية، وأحبها وأحبته وعقدا القران في حلب بحضور القيادة الحزبية ممثلةً برئيس الحزب آنذاك الأمين جورج عبد المسيح، وأنجبا صبياً جميلاً سمّياه رشاد، وعلّمها القراءة وشرح لها مبادئ الحزب فأقسمت يمين الانتماء وأصبحت الرفيقة سعاد.
في عام 1952 أجريت انتخابات عامة لمجلس نواب جديد، خاض الحزب غمارها في عدد من المحافظات، فنجح في دمشق الأمين عصام المحايري نجاحاً مميزاً كما نجح الأمين حنا الكسواني عن غوطة دمشق، وغيرهما في اماكن أخرى.
أما في حلب، فقد خاض الحزب تلك الانتخابات بشخصين مرموقين: الأمين نوري الخالدي والأمين المحامي عمر أبو زلام.
كانت المعركة حامية الوطيس، لا سيّما أن رئيس الجمهورية، أديب الشيشكلي، كان يريد الحصول على غالبية المقاعد لحزبه العربي، بعد ان اختلف مع القيادة الحزبية فأسس حزباً آخر وخصّ مدينة حلب بعرض عسكري دام عدة ساعات استعرض خلاله مجموعات كثيرة من فرق الجيش النظامي. أشرت إليه في أكثر من نبذة. مراجعة موقع شبكة المعلومات اسورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info.
كانت الرفيقات القوميات الاجتماعيات ناشطات جداً، يحملن على زنودهن شارات الزوبعة، علم الحزب، ويتواصلن مع المواطنات الآتيات للاقتراع اللواتي كن يتوجهن نحو الرفيقات لمساعدتهن، استجابة لتعليمات تفيد بأن يتعاونّ مع حاملات علامة «دولاب الهواء الأحمر».
موريس الجميّل يفي دَينه للحزب
كان رفيقنا نديم الخوري 11 يعمل في مهنة رش المبيدات لأمراض تصيب الأشجار المثمرة، لا سيما الحمضيات منها، بحيث استدعاه الراهب رئيس دير مار روكز في محلة الدكوانة لهذا الغرض.
وفي سياق عمله دعاه الراهب الرئيس إلى احتساء القهوة معه، ثم سأله إن كان يعرف الاستاذ مسعد حجل من جل الديب، فكان الجواب نعم. قال: بلّغ الاستاذ حجل رغبتي بلقائه والتعرف إليه.
في الموعد المحدد زرتُ دير مار روكز للمرة الأولى في حياتي، وتعرّفتُ إلى اللأب الرئيس. خلال الحديث أعلمني عن مهمة كلّفه بها الشيخ موريس الجميل وهي تدبير موعد للقاء مشترك في الدير، وهو يتمنى عدم الرفض لاسباب هامة. وافقت على الفكرة واصطحبت معي الرفيق سيمون طعمي 12 للاجتماع بالسيد موريس الجميل، الذي لم أكن اجتمعت به من قبل، لكنّه بادرني بأن عليه ديناً للزعيم ويود تسديده لحزبه.
تعجّبت للأمر وسألت: ما هو هذا الدين الذي تتحدث عنه؟
قال: انتميت إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي خلال سنواته السرية الاولى على يد الزعيم، ومارست حقوقي العضوية وكنت ناشطاً في الجامعة مع عديدين من الرفقاء.
ولما انكشف أمر الحزب سنة 1935 كما هو معروف، وعندما تسارعت المفوضية السامية الفرنسية إلى تأليف الأحزاب، كيفما اتفق، لمنع الشباب من الانخراط في صفوف الحزب القومي الذي ارعبها ما لمسته خلال المحاكمات العلنية في المحكمة المختلطة، ما شكلّ قفزة نوعية ممتازة للحركة القومية التي استقطبت عدداً من المثقفين والأدباء والوطنيين متخطية حدود الطوائف والمذاهب والأديان وكل المعوقات، وهذا ما أقلق السلطات الفرنسية فأوعزت إلى جماعاتها لتأليف أحزاب طائفية، فكان حزب الكتائب للموارنة برئاسة الشيخ بيار الجميل، وحزب النجاده للطائفة السنية برئاسة عدنان الحكيم، وحزب الشيعة برئاسة أحمد الأسعد وحزب الغساسنة للروم…
اصطدمتُ مع ابن عمي الشيخ بيار ووصل الخبر إلى مقام الزعيم فاستدعاني وصارحني أنه لا يقبل بإيجاد خلاف في العائلة وهو يقدر الظروف الصعبة التي أمرّ بها واعاني منها، ولهذا السبب فهو يحلّني من قسمي حفاظاً على وحدة العائلة.
استهجنتُ ما سمعت وقلت: حضرة الزعيم انا قومي اجتماعي وانتميت طوعاً بكامل وعيي وإيماني بصحة العقيدة والمبادئ ولست مستعداً للتنازل عن ولائي القومي مهما كانت الضغوط ومهما عظمت المخاطر فإنها لا تزيح بي عن الطريق الذي ارتضيتُه لنفسي بكل حرية وعزيمة صادقة وإرادة قوية.
ابتسم الزعيم ابتسامته الساحرة وشكرني على حماستي وولائي، ثم قال: رغم ما جاء، يا رفيقي، فإني احترم موقفك إلا انني أرى ألا تتعرض لمشاكل عائلية أنت ونحن بغنى عنها، فلتبقَ قومياً اجتماعياً، بالفكر والإيمان والقناعة، من دون التزام بالتنظيم والنظام الحزبيين.
ومضت الأيام، أكمل الشيخ، واستشهد الزعيم، وبقي ثمة دين عليّ تجاهه، وقد علمتُ أنك تترأس لجنة مركزية لإدارة المعركة الانتخابية، كما اني أُعلمتُ عن التواقيع التي جمعتموها من قبل مرشحين غير حزبيين، وعرفت الغاية من نشاطاتكم المتعلقة بهذا الغرض، واجتماعي اليوم معكم أنني، في حال فزت في المقعد النيابي سأطلب العفو عن القوميين المحكومين، لا بل عن المحاولة الانقلابية برمتها، وانا أعلم انكم لن تؤيدوني، لظروف موضوعية معروفة، لكنني اعدكم بالمساعدة لنجاح مهمتكم، وأكون بذلك قد أرحتُ ضميري ووجداني وسددتُ ديوني للزعيم بخدمة حزبه.
عائلات الرفقاء الأسرى تتعالى على حاجاتها
مع أني لم اكن أحمل مسؤولية إدارية مركزية ولا فرعية محليّة، إلا أن عدداً كبيراً من الرفيقات اللائي يعانين من عسر الحال، كون ازواجهن إما في المعتقلات أو متوارين عن أنظار قوى الأمن او أنهم غادروا سراً، كنّ يأتين إليّ طلباً لأية مساعدة مالية أتمكن منها لتأمين بعض حاجيات بيوتهن.
طلبتُ من زوجتي الرفيقة نادية الأمينة تحضير لائحة بأسمائهن والوقوف على المبلغ المطلوب لكل أسرة تماشياً مع عدد اعضاء العائلة.
تراوحت المبالغ بين الخمسين ليرة لبنانية ومئة ليرة. حافظتُ على احترام التعهد رقماً ووقتاً، لكنني عدلت عن دعوتهن إلى المنزلي لهذا الغرض خوفاً مني أن يذهب بعض المبلغ بدل نقليات، فأستأجرت سيارة وكلّفت احد الرفقاء للذهاب إلى بيوتهن وتسليم المغلفات هناك.
الموقف النبيل الذي وقفته تلك الرفيقة، هند زوجة الأمين جميل العريان 13 ، التي أرجعت نصف المبلغ لإعطائه إلى عائلة اخرى ربما تكون بحاجة له أكثر منها، كون هذه الرفيقة قد وجدت عملاً تجني منه مبلغاً يوازي نصف ما تحصل عليه من الحزب، فأرجعت المبلغ لتقديمه إلى أسرة قومية اخرى.
رحيل الرفيق يوسف زينون
وافت المنية رفيقي يوسف، بعد الانتخابات، قبل تعيين موعد العرس، وقبل انعقاد الجلسة الأولى للمجلس النيابي الجديد.
كان مأتمه كبيراً جداً وحزبياً إلى حد بعيد، فملأت الأكاليل كل المطارح ولم يعد بوسعنا تأمين عدد إضافي من الرفقاء والمتطوعين لحملها إذ تجاوزت 200 إكليل.
حصلت وفاته على إثر نوبة قلبية دهمته في كنيسة يسوع الملك لمناسبة عرس وحيده إيلي، فسارعت إلى نقله إلى المستشفى، لكن المنيّة لم تمهله اكثر من اسبوع، فأسلم الروح.
كنت واقفاً مع متقبلي التعازي في منزل الفقيد، عندما اقبل الشيخ موريس الجميّل معزياً، وأسرّ لي أنه فاز في الانتخابات وهو لا يزال على وعده.
عند انعقاد أول جلسة لأعضاء المجلس النيابي الجديد، كان الشيخ أول المتكلمين وطرح مشروع العفو ولما عرض المشروع على التصويت، كان من اوائل المؤيدين له، فنال موافقة أكثرية مطلقة.
هوامش:
1 – محمد جميل يونس: كان يتولّى مسؤولية منفذ عام عكا قبل النكبة عام 1948. انتقل إلى جزين متولياً مسؤولية العمل الحزبي. أشرنا إليه في أكثر من نبذة، مراجعة موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info
2 – باتر: إذ نذكر بلدة «باتر»، لا يسعنا إلا أن نذكر أحد مناضلي الحزب من أبنائها، الأمين رضا خطار، المنفذ والعميد والمشارك في الثورة الانقلابية والذي يصحّ أن نكتب عنه.
3 – أمين سريّ الدين: من بزبدين، من مناضلي الحزب المميّزين، أشرت إليه في أكثر من مناسبة مراجعة الموقع المذكور آنفاً.
4 – ملحم حنا: محام، والد الرفيق المناضل نهاد حنا. للاطّلاع على النبذة المعمّمة عنه، الدخول إلى الموقع المذكور آنفاً.
5 – جريس خليل أبو جودة: كان أوّل مدير لمديرية جل الديب، والد الرفيق الشاعر سمير أبو جودة الذي عرفته منذ بداية انتمائي إلى الحزب وكنت نشرت له صورة في مخيم ضهور الشوير عام 1958 إلى جانب الرفيق، بطل المصارعة جورج ديراني.
6 – أنيس مديواية: أساساً من لواء اسكندرونة. مُنح رتبة الأمانة، ما زال مقيماً في القامشلي، صاحب مكتبة «اللواء» في الساحة الرئيسة للمدينة، شقيقته الرفيقة «لولو» متأهلة من الرفيق النائب السابق جميل شماس. يعمل حالياً على إنجاز كتاب عن اللواء السليب.
7 – تاج الدين مرتضى: من بين أصفى الرفقاء الذين عرفتهم ناموساً في مديرية الكاميرون ثم خازناً في عمدة المالية أوائل سبعينات القرن الماضي.
8 – محمد الطباخ: كان نشيطاً، حاز على رتبة الأمانة، وتولّى عدة مسؤوليات حزبية، سقط في فترة الأسر بعد الثورة الانقلابية ما استدعى صدور قرار من المحكمة الحزبية بطرده.
9 – حارم: إذ نذكر «حارم» لا بدّ أن نذكر الأمين صبحي قشقش/ مديراً ومنفذاً ومناضلاً قومياً اجتماعياً.
10 – محمد راشد اللادقي: المنفذ، الأمين، عميد الداخلية، إلى مسؤوليات كثيرة أخرى. للاطّلاع على النبذة المعمّمة عنه الدخول إلى الموقع المذكور آنفاً.
11 – نديم خوري: من جل الديب، ومن الرفقاء الذين عرفوا الحزب تفانياً والتزاماً نهضوياً. أشرت إليه عند رحيله، يصحّ أن يُكتب عنه.
12 – سيمون طعمة: عرفته منذ الستينات ناشطاً حزبياً في الظروف الصعبة، مستمراً على نشاطه، من بلدة «قرنة الحمرا».
13 – الأمين جميل العريان: أوردت عنه في أكثر من نبذة، منها عن الحزب في بلدة «حينه»، نعمل على إعداد نبذة عنه.