عون أمام قمة الظهران: ملامح سياسة تُرسَم لمنطقتنا ستنال منّا جميعاً في حال نجاحها

أعرب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن تخوّفه من وجود ملامح سياسة تُرسَم لمنطقتنا ستنال منا جميعاً في حال نجاحها، وتساءل «هل ننتظر حدوثها لنعالج النتائج أم نقوم بعمل وقائي لنمنع وقوعها؟».

ولفت إلى أن «الحرب الدولية على أرضنا لم تعُد بالوكالة، وكل مجريات الأحداث تشير الى أنها تتجه لتصبح بالأصالة، وهي إذا ما اندلعت فعلاً فستقضي على ما تبقى من استقرار واقتصاد وحجر وبشر في أوطاننا». ورأى أن الحاجة إلى مبادرة إنقاذ من التشرذم الذي نعيش أصبحت أكثر من ضرورة.

مواقف عون جاءت في كلمته أمام القمة العربية المنعقدة في مدينة الظهران السعودية، واستهلّها بالقول «التقينا منذ قرابة السنة في القمة العربية في الأردن وكانت النار تشتعلُ في العديد من دول وطننا العربي، والتقينا أيضاً في اسطنبول في القمة الإسلامية على وجه السرعة، لأن خطراً وجودياً دقّ أبواب القدس، وها نحن نلتقي اليوم من جديد في القمة العربية التاسعة والعشرين، ومن البديهي أن يكون أول سؤال نطرحه على أنفسنا عما إذا كانت اجتماعاتنا السابقة قد أدت الى بعض الحلول، وكيف هو مآل الأوضاع في أمتنا، وماذا تحقق خلال العام المنصرم؟».

وأضاف «نار الحروب لا تزال مستعرة، وخطر اندلاع حرب دولية على أرض سورية يتصاعد، واللااستقرار يخيّم على معظم دول المنطقة، والإرهاب يتنقّل من بلد لآخر مصطاداً الضحايا، والعديد من أبناء شعوبنا هجروا أوطانهم وتشرّدوا في العالم بحثاً عن أمن أو لقمة عيش، كما تشرّد قبلهم أبناء فلسطين.

أما لبنان الذي نال نصيبه من الإرهاب، وإن يكن قد تغلّب عليه، فإنه لا يزال يحمل تبعات الأزمات المتلاحقة حوله، من الأزمة الاقتصادية العالمية إلى الحروب التي طوّقته، وصولاً إلى أزمة النزوح التي قصمت ظهره، وجعلته يغرق بأعداد النازحين، وينوء تحت هذا الحمل الكبير اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً فلبنان بحكم الجغرافيا والجوار تلقى العدد الأكبر من موجات النزوح إلى حد يفوق قدراته على الاستيعاب والمعالجة فلا مساحته ولا كثافته السكانية ولا بنيته التحتية ولا سوق العمل فيه ولا وضعه الأمني قادرة أن تتأقلم مع هذا الدفق السكاني. وهنا أتوجّه الى كل الإخوة المجتمعين لأقول إن مشكلة النزوح السوري هي مشكلة تعنينا جميعاً، ولا يجوز أن تتحمّل عبئها فقط دول الجوار السوري، بحكم سهولة الانتقال والوصول إليها».

وأكد أن «قضية فلسطين تمثّل الموقع المتقدم في قلب التطورات، وهي أساس اللااستقرار في الشرق الأوسط. والتغاضي الدولي، حتى لا نقول التواطؤ الدولي، عن كل ما قامت وتقوم به إسرائيل، من تدمير وتهجير وسلب حقوق على مدى عقود هو لب المشكلة. والاعتداءات الإسرائيلية على السيادة اللبنانية تتواصل من دون رادع، وأيضاً خرقها للقرار 1701، واستخدامها الأجواء اللبنانية لضرب الداخل السوري، بالإضافة الى تهديداتها المتواصلة بإشعال الحرب».

وتابع «كذلك في فلسطين، حيث تعتدي إسرائيل وتُمعن في التهجير وسلب الحقوق من دون أي إدانة فعلية تردعها. والقضية الفلسطينية، تتآكل وتقضم فمقاومة الاحتلال تتزايد، ولكن الدعم العربي لها ينحسر يوماً بعد يوم، والقدس توشك أن تضيع رسمياً، بعد وضع اليد عليها على الرغم من الإرادة الدولية الجامعة، وخلافاً لكل القوانين وقرارات مجلس الأمن».

واعتبر أن «المبادرة العربية للسلام التي انبثقت عن اجتماع القمّة في بيروت لا تزال المرجعية الوحيدة التي تحظى بإجماع الأشقاء العرب. وهو إجماع يمكن البناء عليه لاستئناف المساعي التي تؤدي الى حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية، حل يحفظ الأرض والهوية، إذ من دونهما لا يقوم وطن ولا شعب».

وقال عون «هذه المرة أيضاً لم آت ناصحاً ولا واعظاً، ولكن الحل الذي خشيت في العام الماضي أن يُفرض علينا، وأن نذهب فرق عملة فيه، بدأ يُفرض فعلاً، والقدس أولى بداياته فهل سنسمح للقدس أن تضيع؟ هل سنقبل بالتهجير الجديد ونقف مكتوفي الأيدي ونحن نرى قدسنا وفيها مسجدنا وكنيستنا تصبح عاصمة لإسرائيل؟ هل نتهرّب من المواجهة ونرمي المسؤولية على الغير، ولا سيما أن في الأفق ملامح سياسة تُرسم لمنطقتنا وهي، إن نجحت، ستنال منا جميعاً؟ فهل ننتظر حدوثها لنعالج النتائج أم نقوم بعمل وقائي لنمنع وقوعها؟

إن الحرب الدولية على أرضنا لم تعد بالوكالة، وكل مجريات الأحداث تشير الى أنها تتجه لتصبح بالأصالة، وهي إذا ما اندلعت فعلاً فستقضي على ما تبقى من استقرار واقتصاد وحجر وبشر في أوطاننا، فهل سنسمح أن تكون أرضنا مسرحاً لحروب الآخرين؟ هل سنقف مكتوفي الأيدي ونترك أوطاننا تُدمّر وشعوبنا تُذبَح؟».

وإذ أشار إلى أن السياسة في مفهومها الكبير هي التلاقي مع الحدث والتأثير فيه، لا محاولة اللحاق به وتحمل نتائجه وتبعاته، اعتبر أن «الكلام لم يعُد مجدياً إن لم يقترن بالعمل والتنفيذ فنحن في سباق مع الوقت، وكل تأخير يرتّب علينا خسائر جديدة ويزيدنا ضعفاً، ولا يمكن لأي موقف لنا أن يكون فاعلاً ويؤثر في مجريات الأحداث ما لم يكن محصناً بوحدتنا الفعلية، وما لم نكن جميعاً داعمين له بالقول والفعل، لذلك فإن الحاجة الى مبادرة إنقاذ من التشرذم الذي نعيش أصبحت أكثر من ضرورة».

وتساءل هل تنطلق من السعودية «مبادرة عملية رائدة تلمّ الشمل وتعتمد الحوار سبيلاً لحل المشاكل، وتجعل من المادة الثامنة من ميثاق جامعتنا عهداً ملزماً يفرض على كل دولة منا، أن تحترم فعلاً نظام الحكم في الدول العربية الأخرى ولا تقوم بأي عمل يرمي إلى تغييره؟ إذ بعد العاصفة التي ضربت منطقتنا، لا بد من إرساء رؤية مستقبلية عنوانها المصارحة والتضامن الحقيقي الذي لا خلاص لنا من دونه».

ولفت إلى أن «المجتمع اللبناني هو نقيض العنصرية والأحادية، وهو نموذج لعيش الوحدة ضمن التعددية والتنوع، والتجربة اللبنانية قد أثبتت أن الحوار هو الحل فعلى الرغم من كل الاختلافات السياسية والتصاريح النارية ظلت وحدتنا الوطنية هي السقف. وعلى الرغم من كل الغليان حولنا ظل لبنان قادراً على منع انتقال الشرارة إليه، ذلك أن اللبنانيين تعلّموا من تجارب الماضي وصاروا يعرفون جيداً أن الحرب الداخلية لا تحلّ مشكلة، وأن لا رابح فيها بل الجميع خاسرون، والحل لا يكون إلا باللقاء والمصارحة والحوار واحترام مخاوف الآخر وهواجسه وأخذها بالاعتبار».

ورأى أن «هذه التجربة يمكن أن تعمّم لتكون نموذجاً للدول العربية التي تعاني من صراعات الداخل فالإنسان لا يُهزَم إلا من داخله، وكذلك الأوطان. وإذا ما كانت هناك من أخطار محدقة، فاتحادُنا أو على الأقل تعاوننا قادر أن يحمينا، ولنضع نصب أعيننا مستقبل الأجيال المقبلة، مستقبل أولادنا وأحفادنا، فهم غد أمتنا وأملها، فلنعمل جاهدين كي لا يعيشوا ما عشناه وهذه مسؤوليتنا. ولدينا كل المقوّمات والمعطيات لنخرق هذا الواقع المؤلم ونطلّ على غد مشرق مزدهر ومستقرّ وأكثر عدالة، فنكون وطناً عربياً كبيراً يغتني بتعدديته ويقوى بمكوّناته وتنوّعه، بدلاً من أن نبقى أوطاناً مبعثرة يسود بينها الشك والحذر ويسهل استفرادها وضربها».

وختم «الأخطار كثيرة، والتحدّيات كبيرة، ومسؤوليتنا جسيمة، ويبقى أن نختار بين المواجهة والرضوخ».

ثم توجّه الرئيس عون إلى رئيس القمة الملك السعودي سلمان والقادة العرب، قائلاً «يسعدني أن تستضيف الجمهورية اللبنانية أعمال الدورة الرابعة للقمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية في العام المقبل في بيروت، فتحلّون في ربوع وطنكم الثاني وبين أهلكم الذين يستعدّون لاستقبالكم بكل حفاوة وترحيب، كما درجت العادة.

إن لبنان الذي كان من الدول المؤسّسة لجامعة الدول العربية يتطلّع دائماً إلى أن تكون أرضه مساحة تلاقٍ وتضامن ووحدة يتعزّز فيها العمل العربي المشترك لما فيه مصلحة دولنا وشعوبنا الشقيقة. وعلى أمل اللقاء بكم في بيروت العام المقبل».

وكان عون على هامش القمة، التقى الملك سلمان بحضور رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل. وعرض معه العلاقات بين لبنان والسعودية وسبل تطويرها، إضافة إلى المداولات الجارية في القمة.

كما اجتمع عون بالملك الأردني عبد الله الثاني بحضور الحريري وباسيل وأعضاء الوفد الرسمي المرافق للملك الأردني، ثمّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بحضور وزير الخارجية جبران باسيل ووزير الخارجية المصري سامح شكري. وقد هنأ الرئيس عون الرئيس السيسي.

والتقى عون في جناحه في فندق «كراون بلازا» في الدمام، مساعد وزير الخارجية الروسي لشؤون الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف الذي نقل إليه تحيات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والقيادة الروسية، وتداول معه في التطورات الراهنة والمستجدات الإقليمية ولا سيما بعد الضربات العسكرية التي نفذتها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا على سورية، فجر السبت.

وأبلغ بوغدانوف الرئيس عون دعم القيادة الروسية للبنان وللمؤتمرات الدولية التي عُقدت في روما وباريس والمؤتمر المتوقع في بروكسل، لافتاً الى أن بلاده حريصة على التجاوب مع ما يطلبه لبنان من دعم في المرحلة الراهنة.

وعرض عون لوجهة نظر لبنان من التطوّرات، متوقفاً خصوصاً عند الاعتداءات «الإسرائيلية» على لبنان والخروق الجوية والبرية والبحرية، إضافة الى تداعيات تدفق النازحين السوريين إليه وانعكاسات ذلك على الصعيدين الاجتماعي والأمني، مشيراً إلى أن مطالبة لبنان بعودة تدريجية للنازحين السوريين تعود إلى أن مناطق سورية عدّة باتت تنعم بالاستقرار الأمني بعد انتهاء القتال فيها.

وقد أبدى بوغدانوف استعداد بلاده للمساعدة في تأمين هذه العودة الآمنة للنازحين السوريين في ضوء التطورات التي تحصل، مرحّباً بانعقاد القمة العربية المقبلة في بيروت العام المقبل.

وبعد اللقاء وصف بوغدانف عون بأنه «الصديق الحميم لبلدنا».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى