«أيقونة» الإعلام المقاوم… حمزة الشاهد والشهيد
عبير حمدان
حين يصبح القلم أمضى من الرصاصة، يشرق وجه حمزة الحاج حسن بين التفاصيل، يصبح أيقونة الإعلام المقاوم، ويمتزج الحبر بالدم الذي أعاد تشكيل الجغرافيا كما يجب أن تكون.
حمزة الشاهد والشهيد الذي انتصر على الظلام حين تلقّفته أرض معلولا كمن يلاقي فارساً يحمل إليها شعلة الحقيقة لينقل الخبر إلى العالم، فكان هو ورفاقه الخبر.
يختلف اللقاء في حضرة حمزة، تختنق اللغة وتتفوّق الدمعة على أيّ محاولة لحبسها، وهو الذي أدرك أن التاريخ لا ينفصل عن الجغرافيا والحدود التي رسمها الاستعمار يوماً، لن تشكّل عائقاً أمام أبناء هذه الأرض للذود عنها بالرصاص والحبر والكلمة والصوت والصورة.
في عرس الشهادة تسقط الاعتبارات كلّها، وحده الدم المسفوك يرسم طريق النصر في مواجهة الحقد، الحقد على من اختار الحقّ نهجاً وناصره قولاً وفعلاً. حين ارتقى حمزة الحاج حسن ورفيقيه شهداء كان المشهد جامعاً كلّ الأطياف اللبنانية حتى من يختلف مع الخطّ السياسي لقناة «المنار».
بات أبناء قناة المقاومة والتحرير الرمز الأبرز والوسام الأرقى الذي عُلّق على صدر الإعلام اللبناني. حينذاك، لم يعتمد البعض منطق النأي بالنفس. ومن هنا تُحسب لحمزة تلك المقدرة على جمع اللبنانيين ولو لجزء من الزمن تحت سماء هذا الوطن الذي ينقسم أبناؤه حتى على مفهوم الاستشهاد.
أربع سنوات على ارتقاء الشهيد الزميل حمزة الحاج حسن ورفيقيه ولم يتبدّل فعل الانقسام، وفي المقابل لم يتخلّ أصدقاؤه عن تمسّكهم بحضوره بينهم ولو من خلال شريط مصوّر أو قصائد تركها لهم، هو الذي قال يوماً: «سقطنا شهداء ولم نركع، انظروا دماءنا وتابعوا الطريق».
ولأن الطريق طويل والغياب مرير، اختار أصدقاء الإعلامي الشهيد حمزة الحاج حسن الاحتفاء بذكراه في نقابة الصحافة اللبنانية في بيروت الأربعاء الماضي، قبل أسبوع على حلول ذكرى استشهاده، ولم ينتظروا أيّ مبادرة رسمية لتخليد الذكرى لقناعاتهم بأن تضحية حمزة تتفوّق على الخطابات والمنابر والمواقع الرسمية كلّها.
اجتمع زملاء حمزة وأصدقاؤه في نقابة الصحافة لا للبكاء على من يفتقدونه بينهم بالجسد، إنما لمخاطبته حيث يرقبهم، وليخبروه أنهم يتابعون ما بدأه، وأنهم يحصدون النصر وينقلون الخبر إلى العالم كلّه كما أراد أن يخطه، ولو أنه يتفوّق عليهم في صوغ النص.
طبيعة: حمزة الملتزم والمنفتح على الكلّ
تؤكد الزميلة حليمة طبيعة قناة الجديد أن استشهاد حمزة أكبر من أيّ جائزة، وعن رمزية الذكرى تقول: نتمنّى أن تكون هناك جائزة تحمل اسم حمزة الحاج حسن، الذي تمكّن بما لديه من حبّ وانفتاح من جمعنا كلّنا، نحن الأصدقاء والزملاء. وهو برمزيته أكبر من أي تكريم، ولسنا بحاجة إلى لقاء سنويّ لنتذكره، نحن كلّما شاهدنا «المنار» نتذكره، وكلّما كتبنا خبراً وأنجزنا تقريراً نتذكره، وكلّما قرأنا نصّاً أدبياً وشعرياً نتذكّره، وكلّما حصدنا النصر نراه بيننا.
وتضيف طبيعة: لا ننتظر من الجهات الرسمية أيّ شيء، وجميعنا نعلم أن الإعلاميين والصحافيين في لبنان حقوقهم مهدورة وغير محميّين، لذلك أقول للأجيال الجديدة: تعلّموا من حمزة وأمثاله فعل الإيمان بقدراتكم وبما يمكنكم القيام به وتابعوا المسير.
حمزة: جوهرة «المنار»
من ناحيته، يرى الزميل حسن حمزة قناة المنار أنّ حمزة هو جوهرة «المنار» الإعلامية. وعن غياب الحضور الرسمي عن المناسبة يقول: ربما لأنّ أربع سنوات مرّت، أصبحت الذكرى ذات خصوصية متّصلة بقناة «المنار»، ولكن يحزّ في نفسي ألا تقدّر هذه الدولة القضية التي حملها حمزة كونها مرتبطة بصميم المجتمعات الإنسانية، وبالتالي يجب أن تكون الدولة مهتمة أكثر، ولكن هذا ليس غريباً على دولة أضاعت الكثير من الفرص الثمينة والتهت بالقشور، ويبقى حمزة جوهرة «المنار»، نكرّمه كلّ يوم لا كلّ سنة. ونقول إنه لا يزال موجوداً كقيمة إنسانية ومهنية، وكزميل لا ينقضي عليه الدهر.
ويضيف حمزة: حمزة الحاج حسن كان يجب أن يكّرم على مستوى رسمي، وهو الذي دفع ثمناً غالياً في منطقة لها رمزيتها، هناك على أرض معلولا كتب النصّ الذي لا يمكن أن يكتبه الآخرون. حمزة ورفيقاه أكبر من أيّ جائزة.
تجدر الإشارة إلى أنّ أصدقاء الإعلامي الشهيد حمزة الحاج حسن استكملوا لقاءهم بوقفة تذكارية تحية لروحه، أضاوؤا خلالها الشموع في ميدان الشهداء في ضاحية بيروت الجنوبية. وسيكون هناك متابعة فعلية لجعل هذه المحطة السنوية ثابتة بإطار وطني مع السعيّ لتكون هناك جائزة تحمل اسم الشهيد الزميل حمزة الحاج حسن.