احترقتْ براعمُ قانا
آمنة بدر الدين الحلبي
انتظرتها على مشارف قانا…
فوق التلال تخطو الهوينه…
وتحت الأشجار ترنو بعينه…
تناغيني.. تداعبني..
تناديني لأحمله..
بصبح انبلج عن مجزره..
فجاءني الحريق بأكمله…
دخانٌ كثيف.. ركامٌ ما أجمله..
يحتضن طفلتي.. يعانقها خوفاً من قنبلة..
يُمسكُ بها.. يحميها من احتراق الجمجمة..
ليست طفلتي مَن يحترقُ بل براعم السنبلة…
ليس طفلي وحيداً.. فهناك مَن يؤازره…
أحمد ومحمود والزهراء وفاطمة…
ما عددهم؟؟ بلغوا المئة والعشرين والعشرة..
ويلٌ لرايس الموقدَة…
طبعت غشاوة ع الأفئدة…
أحرقت أطفال عيترون وبنت جبيل…
والدوير والنبطية ومروحين وقانا والزوينة..
عناقيدُ غضبٍ…
لقتل أطفال السكينة…
عناقيد غضب..
لقتل نساء القبيلة..
لقتل العيون الكحيلة…
لاغتصاب الرموش الخميلة…
لاعتقال أشجار الرمان والدراق…
وسنابل القمح الشامخة برؤوسها النبيلة…
عناقيد غضب…
لبراءة العيون النازحة النزيلة..
ركضتُ مسرعة أحتضن..
قلب قانا الصغيرة..
أعفّر وجهي بالثرى..
أبحث عن يد طفلتي عن عينها الجميلة..
أمسح التراب عن فمها..
كي ألثم رائحته العليلة..
أبحث عن شعرها الملفوف..
بين الركام وخصلاته الخميلة..
الحجارةُ مخدتها..
ولحافُ صدرها حريقُ القنبلة الذليلة…
شممتُها.. لثمتُ جبينها…
أغمضتُ عينيها…
كفّنتُها من تراب جنوبها الجليلة…
وزيّنت شعرها بغصن الزيتون..
إكليل غار… إكليل نصر…
ودفنتُها مع العشيرة…
هناك طفلٌ آخر من فؤادي…
أهديته لأرض الجنوب الكليلة…
افترشها بصدره…
والتحف حجارتها.. ترابها.. رائحتها الجميلة..
احتضنته فسرقت مني الأرض…
عظامه الهزيلة…
أودعته لها أمانة في قانا في الأرض الرزينة..
وصليتُ عليه جماعة مع القبيلة…
وودّعته بدموع ثكلى من قانا الحزينة..
وتركته لقدر وُلد معه وكأنه دليله..
هذه روايتي مع براعم قانا وسنابلها الظليلة..
هذه قصتي في يوم لم أرَ فيه ابنتيّ فاطمة والجليلة…
قصة أم عادت لتطعم براعم العشيرة..
كانت أجسادهم الغضّة وقوداً لرايس الشريرة..
كانت عقولهم البريئة نائمة..
تحت النابالم..
وعناقيد الغضب.. تخترق أجسادهم النحيلة..
ماتوا جميعاً قبل أن يلمسوا سنابل القمح..
ويحصدوا حبّاتها بسواعدهم الشبيبة…
ماتوا مع عصافيرهم وبلابلهم النبيلة…
رحلوا بصمتهم إلى بارئهم…
إلى جنة الخلد الرغيدة…
فتوقف الزمن بصباحهم…
وعلى شفاهه قبلات الأم الحزينة…