ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
تُخصّصُ هذه الصفحة صبيحة كل يوم سبت، لتحتضنَ محطات لامعات من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة من مسار الحزب، فأضافوا عبرها إلى تراث حزبهم وتاريخه التماعات نضالية هي خطوات راسخات على طريق النصر العظيم.
وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا تفصيل واحد، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.
كتابة تاريخنا مهمة بحجم الأمة.
إعداد: لبيب ناصيف
الرفيقة المناضلة هالة شلهوب جريديني
عرفت عائلة جريديني في بلدة الشويفات انتماء عدد جيد من أبنائها إلى الحزب. لعلّ أبرزهم الأمين بدري جريديني الذي كان تخرّج صيدلانياً من الجامعة الأميركية، افتتح صيدلية في مدينة حماه بِاسم صيدلية «الجامعة». متولياً مسؤولية منفذ عام، قدوةً لرفقائه، ومجلّياً بأدائه الحزبي.
إلى الأمين بدري جريديني، عرف الحزب الرفقاء: رافع، نقولا، ظافر، وأمين جريديني، الذين كنا أوردنا عنهم في ختام النبذة المعمّمة عن الأمين بدري، والتي نعيد تعميمها لمن فاتهم الاطلاع عليها في حينه. عنهم تحدثنا، في النبذة عن الرفيق فارس فرح 1 وعن نسيبه وشريكه في محل للأجواخ في «سوق الجوخ» المجاور لسوق الطويلة، الرفيق جوزف جريديني، وعن شقيقه طوني.
من جهتي عرفت الرفيق عيسى جريديني وشقيقتيه ماري وازدهار، وجميعهم كانوا في منفذية الطلبة في أواخر سبعينات ـ أوائل ثمانينات القرن الماضي.
وكما الأمين بدري، تميّزت عقيلته الرفيقة هالة شلهوب جريديني بحضورها المتقدم. هذا ما يورده الرفيق د. اسماعيل سفر 2 في تقريره، فيقول:
«كانت أمّ أيمن رفيقة قوية الشكيمة، وخلال فترة سجننا، لا سيما في القلعة، كانت تزوّدنا بالأطعمة والحلوى التي ترسلها من حماه، كانت سنداً له ولنا، في عملنا من أجل القضية».
من جهته، قدّم لنا الرفيق غسان قدور 3 هذه المعلومات عن الرفيقة «أمّ أيمن» بتاريخ 26/3/2005.
«تعرّفتْ إلى الحزب بواسطة شقيقتها الأديبة إدفيك شلهوب وانتمت عام 1948 في ضهور الشوير على يد زعيم الحزب.
ـ كان لها حضورها المميز بين الرفيقات ونساء الرفقاء في حماه.
ـ تعرّضت، كما زوجها الأمين بدري، لمضايقات رجال الأمن، لكنها واجهت ذلك بصبرٍ وعناد. تشدّ أزره وأزر كل القوميين بعد محنة الحزب على إثر اغتيال العقيد المالكي.
لها سمعة عطرة بين جيرانها في حماه على اختلاف انتماءاتهم الحزبية أو الدينية.
قدّمت خدمات كبيرة للعائلات القومية الاجتماعية أثناء فترة الملاحقات والسجون.
منفذ عام حماه الأمين بدري جريديني
هل طلب إليه الزعيم الخالد الذهاب إلى حماه، أم نصحه بذلك؟
كان الحزب في حماه بحاجة إلى هذا الشاب ذي الابتسامة الحلوة، المؤمن بقضيته، الملتزم بوعوده، الصلب، المرن في مواقفه، وعلى يديه كمنفذ عام سقطت عن الحزب أوزاره الإقطاعية وخلافات المنفذين السابقين، ونشطت الحركة في حماه، وهو ما توسمه فيه الزعيم.
«عرفته منذ 1950 وأقسمت اليمين على يديه ومنذ ذلك الحين، لا سيما في ما بعد، توّطدت صداقتنا الفردية والعائلية. يزورني وأزوره بشكل شبه دوري. أدرس معه أحوال منفذية حماه كما منفذية السلمية، وكان مع زوجته كريماً معطاءً. كلنا أخذنا من الصيدلية صيدلية الجامعة، للأمين بدري أدويتنا شبه مجانية، كان ذخراً لنا جميعاً، طيباً إلى حد البساطة والسذاجة. ذكياً إلى حدود الذكاء القصوى. كان متفائلاً بأن النصر قادم لا محالة. فنحن ذوي الأيادي البيضاء نستحق هذا النصر الذي وعدنا به سعاده ـ كما كان يكرّر دائماً ـ يجب أن يحيا الزعيم وتحيا سورية».
«تحيا سورية» كان يقولها سرّاً وعلناً وهو يبتسم، وجهه البشوش يتألق عندما يتعرف إلى أي رفيق جيد أو يستمع إلى خبر يهم القضية. حتى في الأيام الحزينة وفي السجن. كانت «تحيا سورية» لا تفارق محيّاه ولا لسانه.
«في السجن، كان فخوراً بنا، نحن شباب تنظيم الشام. لكن فرحه هذا كان مشوباً بالمرارة وهو يرى رفقاءه في قبضة التعذيب رغم دفاعهم عن الأمة. كان ينهض من مكانه مشيراً إلى الأحدب والتركاوي 4 أن يضربه ويشبحه ويشرحَه 5 بدلاً من غالب وعلي وإسماعيل ونادر… 6 ، كان أباً لنا وأخاً كبيراً. كان قومياً اجتماعياً مثالياً. وكان فيه من حضرة الزعيم شيء كثير.
كانت زوجته «أمّ أيمن» رفيقة قوية الشكيمة. وخلال فترة سجننا لا سيما في القلعة 7 تزوّدنا بالأطعمة والحلوى التي ترسلها من حماه، كانت سنداً له ولنا في عملنا من أجل القضية.
هذا بعض مما سجّله الرفيق الدكتور إسماعيل سفر عن أمين مميز، بعطائه ومناقبيته، والذي ما زال المتقدمون بالعمر في مدينة حماه يتحدثون عنه ويذكرونه بكثير من الحب والتقدير. هو الأمين الصيدلي، ابن مدينة الشويفات، بدري جريديني.
قبل ذلك يوضح الرفيق الدكتور إسماعيل سفر الذي كان اعتقل مع عدد من الرفقاء المناضلين في أواسط الستينات بسبب عملهم الحزبي، أن الأمين بدري اعتقل في اليوم الثاني عشر لاعتقال الرفيق سفر، «لم يكن منتظماً، لأنني كنت أخشى عليه وعلى صحته، خاصة أني كنت أعرف أنه مستهدف. عندما كان يقابلني في صيدليته، كان يلومني لأنه، على حد قوله، يستطيع أن يعمل شيئاً للحزب، كما يفعل بقية القوميين الاجتماعيين، ويضيف: لست جباناً، فلماذا لا أشارك؟
عندما سألوه عني في التحقيق قال: أعرفه، لكنني لا أعرف عنه أي نشاط. وكنت قد أوضحت للأحدب والتركاوي أنني استثنيت الأمين بدري من التنظيم. لكنهم لم يصدقوا ذلك، ولم يغن عن تعذيبنا من أجل الاعتراف بشيء. فقد جلدنا معاً في حمالة فلقة واحدة 8 وجرى تعذيبنا بمختلف الوسائل وكان همهم معرفة الدور الحالي الذي يحتله الأمين بدري في تمويل التنظيم».
من جهته يورد الرفيق إسماعيل بطرش وهو من الرفقاء الأوائل في مدينة حماه، المعلومات التالية عن الأمين بدري جريديني:
ـ ولد في مدينة الشويفات عام 1916، وتعلّم في مدارسها ثم التحق بمدرسة الحكمة ببيروت لنيل البكالوريا الأولى والثانية.
ـ كان والده يود تدريسه الحقوق، إلا أن الأمين بدري كان يرغب في الصيدلة فالتحق بالجامعة الأميركية في بيروت وزامل الأمين عبد الله سعاده وانتمى الاثنان معاً إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي يوم كان سرّياً.
ـ تخرّج من الجامعة الأميركية عام 1942 صيدلياً، وزاول المهنة في المركز الدنماركي في النبك 9 مدة سنتين ثم افتتح صيدلية «الجامعة» في حماه عام 1944.
ـ اقترن من رفيقة عمره الرفيقة هالة شيبوب عرفت أيضاً بِاسم هيلين عام 1945 التي كانت انتمت في ضهور الشوير عام 1938 على يد حضرة الزعيم.
ـ تولّى الأمين بدري مسؤولية منفذ عام حماه، وتابع مسيرته القومية الاجتماعية بإيمان ومناقبية.
ـ كان مثالاً للشجاعة والصبر شأن كل ذي نفس كبيرة فينا وبقي الرفيق الأمين الذي كان بيته وأسرته مثالاً للأسرة القومية الاجتماعية.
إلى المعلومات أنفاً نضيف ما يلي:
ـ عُيّن الأمين بدري منفذاً عاماً لحماه عام 1948 وكان سعاده قد أصدر المرسوم بتعيينه قبل الزيارة التي قام بها إلى مدينة حماه. وبالتالي أشرف الأمين بدري على تهيئة زيارة سعاده إلى المدينة.
ـ مُنِح رتبة الأمانة أواسط العام 1956 إلا أنها سقطت عنه كما عن جميع أمناء الحزب بعد مؤتمر ملكارت عام 1970.
ـ يورد عنه الأمين جبران جريج في أكثر من مكان في الجزء الرابع من كتابه «من الجعبة» منها في الصفحة 453، أن الرفيق بدري جريديني ـ وكان طالباً جامعياً ـ عُيّن والرفيقان محمد علي عيتاني ومتري عقاد نواميس ارتباط لبيروت التي قسمت إلى ثلاث مناطق إدارية، شرقية ووسطى وغربية.
وفي الصفحة 658، يقول:
«عُيّن ناظر الإذاعة الرفيق إبراهيم يموت منفذاً عاماً بالوكالة الذي استمر بعمله الحزبي بصفته الجديدة إضافة إلى صفته السابقة في نظارة الإذاعة بالرغم من دروسه الجامعية. كان يعاونه في مهمته الجديدة عدد من الرفقاء، منهم من كان معه سابقاً كالرفيق بدري جريديني، محمد علي عيتاني، ومنير عيدو الموظف في شركة راديو أوريان».
وفي الصفحة 715: «كان قد بقي من المسؤولين المركزيين حراً العميد عبد الله سعاده ومن المسؤولين المحليين الرفيق إبراهيم يموت منفذ عام بيروت ومعاونه الرفيق بدري جريديني».
ـ بتاريخ 27/11/1990 أصدر مجلس العمد القرار رقم 1/59 بمنحه وسام الواجب.
إلا أن الرفقاء في حماه وخارجها ممن هم على معرفة بالأمين بدري استمروا يتوجهون إليه بالأمين بدري، لما كانوا يكنون له من تقدير وحب واحترام.
ـ زوجته الرفيقة هالة هي شقيقة الأديبة المعروفة إدفيك شيبوب.
ـ رزق وزوجته الرفيقة هالة ولدين ذكرين: أيمن وسعاده وبابنة أميمة وجميعهم في الولايات المتحدة حالياً.
ـ توفي الأمين بدري في 29/1/1996.
ـ يقول عنه الأمين عبد الله قبرصي وقد عرفه جيداً واعتقل معه في «المية ومية» أنه كان قومياً اجتماعياً ممتازاً.
ـ رافقت الرفيقة هالة شيبوب زوجها الأمين بدري نضاله الحزبي وتعرضت مثله للمضايقات لكنها كانت تواجه ذلك بالصبر وتشد أزره وأزر القوميين الاجتماعيين بعد محنة الحزب على إثر مؤامرة اغتيال العقيد عدنان المالكي عام 1955، وهي قدّمت خدمات كبيرة للعائلات السورية القومية الاجتماعية أثناء فترة الملاحقات.
كانت تتمتع بسمعة عطرة بين جيرانها وفي محيطها في حماه على اختلاف انتماءاتهم الحزبية والدينية.
هناك رفقاء آخرون من آل جريديني انتموا إلى الحزب، ويذكرهم الأمين جبران جريج في الجزء الرابع من مجلده «من الجعبة»، وهم:
رافع جريديني: عُيّن مديراً لمديرية الإقدام ص 455 . بعد بدء مرحلة الاعتقالات التي تلت إعلان الحرب العالمية الثانية وقبل أن يتمكن من الوصول إلى بلدة بتعبورة في القويطع الكورة، يقول الأمين جريج في الصفحة 520: «وأخيراً، حطّ بي الرحال في بيت الرفيق رافع جريديني في الأشرفية، حي مار نقولا، فاستقبلني على الرحب والسعة ضيفاً كريماً، أخذت بيته مركزاً للاتصال وإليه أتيت بالرئيس نعمة ثابت، وكذلك بالعميد مأمون أياس، وبالتتابع بدأت تصلنا المعلومات عن الاعتقالات».
نقولا نخلة جريديني: يورد الأمين جريج في الصفحة 550، التالي: «رغم إعلان الحزب حالة الطوارئ، بقيت هيئة منفذية بيروت عاملة، فقامت بدعاية واسعة بتوجيه من المنفذ العام الملاحق، إحسان سالم هو الاسم المستعار للأمين جبران جريج بعدم التطوّع في جيوش الشرق، ومواصلة العمل الحزبي، كما أنه تمّ إدخال نقولا نخلة جريديني رغم الوضع المذكور وذلك في 20 أيلول 1939 حسبما جاء في مذكرات الطالب الجامعي إبراهيم يموت».
ظافر جريديني: وفي الصفحة 455 من الجزء المشار إليه آنفاً، وفي الفترة 1938-1939 يفيد الأمين جريج عن انتماء الرفقاء ظافر جريديني، محمد عبد الله عيتاني ومحمد حبوب عيتاني.
أما في كتابه «الحصاد المرّ»، فيتحدث الرفيق إبراهيم يموت عن الرفيق ظافر جريديني، المعتقل معه في «المية ومية»، يقول: «أذكر أنه في الرابع عشر من أيار 1942 كنا نلعب الكرة الطائرة، فاشتركت معنا كعادتها الآنسة هيلدا روسلي ابنة صاحب فيلا ومطعم روسلي في برمانا، وكانت تسكن مع والديها وشقيقتها الصغرى أورسولا، في بناية المعتقلين المتزوجين. إلا أنها كانت تتسلل في بعض الأحيان وتأتي لتشارك الرجال في اللعب، ما لا يسمح به قانون المعتقل. وكانت بدأت بعض خيوط العاطفة تشد رفيقنا ظافر جريديني إلى هيلدا، أدّت إلى زواجهما بعد الخروج من المعتقل».
الرفيق أمين جريديني: وفي كتابه «أضواء على العقيدة القومية الاجتماعية» يذكر الأمين إبراهيم يموت في يومياته المسجّلة من تاريخ 8/1/1939 لغاية 23/12/1941 وفي تواريخ عدّة، كلاً من الأمين بدري جريديني والرفيقين رافع وظافر جريديني، كما يضيف إليهم اسم الرفيق أمين جريديني إذ يفيد أنه بتاريخ 3/9/1939 قام برحلة مع عدد من الرفقاء مشياً على الأقدام إلى بيت مري، كان من بينهم الرفيق بدري جريديني، فزاروا الرفيق أمين جريديني في بيته، وتعرّفوا إلى شقيقتيه القوميتين.
هوامش
1 فارس فرح: للاطّلاع على النبذة المعمّمة عنه الدخول إلى قسم «من تاريخنا» على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info
2 اسماعيل سفر: من بلدة تل درة منفذية السلمية . كان أستاذاً جامعياً في بلجيكا، ومن الرفقاء المميّزين. نعدّ عنه نبذة سنعمّمها في وقت قريب.
3 غسان قدور: من أقدر الرفقاء الذين ساهموا في موضوع تاريخ الحزب. يرأس لجنة تاريخ الحزب في منفذية سلمية.
4 اثنان من الذين كانوا يقومون بأعمال التعذيب.
5 أنواع من التعذيب المعتمد في السجون والمعتقلات.
6 الأسماء الأولى لرفقاء اعتقلوا بدورهم.
7 أحد السجون في دمشق.
8 نوع من التعذيب.
9 النبك: مدينة في منطقة القلمون في الكيان الشامي، وفيها عدد جيد من القوميين الاجتماعيين، عرفت منهم الأمناء: رياض مالك، ملحم وهيام النفوري، والرفيق فيصل النفوري.