هكذا نجح «باسيل» في جعل مشروع «عون» حقيقة

روزانا رمّال

تكتسب الحياة السياسية اللبنانية بمقارنة حيثيتها أو ممارستها في دول الجوار استثنائية وخصوصية لا يمكن مقاربة باقي خيارات الدول من خلالها. فلبنان الذي يعيش ضمن هالة نظام ديمقراطي يحوز أحزاباً من طوائف ومذاهب متعددة، بغض النظر عن الموقف من شكل النظام وقدرته على الصمود، فإن ما يسجَّل للبنان اليوم محاولة احتضان مغتربيه في بلاد الانتشار وإعادة ربطه مع أواصر الوطن الإساس الذي يُعتبر بالنسبة لكثر ساهم بتهميشهم عبر ساسة عاثوا فساداً وصاروا جزءاً من تداعيات سلوكياتهم، فكان لهم أن يغادروه.

يصوّت اللبنانيون اليوم من أجل إعادة تقويم الوضع وممارسة حقهم الديمقراطي، وربما الانتقام من أولئك الذين تسببوا في تهجيرهم، وفي الوقت نفسه إعادة انتخاب مَن يمثلون بالنسبة اليهم، وبالرغم من كل الجراح مرجعيات تحتضن همومهم أو تمثل رؤاهم السياسية وبكل الأحوال أياً كانت اختياراتهم فهو خيارهم الديمقراطي.

لكن قبل الوصول إلى هذه الخطوة يسجّل للرئيس ميشال عون طرح المشروع منذ عودته الى لبنان عام 2005. وهو الذي حمل هم اللبناني المغترب أو المنتشر في بقاع الأرض وأوصى بضرورة ان يصبح هذا المشروع حقاً لكل لبناني أسوة بكل دول العالم الحر، عون الشديد التأثير بالحياة الديمقراطية التي عاش مفاعيلها في منفاه بفرنسا، شديد التأثير أيضاً بجدوى المواطنة التي حاول أن يكرّسها منذ عودته من دون أن يفرق بين لبناني وآخر بما يتعلّق بالمذاهب وكان لتحالفه مع حزب الله دليل عملي.

لأول مرة بتاريخ لبنان، وفي عهد الرئيس ميشال عون ينتخب اللبنانيون. وفي هذا تجيير مباشر لوزير الخارجية اللبناني جبران باسيل الذي شكّل نواة الوصول لهذا الخيار بعيداً عن المناكفات السياسية والحسابات المرتبطة بالحصص والتطلع للممارسة السياسية، لكن ذلك لن يلغي نجاح باسيل عبر «عناده»، حسب مصدر سياسي بارز، لـ«البناء» «وبتفاوضه مع كل القوى، على الرغم من مصاعب وعراقيل كثيرة وضعت لتبصر هذه الرؤيا النور، نجح في تحقيق فكرة الرئيس ميشال عون وتحويلها حقيقة»، ويتابع المصدر « من يدري ربما لم يكن ليفلح آخرون في هذا الطرح لأسباب ليس آخرها أن باسيل من صلب مدرسة العماد عون الذي زرع، هذا الخيار في نفوس المؤيّدين له كأولوية لاستمرار جذب الاغتراب تُضاف إليها قوانين ومشاريع قوانين كتلك المتعلقة باستعادة الجنسية يُضاف اليها دور الاغتراب في أن يشكل رافعة للاقتصاد اللبناني وتعزيز لحضور لبنان في كل العالم ما يعود بفوائد اقتصادية وسياسية على حد سواء». ويختم المصدر «بدون شك هذا الجهد الكبير من جبران باسيل سيكتب له ويرتد ايجاباً مستقبلاً، بغض النظر اذا نجحت التجربة أم لم تنجح، إلا ان الأكيد هو وضع حجر الاساس ودخولها حيز التنفيذ لأي انتخابات مقبلة».

هذا العناد الذي يتحدّث عنه الأفرقاء جعل من باسيل مفاوضاً لبقاً في أحيان وشرساً في احيان أخرى. وبهذه الحالة نجح في إبعاد هذه التجرية عن التراشق الداخلي، لكونها خطة وطنية جامعة ستحرج أولئك الذين يقفون ضدها ما سيجعله نقطة سوداء في تاريخه. كل هذا تُضاف اليه مسألة أساسية وهي ارتباط الاغتراب بصناعة المصير محلياً مع تعزيز طموحات قوى اغترابية نافذة يمكن لها العودة الى لبنان بمشاريع وطروحات سياسية تخدم التوصل لأفضل أشكال النشاط الاقتصادي.

من دون شك هناك عوائق تحول دون اعتبار تمثيل الاغتراب عادلاً مئة في المئة، وذلك يعود لعدم إمكانية تمثيله في كل الدول، لكن الأهم ما تعانيه بعض الاحزاب السياسية على حساب أخرى، فعلى سبيل المثال يمكن أخذ نموذج «حزب الله» ولوائحه كرصيد سياسي «شيعي» كمثال قادر على شرح من يمكنه الاستفادة ومن لن يتمكن من ذلك. فالوضع السياسي الدولي الضاغط على حزب الله، خصوصاً في الدول التي شكلت تضييقاً كبيراً على اللبنانيين «الشيعة»، من بينها دول خليجية كالإمارات والسعودية والكويت والبحرين وأجنبية كدول أوروبية وبعض الدول الأفريقية التي استهدفت رجال أعمال مرتبطين بالحزب، بالتعاون مع الموساد الإسرائيلي، فإن هذا الحق لن يكون متاحاً. وبالتأكيد فإن هذا لا يعني ألا يتم تطبيق هذا الخيار ولا يعني أيضاً إيقاف هذه الخطوة الوطنية. وهي أمور يدركها حزب الله أول المرحبين بهذا الإنجاز.

عملياً بدأت المرحلة الأولى أمس «عربياً» لتتبعها ثانية «دولياً» من تصويت اللبنانيين الموجودين خارج الأراضي اللبنانية في الانتخابات البرلمانية، وفي مقدمتهم الموجودين في الدول العربية في دول عربية منها هي: مصر، المملكة العربية السعودية، الكويت، سلطنة عمان، قطر، والامارات لأول مرة في لبنان، وفي تاريخ تعاون السفارات مع بعضها البعض. وهنا بدون شك دور جديد يسجل لوزير الخارجية الذي استطاع استخدام نفوذه كدبلوماسي نسق هذه المهمة ضمن السفارات وفرقها بما تسمح صلاحيات الخارجية.

بكل الاحوال لا يمكن «الحكم» على تجربة اولى من نوعها في بلد مثل لبنان، الا بمقدار ما تشكله من إعلان نيات للتحسين والتطوير. وهنا لا علاقة بأي سجال سياسي أو حساب يحسب لصالح «باسيل» أو لا يحتسب بالقدر الذي تشكله هذه الخطوة خطوة «وطنية» توّجتها جهوده.

لبنان وبعد 9 سنوات يتقدّم للانتخاب وممارسة الحق الديمقراطي بقانون انتخاب جديد واقتراع الاغتراب في عرس وطني يسجل للعهد وفريقه، بمباركة رئيس الجمهورية صاحب المشروع – النافذ في أروقة وزارة الخارجية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى