لعدم ربط مَنْ يستحقّ العفو بربيبي «إسرائيل»
حسين حمّود
في معرض البحث في قانون العفو العام المزمع إصداره، تثار في الكواليس الحكومية والسياسية والحزبية، قضية اللبنانيين الذين فرّوا بأنفسهم أو آبائهم إلى الكيان الغاصب في فلسطين المحتلة إبّان تحرير الجنوب والبقاع الغربي من العدو «الإسرائيلي».
وفي حين يطالب بعض القوى السياسية وأركان في السلطة، بشمول هؤلاء بالعفو العام، تتحفّظ في المقابل، قوى أخرى على ذلك.
المطالبون بالعفو يسوقون حججاً لتبرير طلبهم، منها أنّ أولاد الفارّين لا ذنب لهم بما فعله آباؤهم أثناء الاحتلال وتعاملهم معه. كما أنّ هذا التعامل كان بحكم الأمر الواقع نظراً للظروف التي كانت تعيشها المناطق التي ترزح تحت نير الاحتلال!
أما الرافضون أو المتحفّظون على العفو عن هؤلاء، فيردّون على تلك الحجج بأنّ الذين تعاملوا مع العدو، إنما فعلوا ذلك بإرادتهم، إذ كانوا أقلية من بين أبناء المناطق المحتلة والذين كانوا إلى جانب قوى التحرير منذ الاجتياح الصهيوني للبنان وحتى قبل ذلك. ولم يتأثروا بغياب الدولة عن تلك المناطق أو تقصيرها تجاهها. بل تجاوزوا الحرمان والفقر المدقع واختاروا الانحياز إلى بلدهم وبما يمثّل هذا الأمر من عزّة وكرامة وحرية.
هذا أولاً، أما ثانياً، فإنّ الفرار إلى «إسرائيل» لم يكن تحت أيّ ضغط مادي أو معنوي، بل اتخذ الفارّون قرارهم بالفرار هم وعائلاتهم بملء إراداتهم الحرّة، علماً أنّ المقاومة وخلال الانسحاب «الإسرائيلي» عام 2000 من الجنوب والبقاع الغربي، أكدت أنّ العملاء لن يتعرّض لهم أحد بسوء سوى ما تقرّره سلطات الدولة اللبنانية بشأنهم، من دون تدخل أيّ حزب أو تيّار أو تنظيم من قوى المقاومة، وذلك بالرغم مما اقترفه هؤلاء من جرائم وحشية بحق أهالي المدن والبلدات والقرى المحتلة.
وبالفعل، يقول المتحفّظون على العفو، سلّم مئات الأفراد ممن تعاملوا مع «إسرائيل» أنفسهم، وسوّيت أوضاعهم من خلال أحكام قضت بحبسهم لمدد ضئيلة جداً، بحيث كانت عديمة الوجود قياساً بحجم جريمتهم. ولم يتدخل أيّ طرف من أطراف المقاومة، لا سياسياً ولا قضائياً، لتعديل هذه الأحكام وتشديدها.
وبالتالي يكون الفرار إلى «إسرائيل» من دون أيّ مبرّر من أيّ نوع كان، سوى استمرار الفارّين بالعمالة وأذية بلدهم وأهله، فكيف والحال هذه يغفر لهم بلدهم هذا الإثم الوطني الكبير؟
أما الأخطر في موضوع العفو، فهو الأبناء الذين ولدوا في الكيان الغاصب، منذ العام 2000 وما زالوا هناك، وترعرعوا في البيئة «الإسرائيلية» وتلقوا علومهم في مدارس العدو وتشربوا عقائده وأفكاره ونظرياته السياسية والتاريخية وخرافاته ومزاعمه، وعاشوا على كرهه ومعاداته لأمتنا وكلّ ما فيها وطمعه بأراضيها وثرواتها. وبالتالي أصبحت شخصياتهم، أي أبناء الفارين «إسرائيلية» خالصة وصافية وولاؤها كلياً لكيان العدو وتلتزم بتوجهاته تلقائياً من دون أي اعتراض أو تمحيص فيها. وإن كانوا من أصول لبنانية أو يحملون الجنسية اللبنانية من والديهم.
فكيف سيندمج هؤلاء مع المجتمع اللبناني ودولته؟ يسأل المتحفّظون. ولمن سيكون ولاؤهم وهل سيفضلون مصلحته على مصلحة الكيان الذي تربّوا فيه وتشربوه في طعامهم وشربهم ونموا على العيش في بيئته؟
ويخلص المتحفّظون إلى القول، إنّ أبناء الفارّين سيكونون أسوأ من آبائهم، إذ سيكونون عملاء للعدو بالفطرة وسيترجمون ذلك في علاقتهم كلها في لبنان إذا تمّ العفو عنهم. لذا يجب أن يصدر عفو عام، لكن لا يجوز ربط مصير مَن يستحقه من السجناء اللبنانيين بربيبي «إسرائيل» وعملائها.