بمناسبة صدور مجموعة أسد الأشقر الكاملة «الخطوط الكبرى في تاريخ سورية ونشوء العالم العربي» حفل حاشد في دارة النائب السابق غسان الأشقر جمع فعاليات ثقافية وهيئات اجتماعية ووفوداً شعبية

اعتدال صادق شومان

من ضفاف الرحيل، أطلّت ملامح الأمين الراحل أسد الأشقر مشرقاً في الذاكرة، طوافاً في الأخيلة. قائداً تاريخياً من قادة حزبنا ورؤسائه المميّزين. شخصية دائمة التألق، متوهّج الحضور رغم الرحيل.

مبكراً أغوى الفكر أسد الأشقر، وأغراه الاجتهاد والرغبة في التميّز، فأبكر ذاك المتني العريق بالالتحاق بجيل الصحابة فانتمى والتزم ودفع أثماناً. في معمودية نار ما انطفأ لهيبها. دشّنها مع سعاده في سجن الاغتراب القسري في البرازيل. لتتوالى تلك المعمودية في سجن المية ومية وفي زنازين أخرى لا أسماء لها إثر استشهاد سعاده، ومسجوناً محكوماً بالمؤبد إثر المحاولة الانقلابية الثانية.

أسد الأشقر في يقين القوميين، صخرة من صخور الحزب وداعية من عصر العمالقة ودعامة من دعائم النهضة القومية في نفوس أبناء الحياة من رفقائه في الحزب والأمة جمعاء. اجتهد، قارع وساجل، كان صميمياً حتى الجذور أكان سجيناً، أم طليقاً، حراً مغترباً، أم رئيساً للحزب مرّة ومثنى، أو نائباً وحيداً له في الندوة البرلمانية.

هو الكاتب والمفكّر المرموق، والمؤرّخ صاحب المؤلفات الطوال في تاريخ سورية الطبيعة، مطالعاً منقّباً مدوّناً مراجعته، متعمّقاً في بحوثه وتحقيقاته. وهو في كلّ ذلك واثق العلم في ما يقوم ويشرح ويستقصي من أحداث التاريخ وتصاريف الزمان وتقلّباته، يصول ويجول على حدود وأغوار التاريخ لا ليسكنه، بل ليستلهم منه المستقبل، لم يدركه مللٌ حتى عندما خانه الجسد المنهَك، بل مضى معطاءً نفّاحاً، ليترك إرثاً من المؤلفات وصلنا منها صميم لبنان و معابد الريف و اللقاء الثوري و من مفاهيم الإنسان الجديد و تاريخ سورية و عصر العمالقة».

نعم أسد الأشقر، كان كلّ هذا، وأكثر، إن في أصالة ثورته أو شغفه وتوقه للتاريخ، أو وهو بكلّ ما كان عليه كان خطيراً، وأخطر ما فيه انتصاره الدائم، ما نُكب حتى يُسارع في النهوض. وما زال ذاك «السبع» حتى اليوم يشغل مخيّلتنا وحكاياتنا، وما زال لاسمه رنين خاص حين يُنطق به في الفضاءات الخاصة أو العامة.

كلّ هذه المفاخر وأكثر تحوّلت ما بات يعرف بـ ظاهرة أسد الأشقر ولا يضيرنا هذا القول في مسارنا الحزبي ولا في القَسَم ، لأنها ظاهرة اشتملت إيفاءً للقسم الذي أيعن فروعاً وارفة في شجرة العائلة القومية الاجتماعية عمادها الرفيقة الأمّ الست رؤوفة ومتنها أمناء ورفقاء، أمل الإبنة الكبرى يليها غسان ونضال ونظام.

في المسار النضالي المُشبع عقيدة ونضالاً، أنتجت تلك الظاهرة النضالية، توأماً لهذا العرين القومي الاجتماعي، غسان أسد الأشقر أميناً ونائباً ومرشحاً من جديد. ليتجدّد الموعد مع وثبة الحق في حضوره المحتشد بين مسافة القلب والحزب وكما في رحاب النهضة ورحابة الدار والدور التاريخي الذي لعبته دار ديك المحدي في الانتصار للفكر والمبادئ والقيم التي حضنها المتن، وانتصر لها.

وإنْ يكن غسان الأشقر مرشحاً للحزب السوري القومي الاجتماعي، هذا يعني، نمطاً سلوكياً لخيار سياسي واضح، وإرث تاريخي متجذّر، بقيم الحق والخير والجمال التي أطلقها مؤسِّس حزبنا أنطون سعاده من أعالي المتن الى المشرق كله. وعلى أسسها يخوض مجدّداً غسان الأشقر اليوم المعركة الانتخابية ببرنامج انتخابي ثوابته المبادئ الإصلاحية للحزب. وهذا ما يتلمّسه الناخبون في المتن الشمالي، والذين يعرفونه عن كثب والذين يحتكّون معه يراجعون شؤونهم ويتداولون بشؤون أخرى تهمّ الدائرة الانتخابية أوّلها الخروج من زنازين الطوائف إلى رحاب الدولة المدنية الراعية مواطنيها وحقوقهم القومية. ولهم مثال في ذلك تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي لا يمكن فصله عن منطقة المتن الشمالي، كما التحديات الخطيرة.

واليوم، ليس المشهدُ غريباً على الدار التاريخية في ديك المحدي في اتساعها للحشود. فهي على حالها دوماً ملاذاً منيعاً في زمن التحديات، كما في زمن الشدائد ووقفات العزّ، وعلى حدّ سواء في حالة الرخاء أو ضيق الأحوال، تلاقي الوفاءَ بالوفاء وترتبط مع أهلها المتنيّين بمودّة ولهفة، تراكمت وتأسّست في سياقاتها الاجتماعية والتاريخية. ولطالما أبقى أسد الأشقر كما القوميّين المتن في قبضة قلوبهم على مدى سنين طوال، كان المتن الشمالي فيها منطقة حياة قومية اجتماعية لا رياء فيها.

من المنزل الوادع ذاته، الذي أعاد غسان الأشقر رفع حجارته من جديد على السفح المطلّ في ملتقى الغيم المنسدِل مع الصنوبر المتدلّى إلى السماء، والذي شهد يوماً أحلام أسد الأشقر وتطلعاته الكبيرة، كما شهد يوماً اجتياحه وقصفه وتدميره وسرقته وتقويض حجارته مرة، ومرتين، على اليد ذاتها التي تجرّأت يوماً على دار سعاده في ضهور الشوير، تسرقه وتخرّب حجارته وتتطاول على تلكم الشاهقات.

ها هو الموعد يتجدّد، بمناسبة صدور مجموعة أسد الأشقر الكاملة – الخطوط الكبرى في تاريخ سورية ونشوء العالم العربي .

أبكرت، الوفود الشعبية والحزبية الحاشدة والشخصيات السياسية، وأصحاب النيافة ورجال الدين، بالتوافد إلى دار غسان الأشقر، من ديك المحدي والبلدات المجاورة شملت قرى وبلدات المتنين الأعلى والشمالي وتعدّاهما إلى الساحل المتني. وأدّت زحمة الحشود إلى زحمة سير أخّرت وصول الوفود العديدة التي استمرّت تتوافد حتى ساعة متقدّمة من مساء السبت الفائت. وانتشرت في أرجاء البيت وحديقته الفسيحة، فكان لقاء فيض أهل، وتدفق محبة مع الذين مش من زمان روت عنهم نضال الحكايات خبار خبار».

نضال الأشقر

وقد ألقت نضال الأشقر كلمة ترحيبية بالوفود. جاء فيها «لأنّ الإنسان ليس بالخبز وحده يحيا، لذا دعوتُنا لكم اليوم في دار أسد ورؤفة الأشقر التي رسّخت عادات وتقاليد هذا البيت العامر بالمحبة لأهل المتن.

لقاؤنا اليوم هو حول وليمة ثقافية، ومَن أكثر من المتن فيه رجالات ثقافة وأدب وفلسفة. المناسبة صدور الخطوط الكبرى في تاريخ سورية ونشوء العالم العربي الذي عمل والدي عليه مدة ثماني سنوات داخل السجن واستغرق منه كلّ العمر لإنهائه. والعائلة اليوم، وبعد إنجاز نجل الراحل غسان أسد الأشقر، قرّرت أن تقدّم نسخة من المجموعة الخماسية الى كلّ عائلة متنية تشاركنا هذه المناسبة وهذا الحفل.

غسان الاشقر

وعلى هامش الحفل تمكنت «البناء» من أن «تخطف» الأمين غسان الأشقر من ضيوفه لحظة من الوقت، فشرح لنا فيها الصعوبات الجمّة التي اعترضت إصدار المجموعة الخماسية من «الخطوط الكبرى في سورية ونشوء العالم العربي». فسرد لنا ع «السريع» قصة الوريقات التي هُرّبت من داخل السجن الشهابي، إثر الثورة الانقلابية الثانية، يوم حُرم الرفقاء المعتقلون من الورق ولجأ الأمين أسد الأشقر وعدد من قيادة الحزب الى اعتماد طرائق شتى مكّنتهم من إخراج كتاباتهم الى حيّز النور. ومن تلك الوسائل استعان الأمين أسد بلفائف علب الدخان، ليكتب عليها مطالعاته والمقالات التي سرّبت الى «ملحق النهار»، تحت اسم سبع بولس حميدان. ولمّا أتيحت الظروف في السجن بتزويد الأهل لهم بالكتب والمراجع التي يحتاجونها في أبحاثهم. وما زال بعضها في مكتبة الجامعة الأميركية يحمل ختم السجن.

في هذه المرحلة انصرف الأمين أسد طوال ثماني سنوات مدّة السجن لتحضير الوثائق لمؤلفاته التي كان أهمّها «تاريخ سورية» الذي يقع في تسعة أجزاء. وقد أعاد جمعها الأمين غسان بصعوبة، خاصة أنّ بعضها بسبب ظروف السجن لم تحمل تدرّجاً زمنياً تتبعياً ذا ترقيم أو جدولاً بيانياً له بداية ونهاية، بل مجرد وريقات مبعثرة وجبت إعادة تنسيقها بصعوبة زادها تعقيداً فقدان بعضها إثر نسف منزل العائلة في زمن الحرب. وأسرّ لنا بأنه إلى جانب هذه المجموعة سيصدر قريباً كتابان بتوقيع الأمين أسد الأشقر هما «الإمارة اللبنانية» و»أنطون سعاده 1932».

حُييتَ غَسانُ

د. جان عبدالله

حُيّيت غسانُ يا ابنَ المحتدِ الأسدِ

يا منهلَ الرفقِ في الأقوام بالرُّشدِ

يا ابنَ الرؤوفة في الأنجادِ مندفعاً

تُعلي المرؤةَ والإقدامَ في العُمُدِ

ضاءتْ شموعُ الوفا في تاجِ معهدِها

في عيدِ يوبيله الخمسينَ في البلدِ

قد خرَّج الحُلمُ أفواجاً مؤلَّفة

من زَهر أجيالنا في أوسع الصُّعُدِ

طابتْ ثمارُهُ علماً فائضاً أدباً

كم كانَ للنشءِ منْ هادٍ ومن سَنَدِ

يا جارَنا الطّيّبَ الأفعالِ يا جَلَداً

كم قد نَجَزتَ بإذنِ الواحدِ الأحدِ

سَعْدَيْكَ يا نائباً بالحقِّ معتصماً

حُمِيتَ بالشِّيبِ والشُّبّانِ والكَبِدِ

على الضعيفِ دفقتَ العزمَ في أملٍ

يَخِفُّ قيدَ الضَّنَى في العيشِ والكََمدِ

دعاكَ ربُّ الورى في عُمقِ نِعمتِهِ

وازددتَ مَرْحَمَةً بالسّيّدِ الصَّمَدِ

وزانَ عمرَك بالنِّعمات يَسكُبُها

حبّاً وحلماً هُدىً للنفس والجَسَدِ

قصيدة ألقاها عميد معهد المركز اللبناني العالي لإعداد الخبراء والمراجعين تحية لغسان أسد الأشقر.

«ثقافة بالمجان»

علّق متنيٌّ عتيق بالقول: إنها لمفارقة غير شكل يلي عم نشوفها ، اليوم في زمن تتسلّل ثقافة المال الانتخابي المشبوه لشراء الذمم وضمائر الناس بصفقات مدري ايش وراها نأتي إلى عند بيت الأشقر لتوزَّع علينا «الثقافة» بالمجان. يا حسرتي عَ زمانك يا أسد الأشقر. الله الله معك، من يوم يومك كرمك غير شكل».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى