مناقشة مقدّمات ميشال جحا في «دار الندوة»
بدعوة من «دار الندوة» واتحاد الكتّاب اللبنانيين والحركة الثقافية أنطلياس، و«بيسان للنشر والتوزيع» و«دار نلسن للنشر»، عقدت في مقرّ «دار الندوة» في الحمرا، مناقشة للكتب الشعرية التي حقّقها وجمعها وقدّم لها الدكتور ميشال جحا وهي الأعمال الكاملة لرشيد أيوب، وكتاب «الأرواح الحائرة» لنسيب عريضة، و«أفاعي الفردوس» لالياس أبو شبكة.
بدايةً تحدث سليمان بختي مقدّماً فقال: نحن أمام ثلاثة كتب مهمة في تاريخ الشعر وأمام شعراء روّاد. ولعلّنا لا نقرأهم اليوم على أنهم شعراء من الماضي فهم يتقدّموننا نحو المستقبل وبأصالتهم يتجاوزون الزمن. نقرأهم في المهجر أو في لبنان فنجد الوطن يسكنهم أينما حلّوا أو مشوا. ونرى اللغة العربية تشحذ حنينهم ونلمس صدقهم وصدق وجدانهم في ما كتبوا وألّفوا. والتحية مستحقة للجهد المبذول من الدكتور ميشال جحا ومثلها لـ«دار بيسان» التي احتضنت هذه الأعمال ونشرتها.
ثمّ تحدّث الدكتور أمين فرشوخ عن الأعمال الشعرية الكاملة لرشيد أيوب فقال: همّ ميشال جحا أن يعيدنا إلى تذكّرهم هو الوفاء. هذا الرشيد أيوب كان إلى جانبَي جبران ونعيمة في الرابطة القلمية. غلبته الحسرات وتنهّداتها في القصائد. ورأى في قصيدته «يا ثلج قد هيجت أشجاني» عنوان أشعار كلّ المهاجرين. وسأل هل صار الشاعر مازوشياً في حبّه لوطنه وللحياة وللمرأة وفي دوام الشكوى والبكاء؟ وسأل أخيراً: هل بقي في المهاجر شعراء؟ أين الشعراء سواء ليشكوا ويبكوا وليطلعوا بأدب للهجرة والحسرات والحنين؟
أما الشاعر والناقد سلمان زين الدين فتحدّث عن «أفاعي الفردوس» لأبي شبكة في قراءة جديدة لنصّ قديم. واعتبر أنّ أبا شبكة علامة فارقة في الشعر العربي لجرأته وتنازعه وأثره وتأثيره. كما أن عنوان كتابه أسطوري شعري بامتياز. وهو إذ يقطع مع أغراض الشعر التقليدية فإنما ليدخل في صلب معاناة الإنسان وثنائياته المتناقضة. وتوقف زين الدين عند مصادر الشعر المتعدّدة في «أفاعي الفردوس» مضموناً وشكلاً من أساطير الشعر القديم وتجربة الشاعر الخاصة والواقع والازدواجية. وفي مصادر شعريته ثمّة علاقة المفردات والتراكيب والتضاد والمفارقة. وختم، هذا كتاب تقطيع مع ما قبله في المضمون وإذا تلدغنا اليوم أفاعيه فإنها لا تميت بل تسبّب الوجع اللذيذ، وفي الوجع حياة.
وكانت الكلمة الأخيرة للدكتور جورج شامي وقال في كتاب نسيب عريضة «الأرواح الحائرة» إنه ثالث بثلاثة بعد جبران ونعيمة وفي شعره مقاصد ومشاعر وأحاسيس لم يحد عنها، وهنا عيبه ينفخ في الزجاج المقوى بالنار قوارير ملأى بالتشبب. وبقي شعره صقيعاً بارداً. ولاحظ شامي أنّ نسيب عريضة عانى من اليأس والكآبة، ولم يتشيطن مع المرأة. وظلّ متماسكاً في كل قصائده وديعاً متواضعاً لا باحثاً منقباً عن الكنوز. كان هاجسه أن يحمي مقتنياته الروحية والزمنية من الرجس والخمر التي تهزّ الكائن البشري فتزلزل تماسكه وتجرح مشاعره وتثقف فرادته. هل حاصره فشله بالحياة لا بل كبّده بأصفاد خليلية رخوة؟ وقال: قرأت ديوانه بلهفة وتبحّرت في قوافيه وفوجئت بشعر أشبه بمرايا معتزة بشموخها وفرادتها.
وسأل أخيراً: أين روح النضال في شعرك يا نسيب؟ ولماذا ارتضيت أن تعيش مع شعرك في ظلّ كسل؟ أين قلمك بموازاة سيفك؟ لماذا تخلّفت عن أن تكون ضمير أمّتك أيها المميز عن استحقاق وجدارة شعرك وشعورك؟ ألأنك كنت مقتنعاً فعلاً بأن النضال حطبة أو كفن؟
وأخيراً، شكر ميشال جحا المنتدين والحضور معتبراً أن ما به هو لأجل الشعر، لمجد الشعر ليس إلا!