«حقائق ضدّ التهويد»… ندوة لـ«القدس الدولية» ضمن فعاليّة «أيام كلّية الآداب الثقافية» في جامعة دمشق

لورا محمود

منذ أن احتلّت «إسرائيل» القدس عام 1967، لم تدخر جهداً لتغيير معالمها الفلسطينية، وقد كان الاستيطان أهم الوسائل لتحقيق هدف «إسرائيل» الأساس فصادرت الأراضي وزادت عدد المستوطنات وشقّت الأنفاق بهدف تهويد المدينة، وتمكّنت من سحب هوية خمسة آلاف عائلة مقدسيّة، إضافةً إلى طمس أسماء القرى والمدن الفلسطينية وتحويل حوالى سبعة آلاف اسم لمواقع فلسطينية إلى أسماء عبريّة، فضلاً عن استبدال أسماء بعض المواقع التاريخية والجغرافية من العربية إلى العبرية، وإضافتها إلى المناهج التعليمية. إضافةً إلى تهويد أهم المعالم المرتبطة بالمسجد الأقصى وهو حائط البراق، وإقامة «حفلات البلوغ» عنده أو ما يسمّى «التعميد التوراتي».

هذا كلّه لم يشفع للفلسطينيين عند بعض العرب الذين يرون أن من حقّ «إسرائيل» أن يكون لها كيان مستقلّ ودولة تعيش بها بسلام بعيداً عن الصوت الفلسطيني المطالب بحقّه الطبيعي بأرضه وحريته التي أخذت منه من دون وجه حقّ.

ولأن فلسطين حاضرة في الوجدان السوري دائماً كان لا بدّ من الإضاءة على كل ما يجري فيها من تهويد. لذا، وضمن فعالية «أيام كلية الآداب الثقافية» التي تنظّمها كلية الآداب والعلوم الإنسانية ـ جامعة دمشق، نظّمت «مؤسسة القدس الدولية» ـ سورية، ندوة علمية بعنوان «حقائق ضدّ التهويد»، على مدرج الدكتور شفيق جبري، في كلّية الآداب ـ قسم التاريخ، بمشاركة الدكتور سمير أبو صالح، والدكتور إبراهيم خلايلي، بحضور عميدة كلّية الآداب والعلوم الإنسانية الدكتورة فاتنة الشّعّال ونخبة من الأساتذة والمحاضرين في الجامعة، إضافةً إلى ممثلين عن الفصائل الفلسطينية، وعدد من الطلاب والمهتمين.

وقد أدار الندوة الأستاذ المساعد في التاريخ الحديث والمعاصر الدكتور حسام النايف الذي تحدث قائلاً: موضوعنا اليوم مهمّ جداً كونه قضية أساسية تشغل الشارع العربي دائماً وأبداً ألا وهي قضية القدس، التي تعيش أوضاعاً معقّدة، لا سيّما بعد قرار ترامب نقل سفارة واشنطن إلى القدس في محاولة لتكريس يهودية الدولة، وطمس تاريخ القدس وهويتها الحضارية. ومن هنا نشكر «مؤسسة القدس الدولية» التي تؤدّي دوراً فعّالاً في نشر الوعي تجاه قضية القدس.

بدوره، تحدث الدكتور سمير أبو صالح عضو مجلس أمناء «مؤسسة القدس الدولية» في الندوة عن محور مهمّ تحت عنوان «إضاءات على ظلامية التهويد» فتناول تعريف مصطلح التهويد، وبداية ظهوره قبل إنشاء كيان الاحتلال بسنوات، واستعرض وسائل الاحتلال في تنفيذ مخطّطاته التهويدية التي استهدفت فلسطين والمنطقة على امتداد سنوات طويلة.

وأشاد الدكتور أبو صالح بصمود المقدسيّين خاصة، والفلسطينيين عامة في مواجهة محأولات الاحتلال الذي سلب أرضهم، وسرق تراثهم وحضارتهم، ويحاول جاهداً تشويه هويتهم العربية الأصيلة، وهو صمود يستوجب من الأمة جمعاء دعمه بكل السبل المتاحة.

وأكد الدكتور أبو صالح في حديث إلى «البناء» أن لجريمة تهويد القدس آثاراً وخيمة على الأمة، وتحدث عن مجموعة من الوقائع التي تنفي أن هنالك وطناً قومياً لليهود، الذي اعتمد قادة الصهاينة لإقامته على تنفيذ مخطّط خطير زوراً وبهتاناً فعملوا على استبدال العائلات الفلسطينية بالأسر اليهودية التي جُلبت من كل أصقاع الدنيا لترجّح الكفة ديمواغرفياً لليهود، وجعل نسبة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة لا تتجأوز 22 في المئة من عدد السكان، إضافة إلى محاولات تفكيك المجتمع الفلسطيني بأسرلة التعليم، وعبرنة أسماء الشوارع والقرى والبلدات، والتطهير العرقي الممنهج تجاه الفلسطينيين.

من ناحيته، عرض الدكتور إبراهيم خلايلي مداخلته تحت عنوان «ردود علمية على محاولات تهويد تاريخ مدينة القدس الكنعانية»، مستهلاً كلامه بأن تاريخ القدس جزءاً هاماً وأساسياً بل ومركزياً من تاريخ الشرق القديم فهذه المدينة تضمّ خلف أسوارها جلّ مفاتيح المدن الكنعانية، الفينيقية والبونية.

كما أكّد الدكتور خلايلي عدم وجود ما يسُمي مملكتَي «إسرائيل» و«يهودا»، وأشار إلى بأن وثيقة التوراة نفسها تؤكّد بعد دراستها المعمّقة باللغة العبرية أنه لا وجود لحضارة أو دولة تحمل اسم «إسرائيل» أو «يهودا»، وتطرّق إلى ثلاث نقاط يبني الاحتلال «الإسرائيلي» مزاعمه عليها هي: المعبد والعابد والمعبود في ضوء العهد القديم. وقد دحض الدكتور خلايلي هذه المزاعم بأدلّة وحجج علمية موثّقة.

وقال خلايلي لـ«البناء» إن هذه المحاضرة بدعوة من «مؤسسة القدس الدولية» التي لم تنفك منذ تأسيسها التذكير بالقضية الفلسطينية، وخصوصاً أن القدس تتعرّض لهجمات دولية خطيرة من أجل تهويدها بشكلٍ رسمي من قِبل القِوى الكبرى في العالم.

ونوّه خلايلي أن الردود العلمية على موضوع تهويد القدس غالباً ما تكون من جهة شخصية وجهة محلية وإعلامية لذا لا بدّ أن يكون هناك مشاركة بالمؤتمرات الدولية لمواجهة من هم مقتنعون بادّعاءات «إسرائيل».

وأشار خلايلي إلى أهمية دورهم كباحثين لتكون لهم ردود علمية مستقاة من خلال كتاب التوراة نفسه الذي يفند هذه الإدعاءات فيما لو قرأ بعناية.

وفي ختام الندوة شكرت الدكتورة الشّعّال «مؤسسة القدس الدولية» ـ سورية على جهدها المتواصل في التعريف بالشأن المقدسي، ونشر ما تعانيه القدس تحت نير الاحتلال منذ عشرات السنين، مبدية رغبة الجامعة بتنظيم محاضرات علمية بالتعاون مع المؤسسة، تعزّز العمل العلمي خدمة للقدس عاصمة فلسطين.

وأثنت الدكتورة الشّعّال على جهود الباحثَين المميزة، في التعريف بواحدة من أهم القضايا التي تفتقر للبحث العلمي الواسع والشامل ليكون قادراً على مواجهة مخطّطات الاحتلال الساعي لتغيير هوية المنطقة وطمس حضاراتها العريقة، ثم قدمت الدكتورة الشّعّال باسم رئاسة جامعة دمشق، وعمادة كلية الآداب شهادات تقديرية لكل من الدكتور أبو صالح والدكتور خلايلي لما قدّماه من محاور علمية على غاية من الخطورة والأهمية تحت قبّة جامعة دمشق.

يذكر أن كلّية الآداب أُسّست في سنة 1928 وكانت تسمّى المدرسة العليا للآداب ثم ما لبثت قوات الاحتلال الفرنسي أن أغلقتها عام 1931، واستمرّ إغلاقها إلى أن دُحِر الفرنسيون عن سورية عام 1946 ففتحت أبوابها وسميّت كلّية الآداب التي شملت أول الأمر قسمين قسم اللغة العربية وآدابها وقسم الاجتماعيات الذي كان يشمل التاريخ والجغرافيا.

ثم رفدت الكلّية بقسمين جديدين هما قسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية وقسم اللغات عام 1947، وازدادت الأقسام ثراء حين تحول قسم الاجتماعيات إلى قسمين واحد للتاريخ واخر للجغرافيا وكذلك تحول قسم اللغات إلى قسمين قسم اللغة الانكليزية وآدابها وآخر قسم اللغة الفرنسية وآدابها.

ومع بداية عام 1959 أعيد تنظيم كلية الآداب في إطار التنظيم الشامل للجامعة واستحدثت الدراسات العليا في معظم الاقسام ثم خوّلت الكلية أن تمنح درجتي الماجستير والدكتوراه فى الآداب قبل أن يعاد تنظيمها ويتحوّل اسمها إلى كلية الآداب والعلوم الإنسانية عام 1983، حيث استحدثت فيها أقسام جديدة هي الإعلام والمكتبات والآثار وتضمّ الكلية الآن أكثر من 13 قسماً باختصاصات مختلفة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى