يازجي: هجرة المسيحيين عن المشرق هي هجرته عن تاريخه وكينونته
رأى بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي «أنّ وقف النزيف المسيحي في الشرق مرهون بالجهود الرامية إلى توطيد السلام فيه»، داعياً المجتمع الدولي والحكومات إلى «تحمّل الدور المناط بهم في سبيل إحلال السلام، ووقف الأعمال الإرهابية».
وإذ جدّد التأكيد على أنّ المسيحيين «هم جزء مكون في هوية وتاريخ المشرق»، اعتبر «أنّ هجرة المسيحيين عن المشرق هي هجرة المشرق عن تاريخه وكينونته».
وفي كلمة ألقاها خلال ترؤسه ورئيس أساقفة أثينا إيرونيموس الثاني القداس الإلهي في كنيسة القديس ديمتريوس لمناسبة عيد مار متر أمس، قال يازجي: «أنا أجيء إليكم حاملاً لعذابات أنطاكيا. لعذابات شعب في سورية يطلب الحياة الكريمة. شعب يقتل، ويهجر، وينزح أبناؤه إلى العراء، وتهدم بيوته وكنائسه ومساجده، ويجوع أطفاله ويموت مرضاه من غلاء الدواء أو من انعدام الطبابة، شعب طيب مصلوب، يتوجع توجعاً شديداً من وطأة إرهاب وتكفير، شعب يتوق وله الحق أن يتوق إلى عودة الأمان أولاً إلى دياره، شعب يخاف ويقلق على مصيره ومستقبل أولاده».
وأضاف يازجي: «جئتكم وشمعتي مضاءة من أجل لبنان الذي يرزح، بدوره، تحت صليب شقاء هذا المشرق. جئتكم من العراق الذي عانى ويعاني الويلات. جئت لأقول إنّ كل ويلات الدنيا نطمرها في جلجلة صليب ربنا وكل الصعوبات ندثرها بحجر قبره الفارغ وكل العوائق ننساها عندما نتذكر أنّ أجدادنا كانوا هناك منذ ألفي عام وذريتهم باقية وستبقى». وتابع: «وكونيَ أحمل مجد أنطاكيا وعذاباتها فهذا يؤهلني أن أقول إنّ المسيحيين هم جزء مكون في هوية وتاريخ المشرق، ومن دونه لا تفقد هذه المنطقة هويتها فحسب لا بل خصوصية وجودها الحضارية. وهذا يقودني لأن أؤكد أنّ أجراس كنائسنا، التي عُلّقت من غابر الأيام، ستظل تُقرع بتناغم مع مآذن الجوامع وتعاليم الديانات الأخرى. نحن مسيحيي تلك الأرض، منغرسون فيها وراسخون رسوخ الأرز في لبنان وباقون بقاء الزيتون في جبل الزيتون. فيها وُلدنا وفيها سنبقى وإلى صدورنا نضم ثراها حين نغادر إلى الدار الباقية. ومن هنا، فإنّ هجرة المسيحيين عن المشرق هي هجرة المشرق عن تاريخه وكينونته، وتغربهم عنه هو تغربه عن ذاته. ورسالتي هنا للعالم أجمع: وقفُ النزيف المسيحي في الشرق مرهون بالجهود الرامية إلى توطيد السلام فيه. وليتحمّل المجتمع الدولي برمته والحكومات الدور المناط بهم في سبيل إحلال السلام، ووقف الأعمال الإرهابية التي تطاول المدنيين العزّل، وإطلاق المخطوفين، وعلى رأسهم المطرانان يوحنا إبراهيم وبولس يازجي، المختطفان منذ أكثر من سنة ونصف وسط صمت دولي معيب وارتهان لمصالح على حساب الارتهان للإنسانية».
ولفت البطريرك يازجي إلى «أنّ الكنيسة اليونانية قد أعطت الكثير لكنيسة أنطاكيا، فقد استقبلت الكثير من أبنائنا وفتحت لهم أبواب معاهدها وجامعاتها فتخرجوا منها كهنة ومطارنة ليرعوا شعب المسيح في ديارهم. والكنيسة اليونانية واكبت وفي شكل خاص انطلاقة أنطاكيا الأرثوذكسية في العصر الحديث». وقال: «أرثوذكسياً نحن أمام استحقاق كبير أيها الإخوة، وهو المجمع الأرثوذكسي الكبير المزمع عقده بعد سنتين. ولأننا نريد نجاح هذا المجمع نقول، يهمنا أن يخرج هذا المجمع بقرارات تتعدى ترتيب الكراسي ويهمنا أن يلامس حياتياً وإيمانياً ما يريد أن يسمعه لا اللاهوتيون فقط والدارسون مع احترامنا لهم جميعاً لا بل كل الشرائح ما أمكن. يهمنا أن يكون المجمع تجسيداً لما نسميه أورثوبراكسياً». وأضاف: «يهمنا أن يتوقف هذا المجمع أمام قضية لا تقل أهمية عن كل الأجندات، وهي القضية المسيحية المشرقية التي برزت بجلاء بعد المتغيرات الأخيرة في عام 2011 تحت مسمى «الربيع العربي». لماذا علينا دوماً أن ننظر إلى التاريخ ونكون شاهداً بدلاً من فاعل فيه، خصوصاً أنّ الأرثوذكسية في أيامنا لا تنقصها القوة. فلنعد إلى الوراء مئة عام وننظر ماذا حل بديموغرافية البطريركيات الأرثوذكسية الأربعة القسطنطينية، الإسكندرية، أنطاكيا وأورشليم. ألا تستدعي المئة سنة الأخيرة والأحداث الحاصلة في السنوات الثلاث الأخيرة وضع سبل ترسيخ المسيحيين في ديارهم الأولى كأول بند على أجندة المجمع الكبير؟ ونحن هنا لا نفكر بمجد دنيوي، إذ ليس لنا مدينة باقية. ولكن لنا هوية، هي التي يجب أن تبقى».
وكان يازجي زار المطران قسطنطين بابا ستفانو الذي خدم أبرشية بغداد والكويت من عام 1969 إلى 2014 في منزله في أثينا، تقديراً لعطاءاته في كنيسة أنطاكيا.