فلسطين أيضاً قضية إنسان يموت ببطء

حسين حمّود

بعد كل عدوان «إسرائيلي» غاشم ضد الفلسطينيين في الداخل، أو أي إجراء وتدبير يمسّ بحقوقهم الوطنية ويكرِّس أكثر فأكثر الاحتلال الصهيوني لفلسطين، ويمدِّد من عمر كيانه المصطنع. بعد كل حدث من هذا النوع أو ما يشبهه، تتوالى بيانات وفعاليات ونشاطات الاستنكار والإدانة والشجب بأشدّ العبارات، للظلم اللاحق بشعبنا الفلسطيني. ويتزايد هذا الأمر يوماً بعد يوم ويستمر لأسابيع، أو حتى انتهاء العدوان.

وفي موازاة ذلك، يكثر المديح بصمود الفلسطينيين وبسالتهم في مواجهة آلة القتل الهمجية الصهيونية والافتخار بشهداء وجرحى تلك المواجهات التي تعبّر عن أن الفلسطينيين لم ينسوا فلسطين ولم يخنعوا أو يُذلّوا أو يستسلموا للاحتلال كقدر محتوم لا سبيل إلى رفعه.

كل هذا جيّد ومطلوب، بل يجب تزخيمه أكثر وأكثر، إذ إنه يؤكد حيوية أبناء الأمة وقواها الحزبية والسياسية، وأنهم لم ينسوا هم أيضاً فلسطين أو تراجع موقعها في وجدانهم وتفكيرهم ورؤاهم النضالية على مستوى الأمة وحركتهم السياسية داخل كياناتهم، وبعضهم يقدّم عملياً، للفلسطينيين حسب إمكاناته المادية والتي لا تنحصر بالدعم المالي والمساعدات العينية بل تتعدّى ذلك إلى ما هو أكثر إنْ كان متاحاً.

وهذا، على أهميته وقيمته وتأثيره السياسي وفي خلق رأي عام يساند فلسطين ويلتفّ حول قضيتها وجنّد تفكيره لتحريرها، لكنه لا يكفي.

ففلسطين هي أيضاً قضية ناس في أغلبهم بسطاء وفقراء ومضطهَدين، تنعدم لديهم وسائل الحياة. يعيشون داخل سجن كبير تظلله السماء أما أرضه وحراسه فهي في قبضة لصوص مجرمين، معدومي الأخلاق والضمير. لم يتعلم هؤلاء، في كلّ تاريخهم الأسود، إلاّ صناعة الفتن والقتل والنهب وادّعاء مُلكِ كلّ ما هو لغيرهم.

وفلسطين ضحية هؤلاء الصهاينة القتلة الذين تسبّبوا عن سابق تصوّر وتصميم ببؤس الفلسطيني منذ أكثر من سبعين عاماً، وقبل عام النكبة بكثير.

ومع ذلك، يُهمل الكثير من المهتمّين الصادقين بفلسطين، الجانب الإنساني فيها، الذي هو من أكثر العوامل التي تحرّك الضمائر وتخلق رأياً عاماً فاعلاً، محلياً وإقليمياً وحتى دولياً لنصرة قضيتنا، خصوصاً لدى الغرب المتعاطف مع «إسرائيل» ويصدّق مزاعم اليهود حول حقوقهم التاريخية في فلسطين. فلا يمكن التأثير في عقل وعاطفة الغربي إلاّ التركيز على الوضع الإنساني المزري للفلسطيني، إن لناحية التعسف اليومي الذي يمارسه المحتلّ على الفلسطيني من خلال إجراءات أمنية ميدانية مذلّة، أو لجهة تدهور أوضاع القطاعات الصحية والتعليمية وقطاع العمل المتدهور والبطالة الواسعة. وبالمختصر حالة الاستعباد التي يعيشها الفلسطيني من جانب المحتلّ «الإسرائيلي» الفاشي.

وفي هذا الجانب وقائع دامغة تحتاج فقط إلى ترويج. فقد كشفت دراسات ميدانية عدة في عام 2018 الحالي عن وقائع خطيرة في هذا المجال يعاني منها قطاع غزّة جرّاء الاحتلال، سوف يؤدي استمرارها بأبناء القطاع إلى مصير مجهول وكارثي. فقد ارتفعت معدلات البطالة في غزة بشكل كبير إلى نسبة 46 ، من بينهم 67 من المتخرّجين الجامعيين، فيما بلغ عدد العاطلين عن العمل ربع مليون شخص، وتجاوزت معدلات الفقر 65 ، وارتفعت نسبة انعدام الأمن الغذائي لدى الأسر في قطاع غزة 50 .

وما تزال قرابة 4600 عائلة في قطاع غزة مشرّدة بلا مأوى، و5000 عائلة تعيش في خيام أو بيوت من البلاستيك، ونسبة المياه الصالحة للشرب 05 ، فيما تبلغ ساعات قطع الكهرباء اليومية 12 ساعة قطع يومياً، ويُعاني القطاع الصحي من نقص الأدوية والمستهلكات الطبية بعجز يصل إلى 30 شهرياً.

فلسطين قضية إنسان ببطء يموت يحتاج أيضاً إلى تصوير. فبيانات الشجب لا تكفي والمطلوب أكثر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى