تحدى إصابته وسنواته الستين… مروان عزي قصّة إرادة
كتب عمر الطويل من السويداء سانا : لم تمنعه سنواته الخمس والستون من الحلم، فانطلق بمشروعه الفني ليضع فيه عصارة تجربته وخبرته وحبه للحياة والطبيعة وينتج في أقل من خمس سنوات نحو 300 منحوتة خشبية.
مروان عزي بدأت قصته المتأخرة مع الفن عام 2009 يوم استوقفه مشهد تقطيع جذور الأشجار المترابطة بعضها ببعضها الآخر، ودفعه إلى للتفكير بضرورة الإفادة من مخلفات البيئة وعدم حرقها أو رميها وانطلق منها لتصنيع أشكال ومجسمات. يقول عزي «مع الوقت طوّرت أعمالي واتجهت إلى النحت على جذوع الأشجار وأغصانها وأنجزت في السنة الأولى 74 منحوتة وأطلقت معرضي الأول في المركز الثقافي في مدينة السويداء عام 2010 وتبعه العديد من المعارض».
يتحدى عزي بسنواته الخمس والستين إصابته في إحدى رجليه من جراء تعرضه لحادث سير قبل 38 عاماً ويصر على متابعة مشروعه بأدوات تقليدية ومشغل بسيط. ويضيف: «إرادتي وعزيمتي وحبي للعمل ومعرفتي بالأرض والإنسان تساعدني في إيجاد أفكار جديدة دائماً والبحث عن التميز لاستكمال تجربتي الفنية، رغم عدم دراستي الأكاديمية للفن وضعف إمكاناتي المادية».
تحوّل منحوتات عزي الثلاثمئة منزله إلى معرض فني وتتوزّع في أماكن متفرقة منه وتتنوع مواضيعها، وتظهر في واحدة منها خريطة سورية والجندي العربي السوري حامي الديار، فيما تجسد أخرى شخوصاً وحالات إنسانية مختلفة. ويكبر طموح عزي مع منحوتاته الأكثر تميزاً، على حد قوله، وهي لسلحفاة يتجاوز وزنها 150 كيلوغراماً إذ يحلم بدخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية عن أكبر منحوتة خشبية. ويختار لمدخل بيته منحوتة كبيرة تحمل عبارة «وراء كل رجل عظيم امرأة» ويعلق عليها قائلاً: «إنها بمثابة تكريم لزوجتي التي تشجعني دوماً وتقف إلى جانبي في وجه متاعب الحياة وهمومها التي عشناها معاً».
حظي عزي بتكريم العديد من الجهات، لكنه يأسف مع ذلك لعدم وجود اهتمام حقيقي بالفن التشكيلي فتفكير الناس تحول إلى المسألة المادية بعيدا عن جماليات الحياة الروحية والطبيعية على حد تعبيره. وتترافق تجربة الفنان الذي شغل في حياته العديد من الأعمال وخاض حرب تشرين التحريرية مع حبه للقراءة والمطالعة ونجاحه في تأسيس مكتبة تضم نحو ألف عنوان لكتب فلسفية ودينية وتراثية ومخطوطات قديمة تعود إلى مئات السنين، إضافة إلى هوايته المتمثلة بجمع العملات النقدية، وتمكن من امتلاك مئات القطع النقدية السورية والمصرية واللبنانية والأردنية والجزائرية حتى اليوم.
يرى رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين في السويداء نضال خويص «أن عزي يقارب في أعماله الجميلة وتجربته الغنية تجارب عالمية ويبذل جهداً وطاقة هائلة مقارنة مع أدواته البسيطة ويعمل بطريقة فطرية وبصدق وقناعة تامّين دون تقليد أحد»، مؤكداً أنه يحتاج إلى تشجيع ودعم واحتضان لتجربته. ويلفت خويص إلى «أن العديد من الفنانين حاولوا استثمار مخلفات الطبيعة لكنهم لم ينجحوا مقارنة بما قام به عزي إذ أثبت قدراته بأدواته التقليدية البسيطة وبفضل نباهته وفطنته من تحويل جذوع الأشجار إلى كتل نحتية بعيدة عن التكلف وتلامس البيئة بجميع محتوياتها وتوحي الكثير من المشاعر والانفعالات وتحيي في ذاكرتنا ذائقة بصرية مميزة.
ويرى خويص أن عزي انطلق بمشروعه الفني من ظروفه القاسية حتى انبثقت تماثيله الخشبية لتريح جسده المنهك وتبهج روحه التواقة إلى خلق الجمال بإصرار ومحبة.
إلى الفنان جمال العباس قائلاً عن تجربة عزي «إنه يتفرد بإصراره على اختياراته والطريقة التي يتعامل فيها مع المادة الخام أي الخشب، إذ يتجنب أن يقطعها كي لا يفسد قدسيتها بل يبتكر أشكالاً مما هو موجود وينجز بمنظاره الفني نماذج رائعة».
يؤكد العباس أن أعمال عزي تستحق المشاهدة، مثلما تستحق تجربة منجزها الشكر والتشجيع على الجهد المبذول والإصرار على العطاء والتعامل مع الفن على أنه أسس الحياة.