تحليل أمني فرنسي لأحداث الشمال

ناصر قنديل

زارني أحد الأصدقاء المقيمين في باريس، والذي يلتقي بين فترة وأخرى بأحد كبار ضباط الأمن الفرنسي المعنيين بالشرق الأوسط، وحدثني عن حصيلة لقائه الأخير ليلة أول من أمس على مائدة عشاء قبيل سفره إلى لبنان، وعلى رغم وفرة المعلومات المهمة التي سمعتها منه عن الوضع في سورية والعلاقات الفرنسية السورية، والنظرة الفرنسية لمستقبل هذه العلاقات، كما للعلاقات الفرنسية الإيرانية، وعن رأي المطابخ الفرنسية الأمنية والديبلوماسية بأداء الرئيس فرنسوا هولاند، إلا أن ما لفتني هو التحليل الذي قدمه المسؤول الفرنسي الأمني البارز لأحداث شمال لبنان.

يقول المسؤول الفرنسي لمحدثه اللبناني، إن بعض اللبنانيين في غمرة الصراعات السياسية وما تمليه من استخدام للأحداث في لعبة تسجيل المواقف خارج سياقها ومنطقها، تروج تحليلات ينظر إليها الأمنيون الذين يبنون استنتاجاتهم على المعلومات فقط، وهي غالباً معلومات مصادرها صفوف من يصفونه بالعدو، وكأنها دعابات تثير الضحك وتتسم بالطرافة.

يتوقف المسؤول الفرنسي عند نظرية علاقة ما يجري من استهداف للبنان من قبل فروع تنظيم القاعدة باسمها القديم أو بمسمياتها الجديدة، وقبل أو بعد الأحداث في سورية، وبين دور حزب الله بحمل السلاح منفرداً دون سائر القوى اللبنانية بداعي مقاومته لـ«إسرائيل ، وما أثاره هذا السلاح من نقاش داخلي خلفيته الشعور باختلال التوازن الداخلي لحساب الحزب، ولو لم يستعمل هذا السلاح في الداخل، لأن الربط قائم قبل استخدام السلاح في السابع من أيار 2008.

كما يتوقف المسؤول الأمني الفرنسي أمام الربط اللاحق لهذا الاستهداف بمشاركة حزب الله في القتال في سورية، ويقول عن الربطين السابق واللاحق، إن ما يجب أن ينتبه إليه اللبنانيون هو أن المسؤول الأول عن جعل لبنان على لائحة الاستهداف لدى تنظيم القاعدة ، هو الموقع الجغرافي المتوسطي لبلدهم، والمسؤول الثاني هو حساسية تركيبتهم السياسية الطائفية وقابليتها للاختراق والاهتزاز.

يشير المسؤول الفرنسي إلى أن أخطر عملية تعرض لها لبنان وتابعها الأمن الفرنسي عن كثب، جرت عشية الانتقال من اليوم الأخير من عام 1999 إلى صبيحة اليوم الأول من عام 2000، ويومها كانت الصورة المحلية والإقليمية لا تشبه بشيء الصورة الراهنة، فالرئيس السوري حافظ الأسد يستعد لقمة جنيف مع الرئيس بيل كلينتون التي عقدت في نيسان 2000، وإسرائيل تختبر خياراتها في لبنان، فتستعد لما أسمته في شباط 2000 بحملة الردع الكهربائي التي دمرت خلالها محطات التوليد والتحويل، وكان لفرنسا دور هام في إعادة الترميم والتشغيل، لتصل في أيار 2000 لقرار الانسحاب، والنقاش حول سلاح حزب الله لم يكن مطروحاً، ولا حتى النقاش حول الوجود السوري في لبنان، اللذين انطلقا مع الانسحاب الإسرائيلي ، وظهرا في بيان مجلس المطارنة في شهر أيلول، كما في مناخات الانتخابات النيابية في نهاية أيلول 2000، فكل شيء كان مختلفاً ولا شيء مما يمكن أن يقال اليوم كان ممكن القول يومها، وعلى رغم أننا نتحدث عن مرحلة ما قبل الحادي عشر من أيلول، وما تعنيه عن فوارق عما بعدها، سواء لجهة الوضع الدولي، أو لجهة وضع التنظيم نفسه، أو لجهة تعامل الرأي العام الإسلامي مع القاعدة ، وكانت العملية الأكبر في سجل الإسلاميين التابعين لفكر وتنظيم القاعدة للاعتبارين الرئيسيين، موقع لبنان الجغرافي، وتركيبته الطائفية الهشة.

يتحدث المسؤول الفرنسي الأمني البارز، أن تلك العملية التي شارك فيها قرابة المئتين من المسلحين، وسعى القائمون عليها لانتزاع منطقة نفوذ أمنية مغلقة تمتد بين الجبال في الضنية ويكون لها منفذ بحري من جهة، وتواصل هلامي عبر البقاع اللبناني مع الداخل السوري من جهة أخرى، لا علاقة لها بحرب العراق التي لم تكن قد وقعت بعد، ولا بأحداث سورية ولا بما ترتب عليها من انقسام لبناني، إستراتيجية القاعدة تتضمن خطاً ضبابياً لتثمير كل التحولات بربط أفغانستان بالمتوسط، الثابتان هما أفغانستان والمتوسط، وعلى المتوسط شمال لبنان فقط، ومنه إلى سورية حكماً ومنها إلى العراق حكماً، ومنهما عبر كردستان العراق وكردستان إيران وصولاً لأفغانستان، هذا خط حرير خاص بـ القاعدة ، فبناء خلايا في القلمون السوري عمره عشرون عاماً، كما هو حال الخلايا المتجددة في الضنية اللبنانية أو القلمون اللبناني كما تقول الخريطة.

يسرد المسؤول الأمني الفرنسي البارز، الذي يقول لمحدثه إن أداء الجيش اللبناني عام 2000 كان مدهشاً بحرفيته ومستواه وقدرته على إنهاء التمرد، المزيد من الوقائع حيث تقديرات القاعدة أنه سيتحول إذا صمد المسلحون لأسبوع فقط، ليصبح ثورة مسلحة تعم الشمال، وتستفيد من الأزمة بين عهد الرئيس إميل لحود والرئيس رفيق الحريري الموجود خارج الحكم وفي مقدمة عام انتخابي ساخن، فتصير فتنة، ويختم أن نواة حرب نهر البارد كانت ذات النواة لمعركة الضنية وهي نواة ما يجري اليوم.

نقول، المهم أن ينتبه المعنيون من اللبنانيين لهذا الكلام، وأن يخرجوا من التوظيف السياسي في الترويج لتحليلات وتفسيرات غالباً ما تمنح الإرهاب أعذاراً وأسباباً تخفيفية، لإلقاء اللوم مرة على حزب الله ومرة على الجيش، فيصبون الماء في طاحونة الإرهاب.

يختم المسؤول الفرنسي البارز الكلام لمحدثه بالقول، أنه بقدر إعجابه بتغلب الغريزة العسكرية للرئيس لحود على موقعه الرئاسي وانتقاله للإمرة المباشرة لقواته، لفتته الوطنية العالية للرئيس الحريري الذي انتبه لخطورة ما يجري، فبادر للاتصال بالرئيس لحود واضعاً نفسه بتصرفه لمواجهة الخطر المحدق بالجيش ولبنان، على رغم كل إغراءات التوظيف الطائفي والفئوي والسياسي والانتخابي خصوصاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى