حكومة الحريري المرتَقَبة: اتحاد وطني أم ربط نزاع؟
د. وفيق إبراهيم
هناك احتمال إضافي بتعذّر التشكيل فتستمرّ حكومة تصريف الأعمال الحالية على وقع تفاقم الصراعات الخارجية والاشتباك السياسي الداخلي.
هذا الاحتمال ضعيف حتى الآن لحاجة لبنان إلى تفاهمات سياسية كبيرة في الداخل تستندُ كعادتها إلى توافقات خارجية.. ما يدعم المعادلة اللبنانية الذائعة الصيت.
فأين لبنان من هذه الاحتمالات الثلاثة؟
فالنسبة لحكومة اتحاد وطني فهي الوحيدة القادرة على معالجة الحاجات الفعلية التي يتطلّبها لبنان.. وأولها الانهيار الاقتصادي الناتج من فساد سياسي عام ينعكس على كل مؤسسات الدولة والقطاع الخاص مستولداً أنواع فساد يجتاحُ كل «العام» اللبناني بشكل علني مُغطّى من أولي أمر المذاهب والطوائف.
أما ما يفاقم هذا الانهيار فهما عاملان: الدين العام الذي أدرك 90 مليار دولار مواصلاً صعوداً مريباً، والثاني: هو التعاطي اللبناني الكريه مع الدولة السورية، بتشجيع سعودي ـ أميركي.. أو لتسجيل ولاء لبنان لهما في الصراعات الإقليمية والموقف من حزب الله. فكيف يمكن لبلد طريقه البرية الوحيدة إلى العالم العربي تمرُ من سورية، أنّ يتمنّع عن أي تواصل سياسي معها، وصولاً إلى تشجيع الفئات المناوئة لها؟ وكيف يستطيع أنّ يجد حلاً لمشكلة النازحين السوريين فيه مليون وخمس مئة ألف نسمة من دون التنسيق مع دمشق؟ وهناك أحزاب المستقبل والقوات والفئات المحسوبة على حركة 14 آذار، تتمسّك بهؤلاء النازحين وتتذرّع بحجج واهية لاستبقائهم في لبنان بتحريض أميركي ـ سعودي ـ غربي.. أتحتاجُ محاولات ابتزاز حزب الله في تشكيل الحكومة، أنّ ينبري الوزير جبران باسيل لاتهام الدولة السورية بأنها لا تريدُ استرداد نازحيها فأقرّت القانون رقم «10». المتعلق بتنظيم أملاك سطا عليها مسلّحون إرهابيون في بعض مناطق سورية مقيمين عليها إنشاءات لهم؟ وهذا يناقض مع ما استوعبه باسيل من هذا القانون، الذي لا يريد إلا إعادة الأهمية القانونية للدوائر العقارية في سورية على قاعدة صيانة الأملاك الخاصة، وإعادة ربط السوريين بوطنهم؟
فلماذا يستهدف هذا الابتزاز حزب الله في مرحلة تشكيل حكومة يطالب فيها الحزب بالتمثيل الوزاري المتكافئ لكل القوى بما فيها حزب القوات والمردة والنواب السّنة المستقلون؟ ولو كان هناك شيعة مستقلون عن «الثنائية» لكان أصّر على تمثيلهم. حكومة الاتحاد الوطني هي الوحيدة التي تستطيع التعامل مع حاجتي لبنان: الاقتصادية ببعدَيْها الداخلي من جهة وتحسين العلاقات مع سورية من جهة أخرى، أما الثانية فترتبط بالامتناع عن تحويله قاعدة سعودية ـ إماراتية يجتاحها يومياً سفيرا الرياض وأبو ظبي وكأنهما في أملاكهما.. كما تتطلّب تأييداً لأدوار حزب الله.. أو على الأقل، الامتناع عن استهدافه أو السكوت عن الرمي عليه خارجياً ورفض الانصياع للقرارات الأميركية الخارجية المعادية له.
ويبدو أنّ محاولات التيار الوطني الحر لإقصاء حزب القوات عن حكومة لا يقلها حزب الله المصرُّ على التوازنات المذهبية والوطنية لتوفير الاستقرار المطلوب، وإلاّ كيف يتأمن الاستقرار بإبعاد حزب القوات الذي أصبح «الأول» في الحركة السعودية الإماراتية وقبل حزب المستقبل مباشرة؟
هذا ينطبق أيضاً على تمثيل الدروز، وذلك باستبعاد أيّ محاولات لإقصاء طرف تاريخي أساسي من الثنائية، على الرغم من القوة الأساسية التي يتمتع بها فريق جنبلاط الاشتراكي، بما يشمل أيضاً حلف المردة ـ خازن وفيصل كرامي ومجموعة كبيرة من النواب السّنة.
يتبيّن أنّ حكومة اتحاد وطني تعكس بشكل دقيق جداً الآلية المناسبة لإجهاض انهيار سياسي واقتصادي وشيك. فهل هي ممكنة؟
المعترضون عليها كثر. ويتمنّون الاستعجال في تطبيق القرارات الخارجية المستهدِفة جناحَي حزب الله السياسي والعسكري. فهذا يعطيهم قوة في التشكيل على مستويين.. إبعاد كل من يناوِئهم في مذاهبهم، وهذا يتعلّق برغبات التيار الوطني وحزب المستقبل والتقدمي الاشتراكي. أما الثاني فمحاولة حصر حزب الله في وزارات ثانوية بوزراء من صفوف الأصدقاء أو الصف الثاني.. وبالذرائع الخارجية أيضاً.
لكن هذا قد لا يكفي، والدليل أنّ رئيس الوزراء المكلّف ذاهب بعد الاستشارات مع الكتل السياسية مباشرة إلى السعودية، ليس لقضاء إجازة مع عائلته أو للاعتمار. والهدف منها واضح.. وهو نيل موافقة مسبقة على التشكيلة المرتقبة من أولياء الأمور. أهكذا تشكّل الحكومة في الدول الأخرى؟ وتسمح للسفير السعودي بلقاءات دائمة مع المجموعات السياسية في لبنان. وتترافق مع توزيع هدايا ومكرمات؟ أهذا هو النأي بالنفس؟
إزاء الاحتمال بالرفض السعودي، تتجه الأنظار نحو حكومة ربط نزاع تشرف على إدارة الأزمات الداخلية والخارجية بالحد الأدنى مع وزراء من الصف الثاني من كل الفئات المشاركة. فيبقى الانقسام الحالي بين اللبنانيين متصاعداً في التعامل مع أزمات الإقليم، مستندين إلى مؤشرات جديدة «تؤكد»، حسب زعمهم، اقتراب موعد الهجوم الأميركي على سورية والإسرائيلي على لبنان.
وهذا يمنح القوى اللبنانية المرتبطة، تفاؤلاً ويعزّز رفضها لحكومة اتحاد وطني ومنع مشاركة القوى الجديدة فيها من بين المسيحيين والسّنة والدروز، مع استثناء الشيعة لأن «الثنائية» عندهم أمسكت بكامل مقاعد مذهبها.
ومن المؤشرات التي يتكئون عليها، التهديد الذي وجّهه الأميركيون للجيش السوري في حالة اقتراب وحداته من درعا.. فهللوا له فرحاً في إعلامهم وتصريحاتهم.. وكادوا يُصابون بـ «هيستيريا». من نوبات الفرح والصرع الأقصى للتهديد الإسرائيلي لإيران وحزب الله بتدميرهما؟.. فيتماهون مع التصريحات الخليجية، حول حق «إسرائيل» في الدفاع عن نفسها!! الأمر الذي يعطي حكومة ربط النزاع أسهماً معادلة لأسهم حكومة الاتحاد الوطني لجهة التشكيل.
لكن فئة «متعقّلة» من التيار اللبناني السعودي، يستعجل تشكيل حكومة موسّعة لأنها متأكدة أنّ واشنطن «مهزومة» في المعركة السورية ـ العراقية ـ اللبنانية. وما تفعله هو المحاولة الأخيرة لتأمين تفاهم أميركي ـ روسي يُبقي لواشنطن أجزاء من نفوذها مقابل صعود الدور الروسي وتراجع الدور السعودي ـ الإسرائيلي أيضاً. ويرى هؤلاء أنّ نقطة الخلاف التي لا تزال تعرقل ولادة هذا التفاهم هو الإصرار الأميركي ـ الإسرائيلي على إبعاد حزب الله عن الجولان المحتل وربما عن كامل سورية. وهذا يشمل الإيرانيين أيضاً.
لذلك يريد هؤلاء «المتعقلون» اغتنام الفرصة بحكومة وطنية، قبل فوات الأوان. لأن إعلان الهزيمة الأميركية هو مثابة إقصاء للفئات المرتبطة بها في العراق وسورية.. ولبنان أيضاً. فخذوا «المتيسّر» قبل حصول «المُقدَّر». وعندها فلن تحصلوا على شيء.
بأي حال، فإن موازنات القوى التي يشكّل حزب الله جزءاً منها ليست لبنانية فقط.. ولن تستطيع أيّ حكومة معادية له أنّ تمّر لا دستورياً ولا بأي أشكال أخرى.. واستشارة فؤاد السنيورة.. والإرهاب والعودة إلى الحروب مع «إسرائيل» بين 1982 وحتى 2006.. لهي من الدلائل المشجّعة على حكومة اتحاد وطني تغطي الضعفاء المستترين بالجلباب السعودي ـ الأميركي.. فهل مَن يستفيد من عظاتِ التاريخ والقراءة الأميركية ـ الإسرائيلية لحجم المقاومة في المدى اللبناني السوري ـ العراقي؟ الذي أصبح مرهوب الجانب؟