الحريري نحو «تعزيز» مكانة «القوات» نزولاً عند الرغبة السعودية؟

روزانا رمّال

تحتمل عقَدُ تشكيل الحكومة اللبنانية عند أي تكليف تصنيفها ضمن دائرة العوائق الطبيعية التي تحيط بأي تشكيل حكومي مفترَض في بلد تغزوه قيود الطوائف والحصص والأحجام. وبالتالي فإن ولادة أي حكومة بعد الاتفاق على تسمية رئيس مكلف تحتاج إلى وقت معقول نسبياً لتخطي هذه العوائق لكن العامل المحلي لا يكون عادة العامل الأوحد الذي يحيط بالتشكيل، خصوصاً إذا كانت ولادة الحكومة باسم رئيسها واقعة ضمن توازنات دولية معهودة، وبحالة الرئيس سعد الحريري فإن المشاكل التي يعيشها ضمن البيت الواحد وما سبق بعد أزمة الاحتجاز تؤكد ان هذا الامر لا يتعلق بالحريري وحده وأن الرؤية تجاه التمثيل السني في لبنان ليست خارج الحسابات الخليجية.

من ضمن هذه الحسابات احترام الحريري حلفاءه الأساسيين، ومنهم القوات اللبنانية، حيث تؤكد مصادر «البناء» ضبابية العلاقة بين الطرفين ما بعد عودة الحريري من الرياض إثر الأزمة الشهيرة واعتبار اللقاء الأخير بين الرجلين في بيت الوسط ليس الا ترجمة لتدخل الموفد السعودي «نزار العلولا» المكلف بمصالحة الطرفين ضمن اتفاق واقع ما قبل الاتتخابات النيابية بعد أن لفت حصول اللقاء سريعاً بعد استقالة نادر الحريري غير المرغوب به سعودياً. الأمر الذي يفترض ان ينسحب بحسب الطلب السعودي على حماية موقع القوات اللبنانية كحليف «اول» للمملكة، وإلا فإن خيارات الحريري ستعتبر مشبوهة بالنسبة للسعوديين الذين خيّروه في أزمة الاحتجاز بأصعب الخيارات الممكنة إذا استمرّ بممارسته التي فرضتها عليه الصفقة الرئاسية التي تعني تقارباً مع حزب الله وخياراته، خصوصاً مع اصدقائه في التيار الوطني الحر «جبران باسيل» على حساب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعحع.

تضيف المصادر «أن اللقاء الذي جمع جعجع بالحريري قبل تسميته رئيساً كان الأخير فيه مجرد مستمع الى موقف جعجع وما يعتبر «شروط» من أجل استكمال العلاقة. وهذه الشروط برّر فيها جعجع خياره بازمة الاحتجاز على أنها هي التي اخذته الى موقفه الحاد حينها فوجد نفسه مضطراً الى انتهاجها، خصوصاً في ما يتعلق بحزب الله والشعور بأنه مسيطر على الحكومة فكان ما كان» .

اما في ما يتعلق بشارع تيار المستقبل والقوات اللبنانية، فإن الأجواء التي عقبت اللقاء لم تكن مطمئنة لأنصار التيار الأزرق الذين اعتبروا ان تخلي جعجع السريع عن الحريري لحظة إعلان الاستقالة في وقت حصد التضامن معه وحدة وطنية استثنائية خطوة مقلقة وغير مطمئنة للمستقبل. وإذا كان على أحد أن يرسم أسساً متينة للعلاقة ويستعيد ثقة الحريري فعليه أن يكون جعجع.

هذه الثقة التي كسرت بين الطرفين تتعرّض اليوم الى محاولات لمّها من جديد عبر تدخل سعودي محوري في هذه العلاقة التي تجد فيها الرياض علاقة ضرورية بحسابها الاستراتيجي لنقاط الربح والخسارة في المنطقة مقابل محور إيران وسورية المدعوم من روسيا. والرياض ليست مستعدة لتحقيق خسارة في الملف اللبناني بحجم تفكك حلفائها بالكامل، خصوصاً ما يجمعها معهم أرضية استراتيجية مشتركة تتكفل بترجمة سياستها في لبنان.

يبدو جعجع كمن قطع أشواطاً في الموقع المتقدم عند السعوديين وأكثر المهتمين بحماية هذا الموقع. وقد عزز موقعه أكثر بعد أن اظهر للسعودية أنه نجح بتحقيق نتيجة مهمة بالانتخابات النيابية مسيحياً وأنه رقم صعب في الشارع اللبناني المسيحي الذي تحتاج السعودية لمثله بعد أن نجحت إيران بتشكيل قاعدة صديقة او رديفة لوجود مسيحي حليف لحزب الله وهو التيار الوطني الحر. وهذا الوجود الاساسي في لبنان يعتبر ميزة هذا البلد وصلب توازنه وما يميزه عن باقي دول الجوار. فالوجود المسيحي والتقرب السياسي منه هو مطمع دائم للاعبين الإقليميين الذين يُدركون تأثير لبنان في الشارع الغربي بسبب هذا المكوّن وأزمة الحريري التي تدخل فيها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بكل قوة تؤكد مكانة لبنان في العين الأوروبية لاسباب كثيرة. جزء منها إشعار المسيحيين بالدعم والمؤازرة.

عقد تمثيل القوات اللبنانية في الحكومة لم تعد خيار تمثيل مسيحي بحجم وحضور أو بنتيجة انتخابات من هنا او هناك، بعد كل هذا الحرص السعودي على إرسال إشارات للحريري بالحفاظ على حليفه الاول القوات اللبنانية قبل الانتخابات وخلالها وبعدها من اجل الانسجام مع مصالح السعودية الاستراتيجية. وبالتالي من غير المستبعَد ان ترسل جرعات دعم اضافية من الرياض تضغط على الرئيس سعد الحريري لأفضل تمثيل للقوات، خصوصاً في ظل مواقف للتيار الوطني الحر بضرورة التمثيل القواتي المتناسب مع حجمها ككتلة. وهو بيت القصيد في الخلاف بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. وهذا ما يضع الحريري أمام اختبار كبير لجهة محافظته على حيادية الرئيس الجامع لكل اللبنانيين بعيداً عن تنفيذ رغبات أو قبول عرقلة التشكيل من اجل مصالح سياسية تؤخر انطلاقة الحكومة وتزيد الضغط عليه كرئيس يتطلع الى تشكيلها بأسرع وقت، لما في ذلك من تعزيز الثقة بقدرته على جمع اللبنانيين الذين أسندوا إليه 111 صوتاً نيابة عن الكتل كأقوى مرجعية سنية تتكافأ مع تمثيل «الأقوى» في السلطات الباقية.

يقع على الحريري اذاً ضغط كبير من الحليف القواتي الذي استبق تسميته بوضع شروط لإعادة التسمية، كما صرّح جعجع في إحدى المقابلات التلفزيونية. هذه الضغوط من الحليف «المفروض» أكثر حساسية من باقي الضغوط المرتبطة بعقد التشكيل، لأن عقدة تعزيز حضور القوات سياسياً كقوة مسيحية وازنة مرتبطة بذيول أزمة الاحتجاز وتداعياتها التي أفرزت شروطاً لم تنته حتى اللحظة. ولا يبدو كذلك قبل أن يحقق الحريري للسعوديين جزءاً أساسياً من رؤيتهم للحركة السياسية في لبنان. فهل ينجح الحريري باجتياز القطوع وترضية جميع الاطراف لانطلاق الحكومة؟ أم يكون حلفاؤه الخليجيون أول مَن يضع العصي بوجهه قبل التشكيل؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى