حرب الفوائد والضرائب مع المصارف تنتهي إيجاباً بري رئيساً للمحرومين

كتب المحرر السياسي

فاز الرئيس نبيه بري بلقب رئيس المحرومين مرة جديدة، بعد اثنتين وعشرين سنة من رئاسته للمجلس النيابي بقوة وصوله كرئيس لحركة المحرومين، وفي معركة هي الأولى منذ نحو نصف قرن خاضها عام 1973 الوزير إلياس سابا كوزير للمال وهزم، عندما أقر المرسوم 1943 بفرض رسوم على الكماليات دفعت أمراء المال لخوض معركة كسر عظم مع الوزير الشاب آنذاك حتى هزيمته وتراجع الحكومة، بإضراب يوم واحد ظنت جمعية المصارف الممسكة بنصف اقتصاد البلد أنه قابل للتكرار، ليظهر أن التغيير الذي عرفته البلاد خلال العقود الخمسة بمثل ما حمل ممثلي المصارف والشركات العقارية للتآخي والتصالح مع التغييرات في التمثيل السياسي والتموضع داخل تركيبة الطوائف وتمثيلها السياسي، حمل مجموعة من القوى السياسية ذات الجذور الشعبية التي بقيت أمينة على تمثيلها للفئات الوسطى ولفقراء المجتمع، خصوصاً الموظفين في قطاعات الدولة المختلفة.

تكتلت مجموعة من القوى السياسية خلف رئيس المجلس النيابي لخوض المعركة بحرفية وذكاء، ليس المطلوب منها منتصر ومهزوم، بل تمرين مفيد في اختبار مراكز القوة لتثبيت معادلة العقد الاجتماعي الجديد، الذي لم يتبلور منذ اتفاق الطائف إلا لحساب المصارف والشركات العقارية، بصورة أوحت أن الحريرية السياسية العابرة للطوائف نجحت بترويض روح التغيير والعدالة الاجتماعية، لدى القيادات التي أفرزتها الطبقات الشعبية وحملتها إلى مراكز المسؤولية العليا، بعدما ارتضت هذه القيادات معادلة التمثيل الطائفي بلا أي مضمون اجتماعي، لتثبت هذه الجولة موازين قوى ستحضر في المستقبل كقواعد اشتباك، عنوانها أن البعد الاجتماعي لا يزال محركاً فاعلاً في رسم السياسة، وأن فقراء لبنان لم يصبحوا يتامي السياسة.

المواجهة الدائرة حول السلسلة ليست بلا تداعيات رئاسية، بعدما ترك حاكم مصرف لبنان عبء المواجهة مع المصارف على عاتق رئيس المجلس النيابي ووزير المالية، بعدما كان بري قد تشاور وتفاهم مع الحاكم رياض سلامة على تفاصيل المقترح النيابي، متوقعاً منه القيام بالتحضير اللازم مع المصارف عبر القنوات التي لا تنقطع بينه وبينهم، ليتفاجأ بأن المصارف وجمعيتها في مناخ معركة مواجهة وليست في مناخ تفاوض بارد كما يفترض لو قام الحاكم بالمنتظر منه، ومثلما كانت تجربة سلامة غير مشجعة كانت المعلومات الوافدة من واشنطن تنقل عن مصادر معنية بمتابعة الملف اللبناني تأكيدها أهمية إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها والانفتاح على إمكانية تعديل الدستور إذا كان إنجاز الاستحقاق الرئاسي يقتضي ذلك، مؤكدة أن الملف الأمني هو ما يعني الخارج المستنفر لضمان استقرار المنطقة ولبنان في قلب محاورها الملتهبة، ولا يستطيع هذا الخارج النظر للاستحقاق الرئاسي خارج هذه الأولوية، وهذا الذي دفع الغرب للضغط تسريعاً لاستيلاد الحكومة الجامعة. وتضيف التقارير أن تنفيذ الخطط الأمنية ومواجهة امتدادات القاعدة ترفع من أسهم العماد جان قهوجي، كما يعزز وضعه كونه واحداً من الأسماء الأقل إثارة للحساسية لدى سورية والمقاومة، إن لم يكن من الأسماء التي يراهن الغرب أنها تستثير تفاعلها الإيجابي.

سقوط محاولات عرقلة السلسلة وبرّي يردّ بقوّة

في هذا الوقت، لم تنفع محاولات جمعية المصارف والهيئات الاقتصادية بوضع العصيّ أمام إقرار سلسلة الرتب والرواتب لمنع المسّ بالأرباح الخيالية لأصحاب رؤوس الأموال والشركات الكبرى، بحيث جاء ردّ رئيس مجلس النواب نبيه بري حاسماً في وجه جمعيّة المصارف التي كان رئيسها هاجم مواقف النواب واتهمهم بـ«سرقة المال العام»، ما أدى إلى ردّ قوي من قِبل الرئيس بري الذي اعتذر عن عدم استقبال وفد جمعية المصارف إذا لم يعمد رئيس الجمعية فرنسوا باسيل بالإعلان عن اعتذار علني أمام وسائل الإعلام عن تهجّمه على النواب، بينما قام عضو كتلة التنمية والتحرير النائب هاني قبيسي برفع دعوى قدح وذمّ ضد باسيل صباح أمس ولكنه عاد وجمّد الدعوى بالتوازي مع لقاء جمعية المصارف مع وزير المال علي حسن خليل.

لماذا صعّدت جمعية المصارف؟

وفيما اعتبر الرئيس بري إضراب جمعية المصارف «كمن يطلق النار على رجليه» متحدثاً عن الأرقام الفاحشة التي تجنيها المصارف، رأى رئيس الجمعية فرنسوا باسيل في مؤتمر صحافي مع عدد من أعضاء الجمعية «أن الاقتراحات الضريبية ستكون لها آثار سلبية على المودعين»، مهوّلاً بأن الارتفاع البسيط للضرائب على الفوائد سينعكس ارتفاعاً في الفوائد على المودعين. ورأى أن لا فقراء في لبنان، لكن باسيل أشاد بمواقف الرئيس بري معلناً أن سلسلة الرتب والرواتب مطلب حق واستحقاق.

لكن هذه الهجمة من قِبل جمعية المصارف والهيئات الاقتصادية لم تؤثّر في إصرار اللجان النيابية بتوجيه ورعاية من الرئيس بري على إنهاء درس السلسلة في جلستها الطويلة التي استمرت من الثالثة حتى العاشرة ليلاً، على أن يعقد مجلس النواب جلسة عامة مطلع الأسبوع لدرسها وإقرارها.

اللجان تنجز السلسلة

في كل الأحوال، من المقرر أن تعقد الهيئة العامة لمجلس النواب جلستها التشريعية مطلع الأسبوع المقبل لإقرار السلسلة بعد أن أنجزتها اللجان المشتركة في جلسة ماراثونية امتدت لحوالى السبع ساعات ودار فيها نقاش موضوعي حول الأمور كافة المتعلقة بالنفقات وكيفية دفع السلسلة وضريبة الـ TVA وغيرها. وقد تمكّنت اللجان من إقرار معظم المواد المتعلقة بالتمويل والنفقات والشق الإصلاحي وتركت البتّ ببضعة أمور مهمة هي:

مواد أساسية تُرِكت للهيئة العامة:

1 ـ ضريبة الـ TVA، فهناك خيارات إما رفع الضريبة من 10 إلى 15 في المئة على الكماليات أو رفعها من عشرة إلى 12 في المئة على كل المواد والسلع.

2 ـ كيفية دفع السلسلة، هل دفعة واحدة أم بالتقسيط أم بالتجزئة.

3 ـ مصير المفعول الرجعي، وعلمت «البناء» أن أفكاراً عدة طرحت حول هذه الأمور من دون التوصل إلى إجماع حولها، فارتأت اللجان عندها أن ترفع تقريرها إلى الهيئة العامة للبتّ بها.

ومن المتوقّع أن يدعو الرئيس بري في الساعات المقبلة إلى الجلسة العامة، مع العلم أن المتوقّع أن تُعقد الجلسة الثلاثاء المقبل.

بعض الكتل تريد نسف السلسلة

وعلمت «البناء» أن هناك توجّهاً لدى بعض الكتل النيابية بأن يصار إلى تقسيط السلسلة وفي الوقت نفسه تطيير المفعول الرجعي الممتد من 1/7/2012 ولغاية إقرار السلسلة. كما عُلم أن هذه الكتل تدفع باتجاه رفع ضريبة الـ TVA من عشرة إلى 12 في المئة على كل المواد والسلع، في سعي واضح لتحميل الفئات المحرومة والفقيرة العبء الأكبر من تكاليف السلسلة ومحاولة إثارة الرأي العام ضد هيئة التنسيق النقابية.

الاستحقاق الرئاسي

أما في شأن الاستحقاق الرئاسي، فرجّحت مصادر نيابية مطلعة أن يحدّد الرئيس بري جلسة انتخابية ما بين 25 و30 الجاري وليس قبل هذا التاريخ، مشيرة إلى أنّ بري لم يحسم نهائياً حتى الآن موعد الجلسة، وإن كان يزمع إجراء بعض الاتصالات والمشاورات قبل تحديد موعدها.

مأزق «14 آذار»

في سياق متصل، يبدو واضحاً أنه على رغم مواقف قيادات في «14 آذار» عن مساعٍ للتوافق على مرشّح واحد داخل هذا الفريق، فإن المصادر النيابية تستبعد تمكّن هذه الأطراف من الاتفاق على مرشّح معين. وأشارت إلى أن إعلان وزير الاتصالات بطرس حرب أمس أنه قرّر ألا يعمد إلى إعلان ترشّحه لرئاسة الجمهورية، خصوصاً أن ليس هناك في الدستور آلية للترشّح هو إعلان ترشيح غير مباشر من قبل الوزير حرب. ورجّحت المصادر أن تشهد الأيام القليلة المقبلة مزيداً من «إعلان النوايا» عن الترشّح لرئاسة الجمهورية، وأنه من المستبعد أن يعلن أي من المرشّحين عن ترشّحه رسمياً كما أعلن رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع. وأوضحت المصادر أن مسار الاستحقاق الرئاسي، خصوصاً ما يتعلق بالمرشّحين يبقى ضبابياً إلى ربع الساعة الأخير التي تسبق نهاية ولاية رئيس الجمهورية.

عبيد: لست مرشّحاً

وفي هذا الإطار، أعلن الوزير السابق جان عبيد أمس أن الأصول والأعراف لا تشترط الترشّح ولا البرنامج في الانتخاب الرئاسي، معلناً أنه يعتبر نفسه غير مرشّح حتى الآن لغياب الظروف المؤكدة في ظل ظروف التنافس القائمة حالياً.

الراعي: لم أستبعد أحداً

وفي المواقف، أعلن البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي أن لا صحة لما نُشر في بعض الصحف عن استبعاده المرشّحين من 8 و14 آذار لرئاسة الجمهورية، موضحاً أن ما قاله إنه «إذا لم يحصل توافق على مرشح من 8 أو 14 آذار سيتم البحث عن مرشح آخر». وقال إنه «لن يرشّح أحداً ولن يستبعد أحد ولن يسمي أحداً لأنني أحترم المجلس النيابي». أضاف: «لا يجب أن نضع تعديل الدستور أمامنا، وإذا اقتضى الأمر تعديل الدستور في الحالات القصوى نعدّل الدستور».

مداهمات وتوقيفات في طرابلس والبقاع الشمالي

أما على الصعيد الأمني، فقد واصلت وحدات الجيش عمليات المداهمة وتوقيف المطلوبين في كل من طرابلس والبقاع الشمالي، في وقت نفّذ الجيش أمس انتشاراً واسعاً في عدد من أحياء طرابلس في مواجهة التظاهرة التي انطلقت من مسجد الأميرة في باب الرمل للتحريض ضد الجيش واعتراضاً على الخطة الأمنية، حيث دعا المتظاهرون إلى إطلاق بعض المطلوبين منهم طارق مرعي بالإضافة إلى جميع الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية.

وأفيد أن وحدات الجيش داهمت مكتب عضو كتلة «المستقبل» النائب محمد كبارة في منطقة التل بحثاً عن مطلوب لجأ إلى المكتب ويحمل سلاحاً، كما نفّذ الجيش مداهمات في الحارة البرانية وأوقف أحد المطلوبين، كما نفّذ مداهمات في جبل محسن وأوقف أحد الأشخاص.

كذلك استجوب قاضي التحقيق العسكري نبيل وهبي الموقوفين المدّعى عليهم في مجموعة باب التبانة وأصدر مذكرتين وجاهيتين. كما أصدر مذكرات غيابية بتوقيف 12 مدّعى عليهم.

وفي البقاع الشمالي، واصلت وحدات الجيش حملة المداهمات في عدد من القرى وأعلنت قيادة الجيش أن قوة من وحداتها دهمت منازل مطلوبين في بريتال وحور تعلا ومجدلون وأوقفت ثلاثة أشخاص.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى