النقد بين الماضي والحاضر

يكتبها الياس عشي

أتحدّى أن ترى موقفاً نقدياً معاصراً، في الأدب أو في السياسة، بدون تجريح، وبدون ابتذال، مما يدفعك للعودة إلى الحلقات الأدبية والسياسية التي كانت تعقد في مجالس الخلفاء والأمراء وغيرهم ممن حوّلوا مدائنهم إلى عواصم أدبية يحجُّ إليها الناس ومن كلّ صوب.

يروى أنّ الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان سأل أعرابياً من قبيلة عذرة كان حاضراً في مجلسه:

ـ من أشعر الشعراء في المدح؟

ـ أجاب الأعرابي جرير عندما قال:

ألستم خيرَ من ركب المطايا

وأندى العالمين بطون راحِ؟

ـ الخليفة: وفي الفخر؟

ـ جرير عندما قال:

إذا غضبتْ عليك بنو تميم

حسبتَ الناسَ كلَّهمُ غضابا

الخليفة: وفي الهجاء؟

ـ أيضاً جرير في قوله:

فغضَّ الطرْفَ إنك من نميرٍ

فلا كعباً بلغتَ ولا كلابا

الخليفة: وفي الغزل؟

أيضاً يا مولاي.. إنه جرير القائل:

إنّ العيون التي في طرفها حورٌ

قتلننا ثم لم يحيينَ قتلانا

وكان جرير بين الحضور والأعرابي لا يعرفه، فانتشى جرير طرباً، وقال: له جائزتي السنوية يا أمير المؤمنين.

وقال الخليفة: وله مثلها من بيت المال، وتحتفظ أنت بجائزتك يا جرير.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى