منطقة خفض التصعيد جنوب سورية والتحذيرات الأميركية 1
حميدي العبدالله
من المعروف أنّ تجربة تفاهمات خفض التصعيد لم تنجح في أيّ منطقة من المناطق السورية إلا في المنطقة الجنوبية. وعلى الرغم من أنّ هذه التفاهمات في أنحاء متفرّقة من سورية كانت في البداية بين الولايات المتحدة وروسيا كما حدث في شباط 2016، لكن من الواضح أنّ واشنطن عندما أيقنت أنّ فعل هذه المناطق يعمل في مصلحة الجيش السوري، حيث نتيجة لذلك التفاهم تمّ تحرير مدينة تدمر قبل أن يعود ويغزوها داعش من جديد إثر خروج الولايات المتحدة عن تفاهم شباط وشنّ المجموعات الإرهابية المسلحة هجوماً واسعاً على الكليات في حلب وعلى الريف الشمالي بحماة، إلا أنها ومع انتقال الإدارة الأميركية إلى ترامب وانقطاع العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة بسبب مزاعم عن تدخل موسكو في الانتخابات الرئاسية الأميركية، تحوّلت إلى تفاهمات مع تركيا عبر جهد بذلته كلّ من روسيا وإيران، ولكن حتى هذه التفاهمات لم يتمّ احترامها من قبل تركيا والمسلحين المرتبطين بها، ولهذا كانت معركة تحرير الأحياء الشرقية من حلب، ومعركة تحرير الريف الشمالي الجنوبي من محافظة إدلب، رداً على خرق تركيا للتفاهمات.
لكن كان من الواضح أنّ الاتفاق الوحيد الذي صمد هو الاتفاق المتعلق بالمنطقة الجنوبية، على الرغم من تدهور العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا، فما هي الأسباب التي أدّت إلى احترام هذا الاتفاق أو التفاهم، على الرغم من النداءات التي أصدرتها المجموعات المسلحة لنجدة الغوطة؟
ثمة عاملان رئيسيان لعبا الدور الأكبر في نجاح تجربة خفض التصعيد في المنطقة الجنوبية واقتصار خرقه على عمليات محدودة لم تهدّده للحظة طيلة أكثر من عام. العامل الأوّل، حساسية هذه الجبهة، بمعنى آخر أنّ هذه الجبهة متصلة بالحدود الأردنية وخط وقف إطلاق النار في الجولان، وبالتالي، فإنّ اندلاع المواجهة المفتوحة في هذه الجبهة يعني أمرين محتملَين، وربما أكيدَين، الأمر الأول، تحوّل المواجهة إلى مواجهة إقليمية، وتوسّع رقعة القتال لتشمل الأردن والكيان الصهيوني. وبديهي أنّ هذا تطوّر لا ترغبه لا تل أبيب ولا عمّان، وبالتالي واشنطن. الأمر الثاني، أنّ مسلحي وإرهابيّي هذه المناطق، وعوائلهم سوف يلجأون إلى الأردن والكيان الصهيوني، بسبب منطق وطبيعة وتداعيات المعارك العسكرية، وهذه الهجرة للإرهابيين وعوائلهم إلى الأردن والكيان الصهيوني مرفوضة بالمطلق، وتعتبر خطاً أحمر بالنسبة لتل أبيب وعمّان وواشنطن، ولهذا دائماً كانت هناك رغبة في تهدئة الأوضاع في هذه الجبهة وتدارك نشوب مواجهة واسعة.
العامل الثاني، أنّ الفعاليات التي تضغط لصالح خيار المصالحة في هذه المنطقة لها تأثير قوي، ومن الصعب على الجماعات الإرهابية تجاهل إرادة هذه الفعاليات التي إنْ لم تنجح في عقد المصالحة فعلى الأقلّ احترام التهدئة، ولذلك كان ثمة نجاح نسبيّ لمنطقة خفض التصعيد في محافظة درعا.