الفرزلي: التباينات غير جوهرية وباستطاعة الرئيس المكلّف حسم التأليف بالتعاون مع رئيس الجمهورية وتحالف واسع
حاورته رنا صادق
بعد تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة وانتهاء مشاوراته النيابية، والاطلاع على مطالبات الأحزاب في التشكيل، يدخل استحقاق تأليف الحكومة من بابه الواسع. مطالبات التكتّلات النيابية الوزارية جاءت على أساس نتائج الانتخابات.
من جهة أخرى، هذه المطالبات تضع في الحسبان عملية تمثيل كلّ القوى السياسية في الحكومة ما يعني تمثيل المجلس النيابي، الأمر الذي بدوره يعني إلغاء الدور الرقابي في المجلس.
هذه المواضيع وما يتصل بها من مواقف في ملف تشكيل الحكومة الجديدة أثارتها «البناء» مع نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي.
بدايةً يرى الفرزلي «أنّ عناوين المرحلة المقبلة أيّ مرحلة تأليف الحكومة، لا تختلف عن عناوين المراحل السابقة، فمجريات الأحداث في المنطقة لم تتغيّر. وبالتالي فإنّ لبنان أمام مرحلة تحمل العناوين نفسها، إنْ من الجهة الإقليمية والتحدّيات «الإسرائيلية» وما يُحاك للمنطقة، أو لناحية، المشاريع المطبوخة لأزمة فلسطين أو بما سُميّ صفقة «القرن» والاستهدافات التي طالت المنطقة ونتائجها وأيضاً بعض التدخلات الأجنبية في البلد، كلّ هذه الأحداث ترمي بثقلها على الساحة اللبنانية، وفي مقدّمها وجود النازحين السوريين».
لكن الفرزلي يعتبر «أنّ ثمة أمراً محسوماً يتمثّل في أنّ جميع القوى المحلية الأساسية مؤمنة بضرورة الاستقرار الداخلي ومؤمنة أيضاً بأنّ أيّ حالة عدم استقرار ستنعكس سلباً على الجميع. على ضوء ذلك، يذهب كلّ الأفرقاء السياسيين إلى تأليف الحكومة ويحاولون فيها أخذ هذه الهواجس في الاعتبار، عسى ولعلّ أن يجمعوا الناس جميعاً في حكومة واحدة».
أنت الخصم والحكم
ويضيف «باعتقادي أنّ هذا الأمر له إيجابيات كثيرة، لكن له كذلك سلبيات ستنعكس على النظام السياسي في لبنان، خصوصاً على مستوى البرلمان، إذ إنّ تمثيل كلّ الكتل ووضعها في الحكومة يُلغي الدور الرقابي للبرلمان، اذاً مَن سيراقب؟ إنْ لم يقُم البرلمان بهذا الدور فإنّ منطق إعادة بناء الدولة على قاعدة منع الصفقات ووقف الهدر والمحاسبة، بكون مجلس النواب أمّ المؤسسات الرقابية، يتعطّل دوره ويصبح على قول المتنبّي «فيك الخصام، وأنت الخصم والحكم».
منطق الأمور يقول، أن يذهب رئيس الحكومة إلى تأمين أكثرية، وهذا حقّه، بحسب ما يشير الفرزلي، موضحاً أنّ الأول «سيحاول جاهداً أن يؤمّن ما يسمّى أوسع ائتلاف ممكن في الحكومة، نأمل أن يُوفّق في ذلك، وإنْ لم يحصل فهي ليست بكارثة على العكس، وجود المعارضة هو أمر ضروري».
التفاوض يرفع السقوف
يعتبر الفرزلي أنّ مرحلة التشكيل لن تطول، لأنّ لا خلافات سياسية جوهرية، بل هي حتى تاريخه تتعلق بالحصص. وحتى الآن لا يمكن إلقاء اللوم على أحد، فمنطق الأمور في التفاوض يحتّم على الأطراف المعنيّة أن تقدّم سقوفاً عالية للتفاوض في ما بعد.
ويضيف «كما باعتقادي أنه يجب أن لا تطول عملية التشكيل كثيراً، لأنه إنْ لم يتمّ تأليف الحكومة بصورة طبيعية وضمن الوقت المعقول، وكانت المسألة مسألة اختلاف على الحصص، فباستطاعة الأكثرية التي يتمنّاها الرئيس المكلّف بالتعاون مع رئيس الجمهورية ميشال عون أن تحسم الأمر وتذهب باتجاه تأليف الحكومة، وتنال ثقة المجلس».
شعار «القوات» تكتيكي
وعن مطالبة «القوات» بالتساوي بعدد وزرائها مع عدد وزراء تكتّل «لبنان القوي» يقول الفرزلي «هذا الشعار تكتيكي وهو رفع لسقف التفاوض ليس إلاّ، فمضمون المطلب ليس مبرّراً ويحمل في طيّاته «مناظرة»، لأنّ الأوضاع والأرقام التي آلت إليها نتائج الانتخابات واضحة، وبالأمس في معركة رئاسة مجلس النواب التي أظهرت موازين القوى الفعلية، على الرغم من ذلك كلّه لديهم، الحقّ أن يطالبوا».
كما يشدّد الفرزلي على أنّ القضية تعود إلى كيفية رؤية الرئيس الحريري لكونه رئيس الوزراء المكلّف، لأكثريته الحكومية وما يجب أن تكون عليه.
ويتابع «في بعض الأحيان إذا كان الرئيس المكلّف يحتاج إلى صوتين ليؤمّن الأكثرية، يمكنه أن يعطي الصوتين لوزيرين إذ المهم تأمين الأكثرية النيابية. وهذا الأمر متعارف عليه، وفي بعض الأحيان يمكن أن يكون لدى الكتلة عشرون وزيراً وليست بحاجة إليهم، فيكتفي بإعطائها وزيراً واحداً، فإن قبلت كان به وإن لم تقبل فلتذهب إلى المعارضة».
ويضيف «قوانين لعبة التحالفات لا مكان فيها للحقوق المفروضة، توجد مفاوضات يجريها رئيس الحكومة لتأليف الحكومة تؤمّن أكثرية. فإذا تأمّنت الأكثرية من مجموعة أقليّة وأراد تكتّل كبير لنفترض كتكتّل «لبنان القوي» المطالبة بحصة أكبر من الحصة التي يستطيع رئيس الحكومة استيعابها يمكن للأخير حينها تأليف الحكومة من دون هذا التكتّل. وذلك يعود إلى أن قبل قانون الانتخابات الحالي لم يكن باستطاعتهم القيام بذلك لأنه كان هناك تشكيك في تمثيل المكوّنات في المجلس النيابي. فكان معظم المسيحيين نصفهم أقلّه، مستولدين في كنف المكوّنات الأخرى. اليوم بعد قانون الانتخاب الجديد أصبحت المكوّنات ممثلة تمثيلاً سليماً في المجلس النيابي».
ويؤكّد الفرزلي أنّ في أي حكومة يُراد الحصول فيها على الأكثرية تجب مراعاة مبدأ أساسي هو أن تمثّل الطوائف بصورة عادلة تماماً كما ورد في نصّ المادة 95 من الدستور.
الديمقراطية البرلمانية: لا أكثرية وأقلية
في سياق متصل، يتعلّق بالدعوة إلى الديمقراطية العددية أحياناً ورفضها أو تجزئتها أحياناً أخرى من بعض الأفرقاء، يجيب «عندما كنّا نقول سابقاً بعدم تطبيق الديمقراطية العددية، لأنه كان هناك تشوّه كبير في قانون الانتخاب، لأنّ نصف المسيحيين تأخذهم الطوائف الأخرى، فكيف ستتأمّن بذلك الديمقراطية العددية؟ اليوم، بعد أن استقام الاعوجاج في قانون الانتخاب وأنتج المسيحيون بقوّتهم سبعة وخمسين نائباً، وما زال ينقص سبعة نواب، بات يمكن القول إلى حدٍّ ما، إنّ المكوّنات كلّها ممثلة، لذا الديمقراطية البرلمانية تقتضي ذلك. لا أكثرية وأقلية!».
وعن مطالبة تكتّل «لبنان القوي» بالمداورة في الوزارات السيادية، وبالتالي مطالبته بالحصول على الداخلية أو المالية، يقول الفرزلي: «هذه المطالب ما زالت في بداية الأمر، وهي مطالبات رفع سقوف، حسب ما أتأكد منه عبر خبرتي».
استطراداً لذلك، يعتقد الفرزلي أنّ المسألة الأهمّ عند الحكومة الجديدة هي حلّ مسألة النزوح السوري إلى لبنان.
البيان الوزاري
بالانتقال إلى موضوع البيان الوزاري وما يمكن أن تكون صيغته الأخيرة والعراقيل التي قد تبرز، يؤكّد الفرزلي أن لا خلافات حوله، وقد يكون آخر بيان صدر هو النموذج الذي سيُعتمد، خصوصاً حول البند الخاص بالمقاومة فهو متّفق عليه أولاً بين الأفرقاء، ثانياً أنّ الرئيس عون سيطرح قضية الاستراتيجية الدفاعية على الحوار، وهي خطوة متقدّمة في هذا المجال.
ويختم «لذلك، يجب أن تُستثمر عملية وجود رئيس كالرئيس عون، فهو موضوع ثقة من الأطراف المعنيّة، يستطيع أن يقارب هذا الموضوع من دون أيّ خدوش وأيّ شكوك أو ندوب في حركته، وبالتالي يكسب ثقة الأطراف لرعاية عمل كهذا».