«ناشيونال إنترست»: احتجاجات غزّة تكشف تكتيكات وأسلحة غير تقليدية

يمكن للمرء أن يتصوّر فقط كيف يمكن استخدام الطائرات بدون طيّار في النزاع «الإسرائيلي» ـ الفلسطيني مستقبلًا.

قال سباستيان روبلن في مقال له على موقع «ذا ناشيونال إنترست»: «إن الاحتجاجات الفلسطينية ضدّ نقل السفارة الأميركية إلى القدس اشتعلت منذ أسابيع، لكنها بلغت ذروتها في يوم افتتاح السفارة الجديدة 14 أيار الجاري».

وأوضح روبلن أن 14 أيار يحمل ذكرى إعلان بن جوريون استقلال «إسرائيل»، وهو يوم للاحتفال على الجانب «الإسرائيلي»، ويوم للأسى أو النكبة في الذاكرة التاريخية الفلسطينية. في تلك اللحظة أصبح الفلسطينيون عديمي الجنسية. وجاء افتتاح السفارة الأميركية في القدس ليزيد من آلام الفلسطينين، ويشعل مواجهة استخدم كلا الجانبين فيها تكتيكات وتقنيات جديدة، مثل الطائرات المسيرة، في مواجهاتهما مع بعضهما البعض.

على سبيل المثال يقول روبلن منذ آذار 2018، لجأت «إسرائيل» إلى استخدام نوعين من الطائرات المسيرة «درونز» لإطلاق الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين الفلسطينيين، النوع الأول يقوم برش الغاز من الجوّ، والثاني يقوم بإسقاط قنابل الغاز.

اشتعلت احتجاجات فلسطينية سلمية في جميع أنحاء «إسرائيل» والضفة الغربية، لكن الوضع مختلف في غزة، حيث يسكن ما يقرب من 70 في المئة من حوالي مليوني فلسطيني المنطقة التي تبلغ مساحتها 141 ميلاً مربّعاً، وهم لاجئون أو أحفاد لاجئين. وقد نزح العديد من الفلسطينيين من ديارهم بعد حروب عام 1948 وعام 1967. ومنذ ذلك الحين، رفضت «إسرائيل» عودتهم، وفي التسعينات أحاطت «إسرائيل» غزة بجدران وأسوار ونقاط تفتيش عسكرية بزعم حماية أمنها القومي.

نجحت الإجراءات «الإسرائيلية» في الحدّ من الهجمات الفلسطينية على المستوطنات «الإسرائيلية» المجاورة ـ يؤكد روبلن ـ ولكنها فجّرت أزمات عديدة داخل قطاع غزة مثل البطالة وضعف خدمات الرعاية الطبية والحدّ من قدرة الفلسطينيين على التنقل من وإلى القطاع. لم تتحسّن الأوضاع المعيشية حتى بعدما انتُخبت حماس، في عام 2006، وبعد الحسم العسكري في عام 2007 بعد صراع مع السلطة الفلسطينية. وشجعت حماس الفلسطينيين على محاولة عبور الحدود بالقوة من أجل تأكيد حقهم في العودة.

ردًا على ذلك ـ يشدّد روبلن ـ نشرت «إسرائيل» القناصة الذين يستخدمون الذخيرة الحية لإطلاق النار على أولئك الذين يحاولون اقتحام السياج. يستهدف القناصة عادة أرجل المتظاهرين، وهو ما يمكن بالطبع أن يكون له عواقب مميتة. وقد أوضح أطباء محليون أنهم عالجوا قرابة 800 شخص مصاب بنيران القناصة، التي تسبب ثقوباًَ كبيرة في الجسد، وكسوراً في العظام.

في 14 أيار وحده، قُتل حوالي 60 فلسطينياً وجُرح قرابة 1300 آخرين من جراء طلقات نارية. وأحد أسباب ذلك هو قواعد الاشتباك «الإسرائيلية»، التي تجيز إطلاق النار على أي شخص يحاول الوصول إلى مسافة 300 متر من السياج الحدودي بقصد إلحاق الضرر أو العبور. وفي الوقت نفسه، أشارت تقارير إلى أن الفلسطينيين حاولوا زرع قنابل للانفجار عبر الحواجز. فردّت «إسرائيل» باستخدام الطائرات والدبّابات لإطلاق الصواريخ والقذائف على خمسة أهداف في جميع أنحاء القطاع.

ليست هذه هي المرة الأولى التي توظّف فيها تل أبيب التكنولوجيا العسكرية العالية لديها ـ يشدّد روبلن ـ ففي عام 2007، استخدمت «إسرائيل» الرشّاشات الآلية من عيار 50 ـ وتعمل بالروبوتات ـ على الأبراج على طول الحدود. ويتم التحكّم فيها عن بعد من قبل مجندات «إسرائيليات» شابات ويقال إنها تسبّبت في قتل عشرات الفلسطينيين.

كان التكتيك الأكثر فعالية للمتظاهرين هو استخدام الطائرات الورقية الحارقة التي تحمل قنابل المولوتوف، والتي أشعلت حرائق الغابات لدى الجانب «الإسرائيلي».

تؤكّد إسرائيل أن استخدام القوة المميتة ضد الفلسطينيين حق مشروع للدفاع عن النفس لوقف «إرهاب حماس». على سبيل المثال، كان من بين القتلى حوالي 20 إلى 30 من أعضاء حماس. وهكذا كان لحماس دور بارز في تعزيز الاحتجاجات، ولكن يبدو أنها اقتنعت بتخفيفها بناءً على طلب مصر.

بيد أن منظّمات حقوق الإنسان تشدّد على أن القانون الدولي لا يسمح بالاستخدام المتعمد للقوة المميتة من قبل الشرطة، إلّا من أجل الدفاع عن الأرواح البشرية ـ يستدرك روبلن ـ وليس لمنع الإضرار بالممتلكات. وفي مواجهة القناصة، والغاز المسيل للدموع، والأسوار، والأسلاك الشائكة، يبدو أن الفلسطينيين غالباً ما يستخدمون القاذفات، لكنهم فشلوا في إيذاء أي من أفراد الجيش «الإسرائيلي».

كان التكتيك الأكثر فعالية للمتظاهرين هو استخدام الطائرات الورقية الحارقة التي تحمل قنابل المولوتوف، والتي أشعلت حرائق الغابات لدى الجانب «الإسرائيلي». وقد نشرت «إسرائيل» بدورها طائرات بدون طيّار لمحاولة إسقاط الطائرات الورقية أو قطعها.

ويشدّد روبلن على أن استخدام الطائرات بدون طيّار وأنظمة الأسلحة عن بعد سينمو في جميع أنحاء العالم لأن التكنولوجيا متوفرة بالفعل بأسعار زهيدة ويكثر الطلب عليها، ليس فقط مع الأنظمة الاستبدادية التي تمتد من الصين وحتى مصر، ولكن في الحكومات الديمقراطية مثل الولايات المتحدة. وبالفعل أنفقت قوات الأمن الأميركية بسخاء على الطائرات بدون طيار، استخدمت للبحث عن المشتبه بهم من الشرطة.

ستسهل الطائرات بدون طيار على قوات الأمن التصدي للمتظاهرين دون التعرّض للخطر. ومع ذلك فإن تقنية الطائرات بدون طيار قد تقدم أيضاً تكتيكات جديدة للمتظاهرين.

على سبيل المثال، في عام 2016، استخدم أميركيون يحتجّون على بناء خطّ أنابيب كيستون في نورث داكوتا طائرات بدون طيار لمراقبة وتسجيل أعمال قوات الشرطة ـ ينوه روبلن ـ وقد ساعدت لقطات لقوات الأمن التي تستخدم خراطيم المياه والقنابل الصاعقة ضدّ المتظاهرين في حشد الدعم الشعبي لقضيتهم. ومع ذلك، فقد طلبت السلطات من إدارة الطيران الفيدرالية غلق المجال الجوي في منطقة الاحتجاج «على المتظاهرين فقط، وليس قوات الأمن» وشرع قناصة الشرطة في إطلاق الطائرات بدون طيار مع إفلات قانوني من العقاب.

كما يمكن أيضاً استخدام الطائرات بدون طيار من قبل جهات غير حكومية. لقد قام تنظيم «داعش» والمتمرّدون السوريون بتحويل مئات الطائرات بدون طيار المتاحة تجارياً إلى منصّات هجومية تسقط القنابل. وقد لجأت عصابة إجرامية في ولاية فلوريدا إلى استخدام سرب طائرات بدون طيار لمراقبة الشرطة. ويخشى البعض من أن يستخدم المتظاهرون في قطاع غزة الطائرات بدون طيار التجارية، بدلاً عن الطائرات الورقية إذا تمكّنوا من الحصول عليها.

تتباين مواقف الناس تجاه استخدام القوة ضدّ المتظاهرين وفقاً لميولهم السياسية ـ يقول روبلن ـ إذا عارض المرء قضية المتظاهرين، فإن أي قدر من عنف الدولة له ما يبرره، وأن المتظاهرين يتعرضون للأذى أو القتل بسبب عدم احترامهم للقانون.

أما إذا كنت أحد المتعاطفين مع المتظاهرين، فإن أي تدابير تستخدمها الدولة للحفاظ على النظام والتخفيف من الأضرار يتم تصويرها على أنها قمع لا مبرر له، وجميع المتظاهرين، إما أبرياء، أو لهم ما يبرر لجوؤهم إلى أي أعمال عنف يقومون بها.

ولكن يرى روبلن أن على أي مجتمع ديمقراطي ضمان حق الناس في التعبير عن استيائهم، ولكن يجوز للسلطات اتخاذ إجراءات لتفادي خسارة الأرواح والتدمير غير المبرر للمتلكات العامة. لقد انتقد المجتمع الدولي أحداث غزة لأن القوات «الإسرائيلية» لجأت إلى استخدام القوة المميتة ضد المتظاهرين، الذين مهما بلغ عنفهم، فلم يشكّلوا أي تهديد على قوات الأمن التي تواجههم.

ومع ذلك ـ يختتم روبلن بالقول ـ في حين أن التقنيات الجديدة قد تسهل على السلطات ممارسة القوة عن بعد دون خوف من الانتقام، فإن هذه التقنيات قد تستخدم في نهاية الأمر من قبل القوى المناهضة للدولة لإحداث تأثير مدمّر. إذ يمكن للمرء أن يتصوّر فقط كيف يمكن استخدام الطائرات بدون طيار في النزاع «الإسرائيلي» الفلسطيني مستقبلاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى