لبنانيّون ضدّ لبنان طبعة ربيع 2018

حيّان سليم حيدر

جرياً على عادتي، كانت لهذه الأفكار- الموقف أن تصدر عني منذ ما قبل الانتخابات النيابية، ولكن إدراكي بانشغال الرأي العام والخاص بالأحداث المثيرة الأخيرة حتّمت عليّ التأجيل، وأرى في ذكرها الآن بعض الإفادة من حيث تدارك الأعظم. وباختصار…

توالت مؤخّراً سلسلة من الأحداث في مدى شهر شباط الماضي خطفت اهتمام اللبنانيّين المسؤولين منهم لأنّ سائر اللبنانيّين مخطوفو الاهتمام أساساً في اتجاهات الضياع التامّ ومنها:

1 ـ زيارتان خلال شهر شباط 2018 لمسؤول أميركي «رفيع» السيد هوف لا أعلم مدى رفعه أو رفعته للتباحث قيل في موضوع البلوك 9 من تنقيبات الغاز المنتظرة في بحر لبنان، فذهب مكّوكيّاً من دارتنا إلى الديار المحتلة من قبل بني صهيون وأوْكل باقي مهمّته الى السيد ساترفيلد السفير السابق المعروف في لبنان وكان جلّ الموضوع الحرص على تأمين حصّة للعدو «الإسرائيلي» من ثروة اللبنانيّين السائلة وغير المسؤولة إلى جانب طبعاً موضوع بناء جدار «إسرائيلي» فاصل مرّة جديدة على بعض من حدود لبنان.

2 ـ تزامن هذا الموضوع مع النأي عن عروض قدّمتها دولة الصين لا أعلم إذا ما كنتم قد سمعتم عن هذه الدولة، فهي لها بعض الأهمية عالميّاً في مجالات اقتصادية خاصة عديدة، علماً أنّ البلد مليء بالبضاعة الصينية من كلّ صنف.

3 ـ ثمّ تجدر الإشارة، وإنْ كانت لا تنفع، أنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت قد عرضت على لبنان مراراً وكرّرت عروضها في غير مناسبة لمساعدة لبنان في المجال العسكري بالمجان طبعاً ممنوع لسببين أوّلهما المصدر وثانيهما انعدام العمولة . وفي مجال توليد الطاقة بأسعار كلفة الدولة المتقشّفة وضمن مهل قصيرة وكلّها كانت لتتمّ منذ سنين غابرة لو أُقِرّت في حينها، كما في إنشاء البنى الأساسية وبخاصة السدود ماء وكهرباء والطرق وما شابه، ولكن كلّها بقيت ممنوعة حتى النظر فيها لأسباب «تَوَجُّسية».

ويصدف أن يتزامن هذا كلّه ودائماً مع الإخلال في الالتزام بمضمون اتفاقيات عسكرية أبرمتها الدولة اللبنانية منذ زمن مع روسيا الاتحادية ما يعطي مصداقية عالية للبنان الرسمي تجاه التزامه بالمعاهدات والاتفاقات الدولية «تماشياً» أو تماهياً مع النمط «الترامبي» الذي ألغى أيّ مصداقية متبقية لأميركا تجاه احترام معاهداتها مع الدول والمنظمات .

وتكرّ السبحة في سائر المجالات ومع سائر الدول والشركات والعروض من أينما جاءت وفي أيّ قطاع رست وليس أقلّها: الكهرباء والنفايات والاتصالات والـ… ولكن، أخشى من الجنوح هنا الى الإطالة ومن عادتي دمج المواضيع بعضها بالبعض الآخر فتطول المقالة الى تخوم الملل. لذلك، سأكتفي هنا بما سبق ذكره لأخلص إلى ما تهدف إليه هذه الأفكار في الأساس.

إذا جمعنا المناورة الأميركية – الإسرائيلية مع إسدال الستارة على العروض الإيرانية في الأساس ومنع الالتزام بالاتفاقيات الثنائية مع الروس والنأي بالنفس عن عروض الصين، وغيرها من فتات الإمكانيات التي، كلّ منها، كانت لتضع «بحصة» تسند خابية ديون لبنان العظمى ووضعه الاقتصادي المنهار، نقول إنّ ما حصل فعلاً هو تعطيل مصلحة لبنان بأنّنا نسينا أو تناسينا موضوع استثمار النفط والغاز الى حين… وهل يذكّركم هذا كلّه بموضوع مشروع الليطاني الذي بقي قيد المناورة الدولية والإقليمية تارةً والمناكفة المحلية والطائفية طوراً لما زاد عن 50 عاماً ولم ينته بعد؟ وهل من الصدف أن يمنع لبنان كما سبق من الاستفادة من ثروته، ومن سائر العروض المفيدة أيضاً، لأسباب دولية أو عربية أو محلية، كما حصل في الليطاني وغيره من مشاريع؟

نستخلص مما سبق وهو بمثابة تحذير عساه يفيد بعد الإنذار: نحن لم نعد أمام مواجهة بين الانتصار لمحور سياسي أو مشروع عالمي – إقليمي بوجه مشروع آخر، ولا أعني هنا محوري المقاومة من جهة والغرب من جهة مقابلة اللذين أصبحا من حواضر حديثنا اليومي، بل الكارثة هي أننا انجرفنا أو الأفضل أن يُقال جُرِفنا ، بمساعدة «أصدقاء لبنان» ويصدق القول هنا إنّ مع أصدقاء كهؤلاء لا حاجة لنا الى أعداء بحيث أصبح الانتصار الى محور ديمومة الوضع الزري المنهار القائم، وبالتأكيد إطالة عمر المنتفعين منه، سياسيّاً في المناصب والمنافع العامة، وماديّاً في الصفقات والمنافع الخاصة، في وجه محور نهوض لبنان الذي لن يكون إلا من طريق إحداث التغييرات البنيوية المطلوبة بدءاً من المساءلة فالمحاسبة فالمعاقبة فإلى استرداد المسروق من أرزاق المواطنين، مع تطبيق المبدأين الآتيين بالتلازم: الأول «أنّ فاقد الشيء لا يعطيه»، والثاني «أنّ الذي يجرّب المجرّب يكون عقله مخرّباً»، وبعدها لكلّ صادق صديق…

من أهداف هذه المختصرة إثارة النقاش من حيث أُطفِئ بالعودة الى الجولات الأميركو إسرائيلية بغية إبعاد لبنان عن جميع القوى العالمية والعروض السخيّة والأفكار البنّاءة والقرارات الناجعة وصولاً الى جعل لبنان ينكل بتعهّداته تجاه الدول والمنظمات.

وترمي هذه العاجلة الى العودة بأهل السياسة والفكر والقرار من الهروب الدائم الى ما هو بعيد المنال إلى مواجهة التحديات مباشرةً بالذهاب إلى المتاح من الإجراءات والقرارات البسيطة السيادية والمستقلّة التي يمكن أن تنقذ البلاد والعباد وتضعهم على مسار التعافي.

… تعالوا الى حيث نكسر مقولة إنه ممنوع على لبنان النهوض ونحن لدينا نوّاب جُدد ونحن بانتظار وزراء جُدد، ومنهم مَن اسْتُعفِي من النيابة لتحقيق الغايات المنشودة.

هذا مشروع حوار سريع وجدّي تليه قرارات وإجراءات موجعة على طريق نقل الوضع العام من حال «مكافأة الفساد» التي نعيش منذ تأسيس لبنان الطائفي الكبير إلى حال مكافحة الفساد التي نريد… والحالة هي نفسية وفكرية قبل كلّ شيء.

باحث… عن فسحة من الأمل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى