«روزنا» لعارف الطويل… واقع يتخطّى الدراما و«وحدن» لنجدت أنزور… يتفرّد في الطرح
عبير حمدان
«نحن خسرنا كلّ شي بسبب الحرب وما بقى عنا إلا كرامتنا… فحافظوا عليها». هي جملة تختصر الواقع المؤلم الذي فرض نفسه على عائلات سورية كثيرة من جرّاء الحرب التي دمّرت النفوس على مدى سنوات الأزمة في سورية.
أبدع بسام كوسا في تجسيد شخصية «السيد وفا»، وهذا ليس بالأمر المستغرب على فنّان محترف واستثنائيّ يتقن إيصال الرسالة إلى المتلقّي ويصبح جزءاً من يومياته العادية لا مجرّد ممثّل يؤدّي دوره ويمضي.
عائلة «السيد وفا» التي تركت حلب قسراً تختبر قسوة العيش، ويبقى الأمل معلقاً بين حجارة البيت العتيق وأمل العودة والتمسّك بفعل البقاء، رغم مرارة الانسلاخ عن بيئتها ومحيطها.
تستفزّك التفاصيل البسيطة المرتبطة بالشخوص في مسلسل «روزنا» للكاتب جورج عربجي ومن توقيع المخرج عارف الطويل حيث لا ينفصل دمار الابنية عن تراكم الانحطاط الاخلاقي لدى البعض في أسلوب تعاطيهم مع أناس أجبرتهم الظروف القاسية على خلع ثوب الرفاهية في محاولة للعيش بكرامة.
وهذا الانحطاط يتجلّى في الدور الذي تلعبه جيانا عيد ببراعة لافتة، وتنجح في تحريك إحساس الكراهية لدى المُشاهد الذي ينتظر خاتمة فيها نوع من القصاص لكلّ الشرّ الموجود في داخلها، أو ربما صدمة تخرجها من حالتها المرضية المزمنة والمتمثّلة بإصرارها على استملاك ابنها وحرق وإهانة كلّ من يقترب منه بحجّة حمايتها له.
ولعلّ الرسالة الأكثر قوة تتجسّد في تسليط الضوء على الجنديّ السوريّ وما يمتلكه من وعي وإرادة وتصميم على حماية وطنه وكلّ ما يمثّله له من عطاء وحبّ، ليكون «سالم» بلال مارتيني النموذج الذي يختصر صورة الجيش السوري الذي دافع وصمد، وهزم الإرهاب.
قد يعترض البعض على تظهير كل البؤس في دائرة ضيقة متصلة بعائلة واحدة ولكن هذه الدائرة ما هي إلا نموذج يختصر الواقع ويتخطى الدراما التي من الخطأ وضعها في خانة الترفيه وتقطيع الوقت، بحيث يحوّلها جزء من صنّاعها إلى مادة تجارية قوامها الابهار والوجه الحسن وحسب.
من هنا تبقى وظيفة الأعمال الدرامية تجسيد الواقع بما فيه من مرارة وحزن ومرض وقسوة وشرّ، يقابل ذلك كلّه شيء من الحبّ والأمل والخير والفرح. ولعلّ الإضاءة على معاناة أبناء الشهباء ولو من خلال نموذج مصغّر، ما هو إلا خطوة رمزية في طريق طويل قد يواصل الكتّاب والمخرجون المسير فيه بعد رفع الركام الذي خلّفه الإرهاب، وانقشاع المشهد عن قصص كثيرة. وحتى اكتمال المسير يمكن الجزم أنّ «روزنا» عمل دراميّ واقعيّ موجع لأنه حقيقيّ.
«وحدن» بين الخرافة وحتمية البقاء
يأتي طرح «وحدن» مغايراً لكلّ ما هو سائد على الساحة الدرامية. حيث تقدّم الكاتبة ديانا كمال الدين باقة من الروايات ضمن الرواية الأساسية التي تمنح الأنثى مساحة كبيرة للتعبير عن كلّ ما في داخلها من غضب وحكمة ورغبة وحبّ، ولكن تبقى الأسئلة معلقة في فضاء الخرافة الرحب، ويجد المتلقّي نفسه أمام أحجية تضمّ رسائل متعدّدة، ولكن له أن يختار الأجوبة التي يراها منطقية وفقاً لخلفيته الثقافية والسياسية ومقدار انتمائه إلى الأرض المثقلة بالأساطير والثروات.
في هذا العمل، يفتح المخرج نجدت إسماعيل أنزور باباً جديداً في عالم الدراما وهو الذي يبرع دوماً في قراءة الزمن المقبل ذلك كونه يرتكز على التاريخ الذي لا ينفك يعيد نفسه ولو كلّ مئة سنة.
هنّ مجموعة من النساء لديهنّ أحلامهنّ وأسئلتهنّ في ركن بعيد عن التمدّن، لكنه لا يخلو من السحر، بين الخرافة التي تتناقلها الأجيال ويحفظها كبار السنّ، يجعلننا شعلة قناديل الامسيات الطويلة وحتمية البقاء.
في مواجهة الخطر القادم مع الغرباء الذين يحملون السلاح، تتشعب الخيوط الدرامية للعمل ويصبح البحث عن رمزية رسائله شبيه بالتنقيب عن الكنز المدفون في جوف الأرض التي بُنيت عليها القرية.
في كلّ حلقة من مسلسل «وحدن» حكاية لا تنتهي، لذلك يبقى الجواب معلّقاً بين التفاصيل التي تناقش مفهوم الوطنية بأساليب مختلفة، حيث لكل فرد رؤيته الخاصة. وتحضر الشكوك وشبح الخيانة والظلم والموت والاختفاء الغامض للرجال، تاركة نساء القرية لمصيرهن ولاختبار مقدرتهن على الصمود في مواجهة المجهول من جهة، والعدو من جهة ثانية، وفكرة الوحدة من جهة ثالثة، إذا هي مواجهة مفتوحة على كلّ الاحتمالات، وصراع لا ينتهي بانتظار الأجوبة ولو أتت بشكل افتراضيّ.