الحكومة: اللبننة أو التعريب والتدويل

بلال رفعت شرارة

كي لا نقع في المحظور، فإن السباق الحالي لا زال بين لبننة الاستحقاق اللبناني بتسريع تشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع جميع الأفرقاء والطوائف والجهات والفئات التي همّشتها حكومات سابقة بين دفتيها وبين طغيان ضغوط التعريب والتدويل التي تسعى لعزل أو إقصاء مشاركة أطراف لبنانية في الحكومة لكسب جولات في المعركة لـ «إخراج» عامل التدخل الإيراني من سورية إلى اليمن وطبعاً عبر المرور في لبنان.

بين تسريع تشكيل الحكومة وبين إبقاء الأمر لا معلَّق ولا مطلَّق ومواصلة تصريف الأعمال، يقف لبنان على حافة استعادة استقراره الناجز ودوره في نظام منطقته أو اعتباره واحداً من ساحات المواجهة بين الرياض وطهران.

الأطراف الداخلية كلها ترغب بتسريع تشكيل الحكومة ولا تجد حركة أمل مبرراً لأحد في محاولة دفعها بالمناكب لإقصائها من إدارة وزارة المال، ولا يجد حزب الله مبرراً وطنياً للاستجابة الى الضغوط «الملموسة» لإقصائه عن المشاركة في الحكومة وتعميم إدراجه سياسياً على القوائم السوداء لتحالف دولي إقليمي إسرائيلي يحاول رسم السياسات الشرق أوسطية وفق مصالحه. لأن مثل هذا الأمر لو تمّ فإنه سيتم على حساب الاستقرار السياسي للبنان وتعريض الحكومة للاهتزازات والتوترات وعملياً وضع لبنان ووجهه الى الحائط.

إذا لم تخضع ماذا سيحدث أكثر من حجم المديونية الهائلة الراهنة على لبنان الرسمي؟ على مستقبل أولادنا؟ وأحفادنا؟ ماذا سيحدث أكثر من تهديد لبنان بحرب، علماً أن نتائج تجربة حرب «إسرائيل» على بلدنا عام 2006 لا تزال ماثلة أمام أعيننا، وهي بدلاً من أن تضعف المقاومة أدّت نتائج عكسية إلى تأكيد الفشل الاستراتيجي الذي أصاب «إسرائيل» وأدّى إلى سقوط حكومة أولمرت.

لبنان بعد إنجازه استحقاق الانتخابات التشريعية يبدو أنه أميل إلى الاقتراب مسافة معقولة بين مكوّناته، وصولاً الى حدّ الاقتناع عن عزل أو إقصاء أي طرف وتجاهل التصنيفات السابقة بين اليمين واليسار.

هل من مصلحة أي لبناني الاستمرار في وضع العربة أمام الحصان ورهن مسألة التأليف على القبول بشروط التعريب والتدويل؟

الجواب بالتأكيد: لا.

-2-

للمرة الأولى منذ وقوع لبنان في دائرة الحرب الأهلية عام 1975 وضغوط الاجتياحات الإسرائيلية، نجد لبنان أمام فرصة للانتقال إلى المربع الذي دعا إليه الإمام السيد الصدر، وهو القبول باللبننة على قاعدة اعتبار لبنان وطناً نهائياً، والاعتراف بالآخر والمشاركة الكاملة في كل ما يصنع حياة المجتمع والدولة، وبالتالي الانتقال نهائياً من تحت دلفة استخدام الساحة اللبنانية ساحة للفراغ بدلاً من جعله ساحة للتفاهمات.

يمكن للبنان أن يكون ساحة أمامية أو خلفية لإعادة بناء علاقات الثقة العربية الإسلامية، ساحة للحوار انطلاقاً من قبول الجميع بتدوير الزوايا والجلوس وجهاً لوجه، كما فعل الرئيس بري في إدارته للحوار الوطني السابق، وصولاً الى رعايته جلسات الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله على عناوين وطنية وامتداد المباحثات إلى قضايا وعناوين تهم أو تمس المراجع العربية والإقليمية.

بإمكان لبنان هذا البلد الصغير في هذه القرية الكونية أن يعود فيكون ساحة تفاهم لبناء الحضارات والأيديولوجيات والسياسات بدلاً من ساحة للصراع بينها، وموقعاً لبناء حلول سياسته للمشكلات الدموية في عدد من الأقطار وفتح حوار حقيقي وجدي بين مكوّناتها.. ربما ينجح الأمر عبر حوار الاليزيه بين المكونات الليبية وغداً الحوار بين المكونات السورية في سوتشي أو جنيف، وربما الأفضل في القاهرة، والحوار بين المكوّنات العراقية في مجلس النواب.

نستحق في لبنان أن تجد الدول القابضة وسفاراتها عملاً لها خارج بلدنا. نحن تعبنا من عمليات «الفرز والضمّ» الإقليمية، وآن لحكومتنا أن تنجز مثل هذا الملف على مساحة الوطن بعد إقصاء اللجان الحالية التي هي بالواقع عنوان للعبة الطرابيش والتمليك والفساد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى