الخلفيات الاقتصادية للحرب على سورية…

حبيب دفوني

إذا كان سبب الحروب والصراعات هو الخلاف على حق أو طمع بثروة، أو خلاف على سلطة أو مبادئ ومفاهيم كما نزوة التفوّق والقوة.

تتداخل الدوافع والمسبّبات ويبقى الخلاف والطمع بالثروة هو الأكثر تجلياً خاصة في عصرنا هذا، فالإمساك بالثروة هو تثبيت للسلطة والنفوذ كما للمفاهيم والمبادئ.

وفي ما خصّ اللاعبين الأساسيين على ساحة الصراع…

ـ روسيا وقد قرأت الخريطة وتعلّمت الدرس جيداً، فسقوط الاتحاد السوفياتي حصل بسبب غياب موارد الطاقة العالمية عن سيطرته لتضخّ إلى البنى الصناعية المال والطاقة، وبالتالي البقاء، فتعلّمت أنّ لغة العصر القادمة هي لغة الغاز.

ـ أميركا بعد النكسة الاقتصادية التي أصابتها عام 2008، وطاولت أوروبا، أمست محكومة بالسيطرة والتحكم في شريان الطاقة العالمي تأميناً لاستمرار تفوّقها كدولة أولى في العالم.

ـ الصين: دولة تقدَّم اقتصادها لينافس اقتصاد أميركا وقد يتقدَّم عليه في السنوات المقبلة، وهو بالتالي محكوم بالتصادم مع أميركا والتماهي مع روسيا.

ـ «إسرائيل» كدولة مزروعة في هذا الشرق تشكل رأس حربة للمصالح الغربية، وبعد اهتزاز تفوّقها العسكري عام 2006 ومحاصرتها الديمغرافية فمدى عمرها الزمني مرتبط بأمرين:

1 ـ مدى تفوّقها العسكري المرتكز حالياً على شرذمة المنطقة وقيام الدول الإثنية .

2 ـ تفوّقها الاقتصادي المرتكز على مشاركتها الاستراتيجية بالقدرة الطاقوية للشرق.

ـ تركيا: دولة تفتقر إلى الطاقة وتسعى لتكون عقدة تجميع ونقل الطاقة من الشرق الى أوروبا تأميناً لرفاهيتها الاقتصادية ولفتح الباب أمام حلم تحقيقها الانضمام للاتحاد الأوروبي، وهي عضو منتهي الفعالية في حلف الأطلسي، كما حلمها العثماني التوسعي لا يغيب.

ـ إيران: تمتلك احتياطي طاقوي كبير ولها امتداد وتأثير في مساحة آسيوية وأوسطية كبيرة، قوّة عسكرية صاعدة محكومة بمصلحة الوصول الى البحر المتوسط عبر العراق وسورية.

ـ سورية: تمتلك احتياطي طاقوي ضخم نفط وغاز في البحر وفي البادية غير مستثمر بعد، موقع جغرافي استراتيجي كعقدة خطوط الإمداد للغاز الشرق أوسطي والإيراني براً وبحراً الى أوروبا موقع وسطي بين البحار الخمس المتوسط الأحمر قزوين الأسود الخليج عقبة بوجه «إسرائيل» عسكرياً سياسياً واقتصادياً.

إذا كان الاقتصاد هو عصب السياسة، فإنّ الطاقة هي عصب الاقتصاد، فلا يمكن فهم حقيقة الصراع الدائر حول الطاقة بصفة عامة والغاز الطبيعي بصفة خاصة إلاّ بفهم خريطة احتياطي الغاز وطرق إمداده، باعتبار الغاز هو الطاقة الصديقة للبيئة والأقلّ كلفة حسب تقرير وكالة الطاقة الدولية والذي أخذت به قمة الأرض في ريو دي جينيرو عام 1992 وقمة كيوتو اليابان 1996 حيث اعتبر أنّ:

ـ الطاقة النووية غير آمنة عقب حادث شرنوبيل روسيا وفوكوياما اليابان حيث أثرهما لم يتمّ تجاوزه بعد حتى اليوم.

ـ النفط يسبّب نسبة تلوّث عالية تهدّد الإنسان والبيئة تأثير الغازات المنبعثة على طبقة الأوزون كما أنه إلى نضوب خلال 50 80 عام.

من يراجع خريطة الاحتياطي الغازي في العالم يمكنه فهم طبيعة الصراع الدائر منذ سنوات في أماكن متفرّقة من العالم خاصة في الشرق الأوسط الذي يمثل بؤرة الصراع «Crash zone» والأكثر سخونة هي سورية.

يشكل احتياطي الغاز في منطقة الشرق الأوسط 122 ترليون متر مكعب كما يشكل احتياطي النفط 1.7 مليار برميل.

عام 1996 سارعت موسكو للعمل على خطين استراتيجيين:

ـ الأول التأسيس لقرن روسي صيني شنغهاي على أساس النمو الاقتصادي لكتلة شنغهاي وذلك لتعديل النظام العالمي القائم على الأحادية الأميركية.

ـ الثاني السيطرة على منابع الغاز وبناء عليه أسّست شركة غاز بروم وقامت بإبرام عقود استثمار وتوريد الغاز المُسال وبالاستثمار لاحقاً بانشاء خطي إمداد للغاز:

1 ـ السيل الشمالي: North stream يوصل الغاز من شمال روسيا إلى المانيا ومنها إلى صربيا وسويسرا عبر البحر دون المرور بـ بيلاروسيا التي حاولت من خلالها أميركا إجهاض مشروع مدّ الغاز الروسي بأراضيها وهنا أخفقت.

2 ـ السيل الجنوبي South stream عبر البحر الأسود الى بلغاريا ومنها الى رومانيا هنغاريا النمسا ثم إيطاليا عبر اليونان.

وبهذين الخطين تكون روسيا قد استحوذت على توريد 40 من حاجة أوروبا من الغاز.

وكذلك في مواجهة مشروع أميركي خط نابوكو «Nabucco» والهادف الى نقل الغاز من ضفاف قزوين تركمانستان اوزباكستان أذربيجان وصولاً إلى أرضروم في تركيا Eurzerum ليلتقي لاحقاً مع خط غاز من قطر عبر السعودية – الأردن – سورية تركيا لينضمّ اليه لاحقاً خط غاز من مصر يلتقي مع خط غاز من «إسرائيل» في الأردن فسورية ثم تركيا. على أمل أيضاً أن يضمّ الغاز الإيراني إليه لاحقاً لتصديره إلى أوروبا، وكانت أميركا أعلنت بأنّ العمل في هذا الخط ينتهي عام 2014.

وأسسّت أميركا لذلك تفاهمات مع كلّ من تركيا وقطر بحيث أعطت قطر دوراً أوسع في المنطقة، على حساب السعودية وذلك لدفع السعودية للارتماء المطلق في الحضن الأميركي، حيث أنّ الملك عبدالله قبل تعديل مبادرته في قمة بيروت 2002 التي أقرّت حق عودة اللاجئين، وتلكّأت السعودية في التجاوب مع أميركا بتخفيض أسعار الطاقة بغية إجهاض الاقتصاد الروسي المعتمد الأوّل عليها. وأسّست شركة «كافاك» القطرية لاستثمار الطاقة في السودان لصالح أميركا وأقامت قاعدة عسكرية كبيرة فيها في المقابل تعهّدت قطر بالمساهمة في تصفية القضية الفلسطينية وإقامة علاقات تجارية مع «إسرائيل» وإبرام عقود الاستثمار وتسويق الغاز القطري، كذلك قبلت تركيا بالمساهمة في تفتيت المنطقة وتحديداً سورية والعراق على أن تؤمّن خاصية اقتصادية من خلال حصولها على عقدة خطوط إمداد وتجميع الغاز وتوافق أميركا على نفوذ لها في كلّ من العراق وسورية احتلالها جزء من أراضيهما.

توالت تداعيات شرذمة المنطقة منذ إعلان اميركا عن «شرق أوسط جديد» و»الفوضى الخلاقة»، وذلك من أجل زعزعته والإطباق الكامل على ثرواته خاصة لحجم كمية الغاز المكتشفة في المتوسط كما لأهميته الجيوستراتيجية.

– عام 2003: اجتياج أميركا للعراق وضرب بنيته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ومحاولة فرض إرادة أميركية على سورية من خلال كولن باول ومشروعه.

-عام 2004: اغتيال ياسر عرفات تمهيداً لتصفية القضية الفلسطينية.

-عام 2005: اغتيال رفيق الحريري وما تلاه من تداعيات على لبنان وسورية.

-عام 2006: حرب «إسرائيل» على حزب الله ولبنان والتي لم تتمكن من تحقيق أهدافها في تطويع لبنان وضرب مقاومته.

-عام 2008: محاولة تطويق المقاومة في لبنان، وكان 7 أيار ثم مؤتمر الدوحة حيث كان دور قطر تخريج الهزيمة الإسرائيلية إلى تسوية تقاسم سلطة بين فريقي 8 و 14 آذار.

– عام 2008 ـ 2009: الحرب على غزة لتطويع حماس وجعلها متماهية مع تركيا وقطر ضمن المشروع الأميركي الإسرائيلي وهذا ما ظهر جلياً في دورها بالحرب على سورية لاحقاً.

– عام 2008 2010: قلاقل وفتن مذهبية في مصر والسودان أدّت الى زعزعة استقرار مصر وتقسيم السودان والإمساك بثروته الطاقوية من خلال شركة كافاك القطرية لصالح أميركا.

– عام 2010: كان البدء بسيناريو الربيع العربي لاستكمال مشهد زعزعة المنطقة حيث ظهر جلياً دور قطر وتركيا و»إسرائيل» حسب السيناريو الأميركي في فرط عقد المنطقة تمهيداً لتغيير خريطتها والسيطرة على ثرواتها.

في ليبيا سقط عقد الشراكة الذي أبرمته غاز بروم مع شركة «إيني» الإيطالية حول النفط والغاز الليبي.

في اليمن والتي ترسو على احتياطي نفطي يفوق السعودية تمّ إقصاء روسيا عنها وما الحرب الدائرة على اليمن إلا لما لديها من احتياطي نفطي كبير.

– عام 2011:

ـ قامت روسيا بعقد صفقة شراء وتسويق الغاز مع أذربيجان لنقله الى أوروبا من خلال وصله بخط السيل الجنوبي، وبشروط وأسعار عادلة مما اعتبره المراقبون ضربة قاسمة لخط نابوكو.

ـ قامت إيران بتوقيع اتفاقية لنقل الغاز عبر العراق الى سورية، حيث تصبح سورية بؤرة منطقة التجميع والإنتاج بالتظافر مع الاحتياطي اللبناني وهو فضاء جيوستراتيجي طاقوي يفتح لأول مرة جغرافياً من إيران الى العراق الى سورية فلبنان، وهو ما كان من الممنوعات وغير المسموح به لسنين طويلة الأمر الذي فسّر حجم الصراع على سورية ولبنان.

هنا، وعلى وقع هذه المعطيات بدأت الحرب على سورية بمسمّيات مختلفة واستمرت هذه الحرب وبكلّ الوسائل والأساليب لأنها لم تتمكن من تحقيق غاياتها وهي:

– تعطيل إرادة سورية بنقل الغاز الإيراني إليها.

– منعها من استثمارها لثرواتها وغازها بالطريقة التي تراها مؤمّنة لمصالحها.

– إزاحة روسيا عن مسرح استثمار الغاز في الشرق من غاز بروم الروسية لصالح نابوكو الأميركية.

– وضع اليد على سورية لكونها عقدة مواصلات الإمداد الطاقي.

– تعطيل التواصل الإيراني، العراقي، السوري، اللبناني ببعده الجغرافي الطاقوي والعسكري.

واستنفذت أميركا كلّ وسائل أدوات الصراع من التفتيت والتقسيم داعش الإستفتاء الكردي الى تغيير النظام السياسي في سورية ولكنها لم تنجح.

فخط نابوكو أمسى في أزمة كبيرة وأعلن تأخيره الى العام 2017 .

في هذه الأثناء حاولت روسيا عقد صفقة غاز مع نيجيريا فحرّكت أميركا صراعات داخلية طائفية وظهرت منظمة «بوكو حرام» المتطرفة إسلامياً مما أعاق قيام الصفقة كما كانت سابقاً حاولت الاستثمار في الغاز الجزائري إلا أنّ أميركا حرّكت القاعدة وهزّت أمن الجزائر للحؤول دون إتمام الصفقة الروسية الجزائرية.

المشهد الحالي هو:

إنّ حاجة أوروبا من الغاز ستتضاعف 5 مرات حتى عام 2030.

فروسيا التي تزوّد أوروبا بـ 40 من حاجتها عبر السيلين الشمالي والجنوبي وتعمل على حماية استثمارها وزيادته بضمّ غاز ايران وقزوين ومستقبلاً المتوسط إليها لسدّ حاجة أوروبا المتنامية عن طريق سورية وتركيا أو سورية والمتوسط.

أميركا التي تسعى لتطويق روسيا وتهديد خطوط إمدادها الطاقوية والإمساك بغاز قزوين ومحاولة جمعه مع غاز المتوسط وقطر ومصر وإيران تجد مقاومة روسية إيرانية سورية شرسة على الأرض السورية لمشروعها.

– الصين التي تريد المعبر الآمن للطاقة اليها كما لخط سير تجارة بضائعها الى العالم وتتماهى مصالحها مع روسيا، وهو التماهي الذي أنتج أكثر من فيتو مشترك في مجلس الأم بخصوص سورية.

– تركيا المتأرجحة بين تراجع دورها في أن تكون عقدة مواصلات طاقوية لخط نابوكو وبداية بروز مصالحها الجزئية مع إيران روسيا وسورية.

شكلت سورية العقبة أمام اكتمال المشروع الأميركي بأدواته القطرية، التركية، الإسرائيلية، السعودية وبعض الغرب.

من هنا كانت فكرة القضاء على هذه العقبة عبر إسقاط النظام السوري وكانت هذه الحرب الكونية على سورية، بتسميات مزيّفة وتمويهية وثورات وحقوق مدنية وما إلى هنالك من مسمّيات. وبات معروفاً أنّ هذا الكمّ من السلاح والتدريب والتخطيط لا يمكنه القيام به إلا أجهزة وأدوات عالمية عالية الخبرة والتدريب هنا ظهر الدعم الروسي للنظام السوري منذ البداية لا داعماً معنوياً لحليف تقليدي بل دعم كامل وصل الى المشاركة المباشرة في المعارك فالهدف هو إيقاف مدّ هذا المشروع فكان دفاع روسيا عن نفسها يمثل في الوقت نفسه دفاعاً عن سورية.

روسيا تدافع عن حقها الحيوي في الغاز عن مصالح غاز بروم الطاقوية وعن الأماكن التي تشكل عقدة مواصلات لخطوط الطاقة سورية .

اميركا تسعى للإمساك بمصادر الطاقة والإستئثار بها وبشراكة إسرائيلية تأميناً لاستمرار تربّعها على قمة العالم ولإعطاء مدى زمني جديد لعمر «إسرائيل».

سورية تدافع عن حقها في ثرواتها وطرق استثمارها واستغلالها عن خياراتها الاقتصادية والسياسية وعن وحدة أراضيها.

عميد الاقتصاد في الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى