وساطة «عُمانية» تمهّد لتفاهم سعودي – سوري

روزانا رمّال

صار أكيداً أن خيار بقاء الرئيس السوري بشار الأسد وفتح منافذ التواصل معه أصبح أمراً محسوماً عند السعوديين الذين لم يعودوا يرون في هذه العلاقة ما يتعارض مع مصلحة السعودية العليا التي تتعلّق بالحرب في اليمن استراتيجياً. وصار مؤكداً أن الخلاف مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية هو الخلاف الاول الذي لا يعلو عليه أي حساب إقليمي آخر نظراً لضيق الخيارات والجغرافيا التي تكشف الأمن الخليجي أمام تحديات كبرى في ظل توسّع النفوذ الإيراني في المنطقة. وعلى هذا الأساس لوحظ غياب سعودي تام عن المواقف التصعيدية التي كانت تحيط بالرسميين السعوديين والقيادات الأمنية التي تحاول رفع مستوى التعاون من أجل إغلاق ملفات عسكرية فتحتها مجموعات مدعومة سعودياً وآخرها جيش الإسلام وغيرها بعد معارك الغوطة الشرقية التي أتت على شكل رسالة كبرى حول استسلام هذه المجموعات لخيارات أحلاها مر. أولها نجاح الجيش السوري بإحكام قبضته على المداخل والمنافذ الاستراتيجية ميدانياً التي تحتمي بها تلك المجموعات وتشكل بالنسبة اليها نقطة ارتكاز في الانتشار الميداني. وثانيها سحب المملكة العربية السعودية دعمها لهذه المجموعات من دون ضخّ جرعات جديدة من العيار القوي الذي كان يكرّس في المعارك بأولها، وذلك بعد أن فشلت هذه القوى التي مثلت القوى الكبرى المناهضة للأسد والمدعومة من الرياض ومن ورائها واشنطن وحلفائها من مواجهة تقدّم الجيش السوري وبسبب انخفاض مؤشر المخاطر المباشرة التي يشكّلها الملف السوري بعد اندلاع حرب تشارك فيها قوات التحالف السعودي في اليمن مع تطوّرها بشكل دراماتيكي، حتى وصلت صواريخ الحوثيين الى الرياض. وعلى هذا سقط الملف السوري بآخر مراحل الكباش الدولي فيه بعد تقدّم واسع لسورية بوجود العامل الروسي الحاسم والحاكم في آن بعد أن صار المشهد الإقليمي مرتبط بهذا التمركز الطويل المدى الذي لا يمكن تجاوزه خليجياً في دمشق.

وعلى هذا الأساس تكتسب زيارة الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية الى روسيا ولقاؤه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الجمعة أهمية كبرى لجهة انفراجات بالجملة في هذا الملف، خصوصاً بعد توقيع ما سُمّي «إعلان الشراكة الاستراتيجية بين البلدين». فبالحد الأدنى رفع الملف لمبدأ الشراكة يعني حرصاً متبادلاً على مصالح الطرفين، ومن ضمنها سورية التي تمثل المصلحة الحيوية والأمن الاستراتيجي لها ولتحضر بهذا الإطار العلاقة الوثيقة بين ولي عهد المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي بن زايد التي تشترك هي الأخرى بمفهوم الشراكة المصيرية. وعن هذا التطور كشفت معلومات دبلوماسية رفيعة لـ «البناء» عن وساطة «عُمانية» متقدّمة تتضمّن مفاوضات حثيثة غير مباشرة بين الجانب السعودي والجانب السوري لبلوغ تفاهم يعترف بالحقائق «الجديدة» ويمهّد لتسوية كبرى بين البلدين. وأضافت المعلومات «كان من ضمن تحسين شروط التفاوض تسريع الحرب على «الحديدة» في اليمن لتحسين التفاوض هناك، لكن التصعيد السعودي لم ينجح في ذلك فتراجعت آفاق تحسين هذه الشروط لترتفع حظوظ التقارب حول سورية. وكان المبعوث الأممي وبعد تأخير شهر بانتظار حسم سعودي بالحديدة عاد مجدداً من دون أن يُستفاد من تلك المهلة المعطاة لحسم سعودي. وعلى هذا الأساس تتقدّم مساعي الوساطة بشكل بدأت ترجمته بإرسال رسائل سعودية مخففة حول تعاون الأسد بشأن الجنوب السوري بوجه الإيرانيين ما يفسّر هذا الخيار قبل أن يحصل وهو ترجمة لرغبة سعودية كبيرة في التقدّم في هذا المسعى تحضيراً لأرضية متوقعة لمفاوضات مباشرة بين مسؤولي البلدين».

ربما يفسّر الإصرار الروسي على فتح ملف الجنوب السوري بهذا التركيز وقوع المنطقة ضمن تطوّرين سياسي وعسكري واضحي المعالم يساعد في هذا قناعة سعودية بتحديد سلم أولوياتها في الصراع الدائر منذ 8 سنوات بانتفاء الحقائق والإنجازات التي يمكن الرهان عليها لقلب النظام في سورية ليحصر الخلاف اليوم بطهران التي تتعرّض لشتى أنواع الضغوط بقرار أميركي سعودي يحجّم دورها ويضغط عليها وعلى حلفائها أولاً بالملف النووي الإيراني والانسحاب الأميركي منه، وثانياً بالمزيد من العقوبات على حزب الله والتضييق عليه حكومياً ليصبح الملف السوري واحداً من الملفات القادرة على إيجاد إرادة تعاون في الملف اليمني إذا ما تمّ النجاح في التوصّل إلى مسودة دستور واضحة ومخرج أخير للأزمة التي لم تعُد تضاهي بالنسبة للمملكة مخاطر تعرّض أبرز مدنها للخطر، كما أن الأميركيين يسعون لتحسين واقع الحكم السعودي وتعزيز موقع محمد بن سلمان. وهو وزير الدفاع الذي يحمل كامل مسؤولية أي فشل في صدّ هجمات الحوثيين الصاروخية على البلاد.

تبدّلت الأولويات السعودية بتراجع القدرة على تحقيق المرجو منذ بداية الحرب السورية. وصار التعاطي مع بقاء الأسد أكثر وضوحاً في منابر سعودية إعلامية تخفف من وطأة تعاونه مع إيران، في محاولة للاستفادة من مقترح عودة الجيش السوري للجنوب على أساس خلافي مع إيران يصبّ في مصلحة الرياض صورياً ما يخفّف من مفاجأة الانعطافة السعودية المتوقّعة في الملف السوري عند الرأي العام العربي والدولي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى