همزة وصل «أليسو».. معجزة القرابة بين الماء والنار

نظام مارديني

في بداية هذا القرن تأكدت معجزة القرابة العضوية بين الماء والنار، فالحرائق الإقليمية والدولية المشتعلة لن تندلع اليوم على تخوم حدائق النفط فقط، بل ستمضي مندفعة على امتداد شرايين المدنيات الأولى.

ففي أجواء الصراعات على الوجود، أصبحت الأنهار والبحيرات أخطر خزان استراتيجي لإنتاج القلق، والحذر وربما لإطلاق الحروب.

ما يزيد مثل هذا الاحتمال طبيعة التكتلات والأحلاف التي ترسم مصالحها على قياس طموحاتها الإمبراطورية، ملوّحة بالحروب الطامحة للاستيلاء على أكبر قدر من مصادر الثروة والماء أهمها.

في آسيا الغربية، وتحديداً على تخوم الهلال السوري الخصيب، تصبح اللوحة أكثر وضوحاً. فالطورانيون الأتراك يضعون أيديهم على عنق الفرات وناصية دجلة، ويشدّون الخناق شيئاً فشيئاً على العراق وسورية، بينما «الإسرائيليون» في الجنوب ينقضّون بأنيابهم الاستراتيجية على نهر الأردن، وعلى الليطاني وطبريا، وأخيراً ها هم يقفزون باتجاه نهر اليرموك.

سدود في شمال المشرق العربي لقطع نسغ الحياة عن بغداد والجزيرة السورية. وأخرى في الجنوب لمصادرة ثروة لبنان وسورية بغية إرواء عطش ملايين المستوطنين اليهود الذين جاؤوا من مختلف الجحور اللاهوتية من شرق هذا العالم وغربه بحجة جنة يهوه الموعودة.

في الشمال والجنوب لم تعد الصراعات على تسوية حدود جغرافية هنا وهناك، وليست فقط على طريق تجاري أو ممر إجباري ولا على ثروة استراتيجية.

عندما تدخل المياه في استراتيجية الحرب، يصبح أكيداًً أن هذا الصراع ليس بدوافع الشعارات والسياسات، بل بدوافع إلغاء وجود لمصلحة وجود آخر. ويدرك هؤلاء حقيقة العلاقة بين الأرض والإنسان، فعندما تموت الأرض عطشاً يذوي الإنسان عيشاً وحضارة وقوة ويفقد مبررات إيجابية الفعل والانفعال في بيئته وتموت الحضارة، إذ لا حضارة من دون تفاعل بين الإنسان والبيئة.

وعندما يحتضر التفاعل بسبب جذب الأرض، أو جذب الإنسان، لا يبقى وطن.

الطورانيون و«الإسرائيليون» يديرون اليوم المراحل الجديدة من حرب المستقبل، ولا ريب في أنّها مرحلة ستضجّ بالمزيد من شعارات السلام والحرية والديمقراطية والعدالة الدولية، خصوصاً أن عدوّي العرب، تركيا و«إسرائيل» هما اليوم أكثر الجهات التي تتذرّع بالإنسانية للقضاء على الإنسان.

وبعد ذلك، ما هي استراتيجية أهم وأكبر دولتين في الهلال السوري الخصيب لمواجهة التهديد التركي القديم ـ الجديد، ولماذا استطاع أجدادنا السومريون والآشوريون والكلدانيون والآراميون حفظ مياهنا قبل أكثر من أربعة آلاف سنة قبل الميلاد؟ ولماذا استطاع أجدادنا منذ بدء الحضارة السومرية وحتى فترة حكم تدمر، اختراع الري وإنشاء السدود، وحفر القنوات وبناء الجداول لري الأراضي؟

الآن، مع بدء ملء سد «أليسو» التركي المقام على ضفاف نهر دجلة عادت قضية تأثيره على العراق إلى الواجهة وبقوة، لا سيما مع التحذيرات المتجدّدة للخبراء العراقيين من خطورته، حيث من المتوقع أن يؤثر سلباً على حجم الأراضي الزراعية.

نداءات الاستغاثة الرسمية العراقية جاءت متأخرة وبعد تقدير أخطار بناء السد والخسائر الناتجة عنه، التي أكدت تقارير دولية أنها تزيد على 10 مليارات دولار، ورجّحت نقص حصة العراق من مياه دجلة من 20.93 مليار متر مكعب سنوياً لتصل لنحو 9.7 مليار متر مكعب، بعد بدء تشغيل السد.

فهل هي صدفة أن يتزامن ملء السد بعد دحر «داعش» بهدف إلهاء الدولة العراقية بمسألة خطيرة كقطع نسغ الحياة عن الأراضي الزراعية؟

ما العمل يا حكام العراق؟

خلجة

ما أبلغ من قول الماغوط «العنق الأعزل لا يستطيع الانتصار علي سكاكين الجلادين»!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى