سورية بوّابة العالم الجديد

محمد صادق الحسيني

ـ منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، تحاول أميركا إعادة تركيب النظام العالمي على نحو تحفظ فيه هيمنتها على العالم وتطيل عمر امبراطوريتها، على رغم إصابتها بالشيخوخة الباكرة على يد أبناء ديرتنا.

ـ وفي هذا السياق، لجأت في العقد الماضي إلى السيطرة مباشرةً على منابع النفط والغاز في العالم العربي، وسعت إلى إنهاء الأزمات فيه عملية السلام ، وأعادت تركيب أوروبا الشرقية بما يضمن وصول الأطلسي إلى بوابات موسكو!

ـ مع إطلالة الألفية الجديدة، بدا أنّ محاولاتها لم تؤتِ أكلَها. قوى كثيرة ظهرت على الساحة الدولية تريد أن تحجز لنفسها دوراً: الصين، الهند، البرازيل، روسيا، فنزويلا، إيران…

ـ زاد الطين بلّة سقوط الأنظمة الحليفة في أميركا اللاتينية الحديقة الخلفية لأميركا وارتفاع أسعار النفط والارتدادات السلبية للعولمة العودة الى السياسات الحمائية .

ـ كانت أحداث 11 أيلول، ومعها المحاولة الجديدة لتعزيز الهيمنة، عبر إطاحة الأنظمة «المارقة» في المنطقة، سورية وإيران والعراق، ومحاولة نقل أنظمتها من ضفة إلى أخرى، وغربنة سائر الدول الحليفة في المنطقة أكثر فأكثر.

ـ أطيح صدام عام 2003، ومعه بدأت المعركة الكونية التي لا نزال نشهد فصولها، أدواتها العسكر والمنظمات غير الحكومية والحروب الناعمة والضغوط الاقتصادية.

ـ خسرت واشنطن حروبها الخاصة كلّها بإعادة إحياء الامبراطورية الأميركية وإنقاذها من شيخوختها الباكرة في زمن بوش الابن.

ـ جاء أوباما بأسلوب جديد، غزل لإيران باعتبارها نظاماً إقليمياً «جدّياً» غير انتحاريّ، ويفكر على نحو براغماتي أو عملاني، مثلما يصفها ساكن البيت الأبيض، و«ثورات عربية» اجتاحت المنطقة، بينما وقفت على أبواب سورية وتحديداً عند عرين الأسد جاثية على ركبتيها.

ـ اتّضح سريعاً لكلّ من يعنيه الأمر في العالم أن ما يحصل ليس انتفاضات شعوب إنما استعادة لأهداف بوش بالإمساك بالمنطقة ولكن بأساليب جديدة.

ـ سرعان ما تحوّلت سورية إلى ميدان اختبار تسعى فيه القوى العالمية الجديدة إلى تكريس موقع على الساحة الدولية، انطلاقاً من سقف كانت دمشق تحدّده باستمرار، تتقدّمها روسيا.

ـ هذه القوى التي أدركت عجز أميركا عن خوض معارك كبرى، ونزعتها إلى الانكفاء التي تجعلها تسرع الخطوة لترتيب أوضاعها في بؤر التوتر في العالم، خصوصاً مع الاكتشافات النفطية في الداخل الأميركي التي غيّرت أولويات واشنطن. ومع انتقال الاهتمام إلى الشرق الأقصى حيث الحرب اقتصادية لا عسكرية، كانت خطواتها الثلاث:

1 ـ الانكفاء وإعادة تموضع القوات والصعود إلى السفن بعد خسارة ثلاث معارك أساسية معنا في البرّ عام 2000، والجوّ عام 2006، والبحر عام 2013، يوم أُكره أوباما بعد فشله الذريع في اختراق عرين الأسد وضرب بواباته أن يتجرّع كأس السم الأخطر في حياته ليلة الثالث من أيلول الفائت.

2 ـ الشروع في حروب الفتن المتنقلة بالوكالة من خلال تحويل سورية إلى منطقة نفايات «القاعدة» وأرض تجارب للصراع مع القوى الدولية والإقليمية المزاحمة والمنافسة.

3 ـ تقليص وحدات الجيش الأميركي إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية لعدم الحاجة إليه في مناطق انتشار النفوذ. وتحوّل الدول التابعة إلى مشغّلين وخدم وأُجَراء للسياسات الأميركية، يدفعون هم الثمن لأسيادهم كي يستعبدوهم.

ـ ظلّت سورية عقدة شدّ الحبال، تُشَنّ عليها حروب بالوكالة بين الدول الكبرى، أميركا وروسيا من جهة، وصراع بين مشروعين أحدهما يجعل «إسرائيل» العدو والآخر يضع إيران العدو. حرب لو انتصرت فيها أميركا لظهرت بمثابة الزعيم العالمي الأوحد، وذاك ما لم ولن يحصل. فلو هُزمت لكرّست روسيا وإيران نفسيهما قوتين موازيتين لهما مناطق نفوذهما، وحق النقض على مستوى العالم، وبداية ظهور تعدّدية قطبية بعد حرب عالمية باردة جديدة بين موسكو وواشنطن لن يكون المنتصر فيها إلاّ مَنْ تحالف مع المشهد الدمشقي المشهور، الذي أطلّ يوماً من قصر الشعب السوري ولسان حاله يقول: «الشام خطّنا الأحمر ومعراجنا إلى السماء».

ـ ما حصل في أوكرانيا خير دليل:

1 ـ الاقتراب من قلب القيصر الطامح بالرصاص الحيّ.

2 ـ الاحتواء المزدوج لكل من روسيا وأوروبا.

3 ـ استخدام أوكرانيا ورقة للمقايضة مع سورية.

… وهكذا أضحت سورية هي الولادة التي من مخاضها سيتبلور نظام عالميّ جديد، مطبوعٌ بعبق ياسمين الشام!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى