«بي بي سي»: بدأت برسوم ساخرة… كيف تطوّرت حرب الإنترنت بين الرياض والدوحة؟
قال أوين بينيللي في مقال له على موقع شبكة «بي بي سي» الإخبارية إن الأزمة المشتعلة منذ سنة بين دولة قطر الصغيرة والغنية وجارتيها السعودية والإمارات قد انتقلت إلى ساحة جديدة تُستخدم فيها أدوات غير تقليدية الإنترنت. وذلك عبر توظيف جيش من البوتات، ونشر الأخبار الكاذبة، والقرصنة.
وأوضح بينيللي أنه في منتصف أيار من عام 2017، ظهر خبر على موقع وكالة الأنباء القطرية الرسمية يفيد بأن أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني قد أدلى بخطاب صادم. ثم انتشرت التصريحات المفبركة على حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالوكالة وعلى شريط الأخبار على الشاشة، فضلاً عن مقاطع الفيديو التي تم تحميلها على قناة «يوتيوب» التابعة للوكالة.
نُقل عن الأمير إشادته بالجماعات الإسلامية حماس وحزب الله والإخوان المسلمين. بل وأيضاً الثناء على إيران، عدو السعودية اللدود.
لكن الخبر لم يدم طويلاً على موقع وكالة الأنباء القطرية ـ يشير بينيللي ـ وأصدرت قطر بياناً نفت فيه مضمون الخطاب. ولم تظهر أي لقطات فيديو للأمير وهو يقول الكلمات التي يفترض أنها نسبت إليه.
ادعت قطر أن الوكالة قد تعرّضت للقرصنة. وجرى نشر أخبار مزّيفة عن زعيم البلاد وسياساتها الخارجية. واتّجهت أصابع الاتهام القطرية إلى الإمارات، وهو ما أكدته لاحقاً صحيفة واشنطن بوست نقلاً عن مصادر مخابرات أميركية. لكن الإمارات نفت بشكل قاطع تلك التقارير.
أشعلت قصة خطاب الأمير الزائفة حملة إعلامية شرسة على قطر ـ يؤكد بينيللي ـ ففي غضون دقائق، نشرت شبكات التلفزيون السعودية والإمارات ـ «العربية» و«سكاي نيوز العربية» التعليقات المنسوبة إلى آل ثاني. واتهمت القناتان قطر بتمويل الجماعات المتطرفة وزعزعة استقرار المنطقة.
لكن قطر لم تقف مكتوفة الأيدي ـ يستدرك بينيللي ـ إذ يُزعم أن اختراق البريد الإلكتروني ليوسف العتيبة، سفير الإمارات في الولايات المتحدة، تقف وراءه قطر. مما أدى إلى مقالات طويلة عن حياته الخاصة في وسائل الإعلام الدولية.
التداعيات
في حزيران 2017، قطعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر وحلفاؤهم العلاقات مع قطر. فقاموا بطرد المواطنين القطريين، وأوقفوا العلاقات الدبلوماسية، وأغلقوا الحدود البرية الوحيدة أمام قطر، فضلاً عن مجالهم الجوي وأوقفوا كل أشكال التبادل التجاري.
وفوق كل هذا، أصدرت «الرباعية لمكافحة الإرهاب» ـ حسب وصف بينيللي ـ بياناً يحتوي على 13 طلباً تعجيزياً على قطر الانصياع لها خلال 10 أيام. شملت الطلبات إغلاق قناة الجزيرة ووقف التعاون مع إيران. انحازت أميريكا إلى دول الحصار إذ رحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعد أول زيارة رئاسية له في الخارج إلى السعودية، بالخطوة في سلسلة من التغريدات في اليوم التالي. وقال إنها دليل على نجاح سياساته في مكافحة الإرهاب. وقد أشعلت تعليقاته حرب الوسوم على موقع «تويتر».
معركة البوت
دشّن القطريون وسوم «تميم المجد» و«قطر ليست وحدها» على «تويتر» ـ يضيف بينيللي ـ وتصدّرا قائمة أكثر الوسوم تداولاً في المنطقة، مما يفترض أنه يعكس المشاعر الشعبية لدى مستخدمي وسائل الإعلام الاجتماعية في المنطقة. ولكن اتهم الجانب السعودي والإماراتي الشيخ تميم بأنه «قذافي الخليج»، في إشارة إلى الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي الذي اعتاد تمجيد نفسه.
بيد أن تحقيقاً أعدته «بي بي سي» العربية كشف أن غالبية التغريدات التي تستخدم هذه الوسوم تتبع حسابات مزيّفة تعرف باسم «البوتات»، وهي حسابات روبوتية تحاول استغلال الرأي العام عن طريق تعزيز شعبية منشورات بعينها على وسائل التواصل الاجتماعي. وكان بن نيمو، وهو زميل بارز في المجلس الأطلسي، قد بحث في مصادر أكثر الوسوم شعبية على «تويتر».
تستخدم البوتات أساليب مختلفة لجعل وسم ما ذا شعبية ـ يشدّد بينيللي ـ مثل البحث عن «طفرات» مفاجئة في عدد المشاركات في وسم ما، مما يشير إلى النشر التلقائي.
يقول نيمو: «قام حساب باسم «sabaqksa» بنشر 201 تعليقاً في غضون بضع ثوان على وسم تميم المجد، وهذا ليس نمطاً طبيعياً من السلوك». أغلق «تويتر» الحساب ولم تتمكن «بي بي سي» من الاتصال بمالكه للحصول على تعليق. كما نشر مائة حساب حوالي 1410 تغريدة على نفس الوسم في مدّة خمس ساعات. ويقول نيمو إنه «من غير المنطقي تماماً أن تقوم حسابات يديرها بشر بنشر ذلك بشكل متكرر. وعندما يعمل عدد من حسابات «bot» معاً على هذا النحو، يطلق عليها اسم شبكة البوتات».
وأوضح نيمو أن الجانب السعودي يوظف بوتات في الجانب المناهض لدولة قطر أيضاً، بنشر تويتات هجومية بما في ذلك صور لأمير قطر وكأنه كلب ينبح أو أنه مصاب بالحول.
ويكشف بينيللي أن معظم البوتات المعادية لقطر نشرها في الأصل حساب واحد هو « saudq1987». وقد ظهر أن الحساب يعود إلى سعود القحطاني، وهو عضو بارز في الديوان الملكي السعودي ومستشار الأمير محمد بن سلمان. مع أكثر من مليون متابع على «تويتر».
وكان هذا الحساب هو الذي أطلق أكثر خمس تغريدات تداولاً على وسم «قذافي الخليج». وقد حملت التغريدات اتهامات لقطر بقتل المدنيين في ليبيا وتمويل الإرهاب. ولم تتمكن البي بي سي من الحصول على تعليق من سعود القحطاني.
أخبار كاذبة في كل مكان
يرى بينيللي أنه من غير المرجّح أن تنتهي «مقاطعة» أو «حصار» قطر اعتماداً على الجانب الذي تتحدث معه قريباً، على الرغم من الجهود الأمريكية الأخيرة في الوساطة. إذ لا تزال الوسوم الخاصة بالصراع في قائمة الأكثر تداولاً، واستمرت حرب القرصنة في عام 2018. وما زالت قنوات التلفزيون الفضائية في المنطقة تتبادل الاتهامات.
عرض كل طرف صوراً مختلفة جداً لتأثير الأزمة على الحياة في قطر ـ يواصل بينيللي حديثه ـ فبينما زعمت قناة «العربية» المملوكة للسعودية أن محلات السوبر ماركت خاوية على عروشها، جاءت تقارير قناة الجزيرة، التي تمولها الدوحة، لتظهر الناس في الشوارع يعيشون حياتهم بشكل طبيعي.
وبحسب دينا مطر، المحاضرة البارزة في الإعلام العربي والتواصل السياسي في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن: «ميدان المعركة ليس سياسياً فقط، بل إعلامياً أيضاً. لدينا مشكلة كبيرة في العالم العربي مثلكم في الغرب. الكذب في كل مكان». وأضافت «يدرك القادة العرب تماماً أن الإعلام سلاح مهم. فهو سلاح للدعاية وسلاح للمصالح الخاصة والعامة».
في الأيام الأخيرة ـ يختتم بينيللي بالقول ـ انتشر وسم «ذكرى ليلة الفبركات» في قطر، إحياءً للذكرى السنوية الأولى للقرصنة المزعومة لوكالة الأنباء القطرية. وبعد 12 شهراً من هذا الحادث، لا يوجد ما يشير إلى أن الأزمة في طريقها إلى الحل.