بهذا السيناريو قد يخسر أردوغان الانتخابات المرتقبة

صبري هلال

يستعرض الكاتب والباحث السياسي باري ستوكر في مقاله لموقع «Notes On Liberty» موقف الانتخابات التركية المقبلة، والتي يتناولها في سلسلة من المقالات. تناول الكاتب سابقاً انتخابات الجمعية الوطنية البرلمان التركي والمزمع عقدها في 24 حزيران الجاري، والتي تمثل الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، والمنعقدة في اليوم ذاته، ليتم تصفية المرشحين إلى مرشحين اثنين يتم الاختيار بينهما في 8 تموز المقبل، في حال عدم حصول أي مرشح على نسبة تتجاوز 50 من الأصوات في الجولة الأولى.

بالطبع، يعد المرشح الأقوى في الانتخابات الرئاسية، والشخصية السياسية الأبرز على الساحة السياسية التركية على مدار الـ15 عاماً الأخيرة، هو الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، والذي من المتوقع فوزه بسهولة فيها، تماماً كما حدث في انتخابات 2014 لدى انتخابه رئيساً للمرة الأولى، في وقت كانت فيه صلاحيات الرئيس أقل بكثير من الوقت الحالي.

تقدم المعارضة

بحسب المقال، اتفق حزبا المعارضة الأكبر في تركيا، وهما حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية، على مرشح مشترك لم يكن معروفاً بقوة للرأي العام قبل الحملة الانتخابية. يقول الكاتب إن الحملة الانتخابية في حقيقة الأمر كانت بمثابة استسلام لأردوغان، والذي تجاوز الحدود الدستورية لمنصب الرئيس ودفع الدولة باتجاه النظام الرئاسي الجمهوري دون مراعاة التوازنات اللازمة والمعروفة في الجمهوريات الرئاسية الأخرى، على الأقل في الديمقراطيات الأكثر قِدماً.

الحملة الانتخابية للمعارضة كانت مفاجأة غير سارة لأردوغان، والذي تمكن من كسب دعم حزب الحركة القومية، إلا أن تكلفة ذلك ـ بحسب المقال ـ هي أنه ربط نفسه بحزب متراجع، في محاولة لتعويض ضعف دعم حزبه حزب العدالة والتنمية مقارنة بالأيام التي حصد فيها الحزب 50 في المئة من أصوات الناخبين. يضيف الكاتب أن المعارضة الآن وجدت مساحة لم تجدها منذ عام 2002، والذي شهد بداية سيطرة أردوغان وحزب العدالة والتنمية.

لهذا السبب، من المتوقّع أن تكون الجولة الأولى من الانتخابات أكثر سخونة ومنافسة، لتحديد منافس أردوغان في الجولة الثانية، وهو ما يزيد من قوة المعارضة، والتي يمثل مرشحوها قطاعات متعددة من المجتمع التركي من الرافضين لسياسات النظام الحالي، والدليل على ذلك أنه يبدو من شبه المستحيل الآن أن يفوز أردوغان بالانتخابات من الجولة الأولى في حال عدم التلاعب بأية نتائج، بحسب المقال.

ظن البعض سابقاً أن المعارضة ستفشل تماماً حينما يتعلق الأمر بالانتخابات الرئاسية بعدما رفض عبد الله جول، والذي شغل منصب الرئاسة قبل أردوغان، الترشح من جديد عن حزب معارض صغير، ذي اتجاه ديني محافظ، يحمل اسم حزب السعادة، وكانت الفكرة بالنسبة له هي رغبته في أن يتفق حزبا المعارضة الرئيسيين على دعمه باعتباره مرشحاً مشتركاً لهما، وهو ما يبدو أنه لم يحدث، إذ رفض جول لاحقاً خوض السباق الرئاسي.

كان جول من بين مؤسسي حزب العدالة والتنمية، إلا أنه لم يكن جزءاً من الحزب منذ تركه لمقعد الرئاسة في 2014، إذ كان شرطاً لمنصب الرئيس قبل ذلك الاستقالة من أي حزب سياسي. وقد وجه جول من قبل نقداً غير مباشر لحزب العدالة والتنمية في عهد أردوغان، إلا أن طبيعته بوصفه سياسيّاً هي تجنّب المواجهات، كما لا يرغب أيضاً في أن يعارض أردوغان بشكل مباشر، ما جعل نقده غير المباشر مفاجئاً للبعض.

يعتقد البعض أن جول كان الفرصة الوحيدة أمام المعارضة للفوز بانتخابات الرئاسة، إلا أن الكاتب يختلف مع ذلك الرأي، إذ يرى أن دعم سياسي ينتمي لحزب العدالة والتنمية يؤسس بشكل ما لاستعمار وسيطرة الحزب على الدولة والمجتمع المدني، خاصة وسائل الإعلام، خاصة مع هدوء شخصية جول، والذي يتناقض تماماً مع أردوغان.

من ينافس أردوغان؟

وتنوي كل أحزاب المعارضة الأربعة الكبرى المنافسة بمرشح رئاسي ضمن الانتخابات الوطنية، على الرغم من أن ثلاثة من هذه الأحزاب قدمت قائمة مشتركة لانتخابات الجمعية الوطنية. اثنين من بين المرشحين لديهما فرصة حقيقية للفوز، وهما ميرال أكشنر ومحرم إينجه. تشغل أكشنر منصب رئاسة ثانية الأحزاب المعارضة، حزب الخير، والمنشق عن حزب الحركة القومية، إلا أن الحزب نجح في أن يصبح أكبر الأحزاب القومية.

وعلى الرغم من الاتجاه القومي الواضح لأكشنر، تمزج الرؤية السياسية لها بين جمهورية أتاتورك، مع نزعة من الحنين إلى الإمبراطورية العثمانية وما قبلها، ما يجعل الحزب نسخة أكثر اعتدالاً من حزب الحركة القومية. على الجانب الآخر، يمكن تصنيف إينجه باعتباره سياسيّاً واجتماعيّاً ينتمي ليسار الوسط، حاول سابقاً تقديم نفسه باعتباره زعيماً لحزب الشعب الجمهوري بدلاً من كمال كيليتشدار أوغلو، والذي لا يمثل شخصية ذات شعبية كبيرة، وغالباً ما عارضه حتى مؤيدو الحزب أنفسهم.

ومع ذلك، تمكن كيليتشدار أوغلو من الحفاظ على حزب الشعب الجمهوري واتخاذ الموقف المناسب أثناء محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز 2016، في الوقت الذي ازدادت فيه سيطرة أردوغان على الحياة السياسية التركية. في الصيف الماضي، قاد كيليتشدار أوغلو مسيرة من أجل العدالة من أنقرة إلى إسطنبول، والتي ساهمت في تغيير صورته ليكتسب المزيد من الشعبية، بعد تلك المسيرة التي استمرت لأيام تحت أشعة الشمس التركية الحارة على الرغم من كونه في آخر الستينيات من عمره، وعلى الرغم من وجود مخاوف من أن تواجه الدولة تلك المسيرة بالعنف.

رُفِض كيليتشدار أوغلو أيضاً باعتباره شخصية غير مناسبة للترشّح في ذات الوقت الذي رفض فيه جول خوض السباق الرئاسي، ما دفعه لاتخاذ قرار بعدم خوض الانتخابات، وهو ما أظهره في صورة جيدة، خاصة بعدما سمح لمنافسه محرم إينجه خوض أهم سباق انتخابي في البلاد. حتى الآن، خاض إينجه حملة انتخابية قوية، فيما يبدو أنها تحقق أداء أعلى من المتوقع.

المشهد العام للانتخابات

يقول الكاتب إنه ظن بداية أن ميرال أكشنر هي أقوى مرشحي المعارضة، وهي بالفعل تبلي بلاءً حسناً حتى الآن، إلا أن إينجه أثبت وجوده أيضاً، وهناك منافسة قوية بينهما حول المرشّح الذي سيخوض الجولة الثانية أمام أردوغان. تشير آخر استطلاعات الرأي أن أردوغان يمكنه التغلب على كليهما، ولكن بفارق ضئيل، ما يعني أنه إذا ما تمكنت حملات إينجه وأكشنر من العمل بقوة، فهناك احتمالية للفوز في النهاية، خاصة إذا ما توحدت المعارضة من أجل التغيير.

يختتم الكاتب المقال بالقول بأن السياق العام للساحة السياسية والشعبية التركية الآن يشير إلى أن المعارضة أقرب للفوز في انتخابات الجمعية الوطنية، ولكن ليس في انتخابات الرئاسة. ومع ذلك، فأداء المعارضة في الانتخابات الرئاسية يفوق التوقعات، وأن سيطرة أردوغان من الممكن أن تنهار في الجولة الثانية في حال خسارة تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية في انتخابات الجمعية الوطنية، والتي يحتلان فيها حالياً ثلثي المقاعد.

يمثل إينجه الجانب اليساري القومي في حزب الشعب الجمهوري، وهو مزيج ليس بالجديد في تركيا، على الرغم من أن اليساريين القوميين يفضلون أن يقدموا أنفسهم باعتبارهم أتراكاً وطنيين بدلاً من مسمى قوميين. يقول الكاتب إنه ظن في البداية أن ذلك الخطاب لن يكون في صالح إينجه، إذ سيقوده لخسارة أصوات الأكراد والوسطيين، إلا أنه نجح في الوصول لهذه القطاعات من المجتمع التركي. «ساسة بوست»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى