هل تعززت مفاعيل الصفقة الرئاسية عون ــ الحريري مجدداً؟
روزانا رمّال
توسّم كثيرون «خيراً» من استقالة مدير مكتب رئيس الوزراء سعد الحريري السيد نادر الحريري لكثرة ما نجح الأخير بالتأثير على مواقف ورؤى الرئيس الحريري السياسية، خصوصاً تلك المتعلقة بالتحالفات المحلية وشكل إدارة الدولة والعلاقة مع مختلف الأطراف اللبنانية من ضمنها حزب الله والتيار الوطني الحر. وقد نجح نادر الحريري بلعب دور أرخى الكثير من أجواء تنفيس الاحتقان، بل أكثر من ذلك بدور فعّال ساهم بتقريب وجهات النظر قدر الممكن. هذا وقد سادت علاقة من التعاون والتنسيق الكبيرين بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر لعلاقة متينة جمعت رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بنادر الحريري، ومعها الرئيس سعد الحريري بطبيعة الحال. وهذا ما شكّل قلقاً كبيراً عند قوى عدة منذ اللحظة الأولى لوصول رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى قصر بعبدا.
أول المنتقدين لهذه العلاقة كان رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي اعترض أكثر من مرة على مطالب وممارسات لم يعهدها سابقاً لجهة قوتين تحاولان فرض تغيير في المعادلة السياسية القائمة منذ عقود لمصلحة ما أسماها ثنائية جديدة تشبه ثنائية الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح. أي ثنائية عزّزت حينها الحضور المسيحي السني على حساب الشيعي بالمعنى المفهوم تطبيقاً على واقع الحال اليوم. وهو الأمر الذي تلاشى بعد الطائف بشكل تدريجي خصوصاً بعد تسلّم الرئيس الشهيد رفيق الحريري رئاسة الوزراء والثنائية الوطيدة التي نشأت بينه وبين بري.
ومن حيث لا يدري الثنائي حريري باسيل بدأت العلاقة مع الرئيس نبيه بري بالتراجع حتى لحظة التوتر الكبير في مرحلة ما قبل الانتخابات النيابية. لم يكن بري وحده من رسم أسئلة حول هذه العلاقة، إنما جهات أخرى كرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي لم يقرّ يوماً بهذا الموقف إنما أرسل اشارات عديدة حول عدم تقبله لمواقف باسيلية وحريرية كثيرة يُضاف اليهما تراجع العلاقة بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، على الرغم من تفاهم معراب الذي اوصل الرئيس ميشال عون، حسب القوات، الى الرئاسة الاولى بعد أن منحته غطاء مسيحياً وافراً.
ربما كان لافتاً تراجع العلاقة بين القوات وتيار المستقبل أكثر من غيرها بكثير، لأنهما شكلا بوقت من الأوقات حلفاء جمعتهما المصيبة الواحدة بين اعتراض على الوصاية السورية وتبني المحكمة الدولية ومواجهة حزب الله ليتبين أن الحريري أشد تمسكاً بمن يتعارض وإياه مع كل هذه العناوين او بالحد الأدنى يختلف عليه فيها وهو التيار الوطني الحر.
لم تكن لحظة اللقاء المنتظر بين رئيس حزب القوات اللبنانية والرئيس سعد الحريري المنتظرة منذ عودته من الرياض إثر أزمة الاحتجاز على ما أعلنه الرئيس الفرنسي فرانسوا ماكرون والاستقالة المريبة لحظة عادية لا بظرفها ولا بتوقيتها، لأنها جاءت مباشرة بعد بضعة أيام من استقالة السيد نادر الحريري. وكأن الأخير كان أحد معوقات هذا الجمع كيف لا وقد رسم تيار المستقبل والتيار الوطني الحر بظل حضوره ألف باء علاقة طويلة الأمد بين حزبين أو جهتين سياسيتين تؤسسان لعهد كامل عنوانه الرئيس ميشال عون؟
ذهب الحريري الى المملكة العربية السعودية وعاد منها، حسب المعلومات من دون أي دعم سعودي مرتجىً للحريري في الضغط على القوات التي تشكل حصتها في الحكومة المنشودة أبرز العقد. كيف بالحال، وقد صارت حليف الرياض الأول في لبنان؟ لكن الحريري عاد مباشرة الى مواجهة سيل هادر من الانتقادات حول مرسوم التجنيس الذي يعتبر الحريري فيه شريكاً أساسياً مع رئيس الجمهورية الذي تلقى من رسائل الكيدية السياسية تجاهه ما يكفي ليعتبر الحريري نفسه معنياً بالتفسير السريع بالجزء الذي يتعلق به ليتبين أنه أشدّ تمسكاً وتحدياً بلغته من رئاسة الجمهورية التي نزلت عند مطالب اللبنانيين بالاستيضاح. وفي هذا رسائل كثيرة.
أولاً: لم تؤثر الانتخابات النيابية ونتائجها كما كان مأمولاً بإبعاد التيار الوطني الحر وتيار المستقبل عن خطط التعاون بينهما، بل إن توقيع هذا المرسوم المشترك بعد الانتخابات وقبل زيارة الحريري الى المملكة العربية السعودية والعودة منها بدون موقف جديد من التيار الوطني الحر يأخذ من خلاله مسافة ويعيد ترتيب العلاقة يعني تعزيز الصفقة الرئاسية من جديد وإن استقالة نادر الحريري لن تكون على حساب هذه العلاقة.
ثانياً: لا يزال التيار الوطني الحر يجد في التفاهم من تيار المستقبل السبيل الوحيد لإنجاح العهد، بما أن هذا العهد يمثل الرؤساء الأقوياء في طوائفهم. وهذا إن دلّ على شيء فهو على خيار حزب الله أيضاً الذي لم يسمِّ حزب الله بالاستشارات النيابية، لكنه امن هذه الأكثرية بعدم منع حلفائه من التصويت للحريري بل، وبالتشجيع على ذلك.
ثالثاً: تشكيل الحكومة اللبنانية سيراعي هذه العلاقة ما يعني أن الحريري بصدد مراعاة ما يترتب عليها أي أن تأمين الأكثرية للتصويت للحريري يجبر الأخير على مراعاة حلفاء حزب الله في التشكيل وبينهم القوى السنية المستقلة. وهو الأمر الذي سيبقى قيد الانتظار.
هناك مَن يقول إن هناك مَن تقصّد توقيع مرسوم التجنيس قبل أن يسافر الحريري الى المملكة العربية السعودية، خصوصاً بعد انتكاسته بنتائج الانتخابات النيابية الأخيرة والضيق المالي جراءها، وذلك من أجل حمل رسالة دعم وشراكة بين الحريري والعهد الى المملكة العربية السعودية، والتأكيد لها أن أحداً لم أو لن يتخلى عن الآخر في صفقة «حكم» رسمت وحددت اتجاهاتها منذ انتخاب عون رئيساً، فلا يحتاج الحريري على أساسها لدعم خارجي لتقوية موقعه في الداخل.