إيران تتحرّر من الضغط بالملف النووي
روزانا رمّال
لطالما اعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران تنفذ التزاماتها بموجب الاتفاق النووي الموقع بين الدول الخمس زائداً واحداً قبل نقضه من قبل الولايات المتحدة الأميركية والانسحاب منه، ولطالما كشفت الوكالة الدولية أن إيران تخضغ لنظام تفتيش نووي صارم. من جهته، لطالما أكّد مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو ، أنّ «ليس لدى مراقبي الوكالة أي قلق حول تطبيق إيران للبرنامج النووي. فهي طبّقت كلّ التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق النووي».
هذا الكلام من المرجعية الأممية يشكل صك براءة إيراني بالمفهوم الطبيعي الذي ينزع عنها صفة الدولة الساعية لامتلاك قنبلة نووية لأغراض عسكرية تقلق المجتمع الدولي. وينزع عنها صفة تخطي أصول العمل الأممي والمنظمة التي تعنى بشؤون الأمن الدولي وتعطي طهران شهادة نجاح في التعاطي مع المجتمع الدولي وترطيب الأجواء التي عكّرت صفوها تسريبات من نوع تؤخذ إيران فيها نحو العزلة، لكن هذا لم يكن كافياً كي تبقى الولايات المتحدة الأميركية ضمن هذا التوافق الأوروبي حول الدخول في علاقة جديدة مع الإيرانيين. وفي هذا دليل واضح على عدم احترام واشنطن كل ما ذكر من شهادات الخبراء في الوكالة وانها ضربت هذه النتائج بعرض الحائط. فماذا جرى؟
يلفت الانتباه أن الرئيس الإيراني حسن روحاني وعشية انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق كشف عن عدم رغبة إيرانية بالتفاوض بأي ملف غير نووي. الأمر الذي عاود تأكيده وزير الخارجية محمد جواد ظريف ما يعني أن الإيرانيين يستشرفون نوعاً من الضغط لأغراض أخرى توضحت معالمها بعد الانسحاب المفاجئ، بعد ان راهن كثر على استحالة ان يتخلى ترامب عن اتفاق تاريخي من هذا النوع اعتبر إنجازاً أميركياً هاماً قد يؤسس بالمرحلة المقبلة لاتفاق هام مع كوريا الشمالية أي انه اتفاق إطار من جهة، لكنه مؤسس لسيرورة عمل واسلوب تعاطٍ مع ملفات من هذا النوع، خصوصاً مع الدول التي تجنح نحو الحركات التحررية والانظمة الاحادية.
الانسحاب من الاتفاق النووي داء في مرحلة تصعيد أميركية واضحة اولها في قرار الانتقال بمؤسساتها الدبلوماسية الى القدس فنقلت السفارة إليها وثانيها بإعلان الانسحاب. وفي الاثنان قرارات تصعيدية مباشرة تحيط بملفات المنطقة الكبرى، يكشف الانسحاب الأميركي بعد فترة وجيزة منه أنه يصبّ في خانة الضغط على إيران من أجل التجاوب في ملفات أخرى أخصها الملف اليمني والملف السوري يليهما العراقي ليبقى الملف الأول والأكثر دقة «حزب الله».
كلام المسؤولين الإيرانيين الذي ركّز على رفض التفاوض في قضية غير نووية، يشير إلى رسائل بعثت الى طهران حول ضغوط مطلوب الوقوف عندها من أجل الحفاظ على الاتفاق وسلامته وإلا فإنه معرض للخطر. بكلام آخر المطلوب من إيران وهو ما كان مرجوّ التنازل في ما تعتبره مصالح استراتيجية مقابل الملف الأهم بالنسبة إليها. وهو شأن محلي علمي ينقل إيران الى مصاف الدول النووية الكبرى وهو الملف النووي الإيراني، لتدهش إيران المراهنين بأنها ليست مستعدة لرفع هذا الملف لسلم اولوياتها على باقي الملفات، طالما انه لا يزعجها بل يشكل قلقاً على خصومها. وبالتالي صار التعاطي الإيراني مع مسألة التهديد بالانسحاب من الملف او الانسحاب منه. كما جرى على أنه خسارة للغرب لا لطهران. وعلى هذا الاساس تتكشف أسباب الموافقة الأميركية على التوقيع في عهد الرئيس باراك اوباما والذي تبين انه مرحلة تطويع من أجل التنازل التدريجي في باقي الملفات. ففشل الرهان.
الملف اليمني الضاغط على الولايات المتحدة يعود الى القلق الذي يشكله استمرار الحرب فيه على الوضع السياسي في المملكة العربية السعودية، بعد الانكشاف الأمني والعسكري الذي وقع خلال استهداف الحوثيين مدناً سعودية وصولاً لمحيط الديوان الملكي أكثر من مرة، إضافة إلى ما لا يغطى إعلامياً، ما جعل الانتقادات تتفاعل أكثر حول نجاح وزير الدفاع بخططه العسكرية أو عجزه. الامر الذي صار مقلقاً فعلاً بمرور سنوات على مواجهة غير متكافئة بين تنظيم ودولة.
حزب الله القابع في الجنوب السوري أخطر العوامل التي تشكل مادة ضاغطة على إيران، وأكثر المطالب ملحّة بالنسبة للإسرائيليين، ومن ورائهما واشنطن التي تدرك أن أي وجود إيراني هناك، لن يكون بدون أرضية لوجود حزب الله. فيرحل الإثنان معاً بحال التسويات او يتمسّكان بالبقاء وتزداد الأمور تعقيداً. الأمر الذي لم يتنازل فيه الإيرانيون من منظار التوجّه الأميركي الذي يريد تصوير الانسحاب من الجنوب السوري طرداً لإيران وحلفائها من هناك. وهو إنجاز يكفي لقلب حسابات المعارك.
ملف البحرين والتواصل مع قطر وتعزيز العلاقة بين الدوحة وطهران تفصيلاً. والمفاوضات في سورية، والنفوذ في العراق كلها تضاف الى حسابات تجعل منها رابحاً بكل الأحوال. فما كان إلا الانسحاب من اجل تقديم التنازلات.
ردّ فعل إيران جاء سريعاً. أعلنت فيه عدم رفع الملف النووي إلى سلم الاولويات وعدم مساومتها للاحتفاظ به على أساس أنه مادة خلافية ومقلقة للغرب وليس لها أو لحلفائها ليأتي إعلان رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي أن « طهران أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بصورة رسمية، ببدئها في زيادة قدراتها الخاصة بتخصيب اليورانيوم وأنه لن يعود المشروع النووي الإيراني إلى ما كان عليه بتقويض الاتفاق، بل سيشهد تطوراً هائلاً»، مشيراً إلى أن «خطوات طهران تأتي تنفيذاً لقرار قائد الثورة الإسلامية الذي قال إن إيران لا يمكن أن تلتزم بالاتفاق النووي مع فرض الحظر عليها».