حلفاء واشنطن: رفع السقف واكتشاف المأزق فخفض الشروط!

روزانا رمّال

عاشت منطقة الشرق الأوسط في أيلول عام 2013 لحظات مصيرية إثر اعتزام الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما تنفيذ وعده بقصف سورية والتدخل العسكري المباشر فيها مع حلفائه بعد تأكده من وجود سلاح كيميائي هناك يستخدمه الرئيس السوري بشار الأسد ضد شعبه وفق الرواية الأميركي الأساسية. وعندها كانت قد تواترت أحداث حُكي عن افتعالها وتنسيقها غربياً بالاتفاق مع منظمات دولية إنسانية وما عُرف بالخوذ البيضاء من أجل إظهار مشهد مرعب يتكفّل بالبتّ في الملف والتوجّه للقصف المحتّم. فالسلاح الكيمائي المحرّم دولياً يتكفّل وحدَه بشرعنة التدخل الأميركي، لكن ذلك كله توقّف فجأة وبعد أن حشدت دول المنطقة واستنفرت للهجوم الكبير.

تراجع الرئيس الأميركي وأعلنت الولايات المتحدة وروسيا أنهما توصلتا إلى اتفاق بشأن إطار يقضي بتدمير الأسلحة الكيميائية السورية بحلول منتصف 2014، ثنائية جون كيري سيرغي لافروف في تلك الفترة كانت لافتة وناجحة وتمّ وضع آلية للتنفيذ ومضى كل شيء على ما يُرام، فانكشف الأسلوب الأميركي الغربي في إعلاء السقف والتيقظ أو التيقن إلى صعوبة التنفيذ وإلى أن الأمور لم تعُد تجري بشكل أحادي في المنطقة والمايسترو لم يعد أميركياً بل صار له شريك.

الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يكن مؤخراً بأفضل حال فبعد أكثر من 5 سنوات على جولة «الكيميائي» الأولى تكرّرت الجولة الثانية بالمطالعة نفسها مع العلم، أن الأمم المتحدة اعترفت بتنفيذ سورية لبنود الاتفاق والالتزام بالتفتيش والتدمير للسلاح الكيميائي وإذ بحادثة خان شيخون عام 2017 المفترضة تعود الى الواجهة عام 2018 ويتوعّد الغرب بالمحاسبة بعد تحقيقات أكدت ان الاسد لا يزال يمتلك سلاحاً كيميائياً وقد تمّ استخدامه. فما كان من الحلفاء البريطانيين والفرنسيين الا التحضير لقصف سورية برفقة ترامب فحبست المنطقة أنفاسها للاعلان عن موقفه الإيجابي تجاه المباشرة بالعملية بعد ساعات دقيقة عاشها العالم فحلقت مقاتلات الحلف فوق سورية لتقصف حوالي 110 صواريخ باتجاه أهداف سورية أسقطت الدفاعات الجوية السورية معظمها فكانت مفاجأة الانكفاء السريع وإعلان كل من وزير الدفاع الأميركي جايمس ماتيس ورئيس هيئة الأركان المشتركة في القوات المسلحة الأميركية الجنرال جوزيف دانفورد أن العدوان المشترك قد انتهى!

انتهى العدوان، ولم يتغير شيء في السلوك السوري. كل ما في الأمر أن الحديث عن الكيميائي تلاشى وكأن الغرب رفع منسوب خطورة الملف وأسقطه من التداول بقدرة قادر.

التهويل الغربي صار من صلب تطوّر الحدث السياسي الطبيعي، ومؤخراً تأتي حادثة الاتهام البريطاني لروسيا بتسميم العميل المزدوج سيرغي سكريبال لتحكي الكثير عن محاولات التصعيد غير المدروس بوجه الحلف الروسي، طالما أنه صار معروفاً أن موسكو او حلفاءها لن يخضعوا لابتزاز خطابات سياسية من هذا النوع.

قررت تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا مقاطعة كأس العالم الذي سيقام بعد ايام في روسيا وكشف وزير الخارجية بوريس جونسون عن نية لسحب مشاركة منتخب بريطانيا في اللعبة. كل هذا في شهر آذار بعد أن روّجت لندن لما أسمته دلائل موثقة عن تورط روسيا ليتنبأ العالم بوقوع أزمة كبرى بين البلدين ستغير معنى تعاطي الأوروبيين مع الروس. وفجأة تراجع كل هذا التوتر وها هي تيريزا ماي تتحضّر لحضور افتتاح كأس العالم في كرة القدم مع زعماء العالم في روسيا.

على الضفة المقابلة يهدّد رئيس وزراء «اسرائيل» بنيامين نتنياهو، بما لا تحمد عقباه إذا بقيت ايران في سورية. ويقول إن هناك إجماعاً دولياً يؤيد انسحاب إيران من سورية من كلٍّ من زعماء ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، ويتابع أن هذا هو هدف زيارته الاخيرة الى الدول الأوروبية، وقد تمّ تحقيقه إلى حد كبير»، مشدداً على أن «إسرائيل ستواصل التصرف بحزم ضد محاولات تموضع إيران في سورية وتعزيز وجودها في البلاد»… إيران ردت بأن هذا غير وارد اذا لم تطلب الحكومة السورية بنفسها ذلك. وكذلك الأمر صعّد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله من منسوب المواقف المتعلقة بالمطلب الإسرائيلي قائلاً «إنه لو اجتمع العالم كله ليفرض على حزب الله الخروج من سورية فلن ينجح في ذلك، إلا بطلب من القيادة السورية»!

هذا الرفض في الجنوب السوري وصمود حلفاء إيران في اليمن الذي استمر لسنوات استتبع التضييق على طهران لإنقاذ حلفائها من مخاطر الانزلاق السياسي والمعنوي بالمنطقة، خصوصاً السعودية و«اسرائيل»، فأعلن دونالد ترامب قبل شهر انسحاب بلاده من الاتفاق النووي لكن روسيا إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي بقيت في صدارة المطالبين بالمحافظة على هذا الاتفاق، الذي تقول واشنطن إن طهران تخرق جوهره من خلال نفوذها في الشرق الأوسط وتطوير ترسانتها من الصواريخ البالستية، وغيرهما مما ذكر.

في هذا الوقت يجمع الخبراء على ان الانسحاب من التفاهم الايراني يضرّ بالغرب الذي سيجد إيران أمام خيار وحيد. وهو المسارعة بتعزيز الطاقة النووية. وهذا ما أكد عليه رئيس الوكالة الذرية الإيرانية إضافة الى تناقض كبير في الخيار الأميركي الذي أخذ ترامب نحو قمة تاريخية مع الرئيس الكوري الشمالي المتهم بالتهمة الإيرانية النووية نفسها.

في وقت بدأت مفاعيل الجبهة الدولية المؤيدة لاستمرار الاتفاق النووي تحافظ على تماسكها، وتبدو قمة شنغهاي فرصة لطهران لحشد المزيد من الدعم السياسي بعد أن تم تعيينها «عضواً» في وقت لا يبدو أن الأورببين قادرون على الانسحاب من الاتفاق لأكثر من سبب وسبب يتعلّق بالعلاقات مع طهران وحلفائها وأمن جوار البحر المتوسط..

الغرب يُعلي السقف ويكتشف فداحة المأزق فيخفض الشروط تدريجياً والتصعيد بوجه ايران يقع ضمن دائرة التفاوض الآتي سريعاً في الملف السوري بعد الكوري الشمالي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى