فيينا تنام على هدهدة المدن النساء… دمشق وبيروت!
شطرنج للإعلام
أيّ.. «وأوف… وعلى الله تعود بهجتنا والأفراح»!
ولِمَ لا؟ ونحن أهل الفرح والحبّ. أهل السهوب والوديان والجرود، ليس في النداء استجداء. لكنه أمنية بعد أن تعبت البلاد. البلاد رمز للدار التي غادرتها البسمة، والتي صار العمر لعنة لانكسار قلبها بعدما ركبت عصافيرها درب الغياب.
هذا المطلع ليس مقدّمة لمقال أو دغدغة لنصّ وجديّ أعزفه على وتر الشوق كما اعتدتم نواحي.
هذا الرجع الذي دنّ في أرواحكم توّاً، إرث قلبي القديم الذي توارثنا «آوفه» كابر عن كابر، لا ينفكّ أن ينكز حواسّنا كلّما أوغلنا في تفاصيل الغياب المقيتة.
المدينة الفاصلة على لهج بردها الرهيف… فيينا، لم تنم ليل الأحد ـ الإثنين كما لياليها السالفات. استعادت وهي بكامل رهج روحها ليلة أنسها القديمة، «ليالي الأنس في فيينا»، وكأني بأنها تقول ملء روحها: عاد الفرسان… عادوا.
نعم، بالفعل عادوا من الأماكن كلّها ليكسروا ليل عزلتها البليد. وكأني بها فتاة بكر لم يمسسها حبر.
فرسان فيينا صدحوا كما لم يصدح أحد مثلهم ولا قبلهم، جالوا هوس الأرض من مشرقها إلى أندلسها متخفّفين إلا من لهفة المحبّات.
توّاً عاد فرسان العطر إلى مهاجع أرواحهم آمنين وكذلك نحن همنا في الشوارع الخالية إلا من ظلالنا اليتيم.
كل ما كتبته سالفاً عن مسافة البعد بين فيينا ودمشق وبيروت كان رياء كاتب خاتل ملاك الكتابة كي يمنّي روحه بجرعة وصال، اليوم كانت دمشق وبيروت على مرمى عناق رخيم وقبلتين.
ولما لا أقولها للتأكيد. فالذين رضعوا لبان عنفوان المدن النساء، تحملوا جور النوائب لكنهم لم يتخفّفوا بالمطلق من عشق حكاياتها. الحكايات التي نحفظها عن ظهر عطر وملح. والتي بدأت صدحاً حلبياً، ترنح على أجنحة الكلام الرهيف: «ياموو ع الله يا حلب».
البلاد الليلة كانت مثل سجادة صلاة انفرطت فوقها سبّحة الصوت والوتر، لتصير الجرود مثل راحة الكف بدنّة وتر ناعسة، وديع الكبير عبر من هنا،
وفيروز شامة الشرق ومدار نبضه عبرت حدود الكلام مروراً بجبل العرب الذي استعاده ابن صلخد الأسمر كحنطة حوران التي لبست شرشف القصب.
لكنه البحر… البحر قلتها في مقالاتي السابقة فتنة كلّها، والخطّ المجدي بين آه الملقى ودمعة الوداع العامرة بالملح.
بعد نوبة تصفيق حميم أعادت الطفلة الشامية التي أحبّها «مياس» تجربة العبور بفاتحة النداء: «عندك بحريّة يا ريّس»!
البحر كناية للقلوب التي باتت مصلوبة على أنين رؤية البلاد، الكل موقن أن لا مسيح جديداً سيبارك هذه الأرض، لكن «مريم» هذه المرة تركت وراءها نجّار حكايتها في فلسطين التي صارت قبلة نتلمس على وهجها جهة الجنون. «مريم» هذه المرّة لم تكن مجدلية المسام، فما بين أرض فلسطين البعيدة شريط أخرق فتحوا في غلّ روحه بوابة سمّوها «البتول فاطمة»، من هناك أتت «مريم»، لكنها لم تكن كما أسلفت مجدلية، بل جنوبية، نعم… جنوبية… وما الضير… إن صار هوى قلبي جنوبيا! فـ«جنوبيّ الهوى قلبي… وما أحلاه أن يغدو هوى قلبي جنوبيا».
«المنتدى الشرقي النمسوي للثقافة والاندماج»، «Cup of Cultures»، والذي يهتمّ بدعم الشباب العربي الوافد في عدة مجالات أدبية وثقافية وفنية، ويعنى بالمواهب من خلال طاقمه الإداري المتخصّص لهذا الشأن، أحيا أمسية فنية لطلابه العرب.. حضرها جمع غفير من عشاق الكلمة والنغم.
شارك في الفعالية كلّ من السورية مياس الخطيب غناءً وعزفاً على العود، واللبنانية مريم حمود غناءً، نينورتا عبد الأحد السورية غناءً، ونابغ الجوهري وعمار بلطه جي من سورية غناءً، وبلال وضحة غناءً
والفلسطيني طارق خضراوي على الإيقاع. فيما قاد الفرقة عماد بن حسينة من تونس الخضراء عزفاً على الكمان.
ومن المؤكد أنّ هذه المواهب تدرّبت على يد الأستاذ مفيد نعمة اللبناني وهو مؤلّف موسيقي ومدير «المنتدى الشرقي النمسوي».
استعاد المشاركون جلّ الأغاني التي تشكّل إرثاً مادياً ومعنوياً للبلاد، كلّ على نبرة صوته الجميلة.
موقع «شطرنج للإعلام» الثقافي الإعلاميّ كان هناك، ولم تكن مساحة الفراغ بينه وبين الحكاية سوى مقدار جرّة قلم وعمارة كلمة، بكامل جنوده المتأهّبين لرصد الحدث، كانوا كما عودّوا القرّاء والأصدقاء بالصوت عبر البثّ المباشر على صفحة الموقع في «فايسبوك». وهم: علي العساف، لوريس فرح، عزو فطاس، وطلال مرتضى.
موقع إعلامي عربي/ فيينا