الحكومة «طبخة بحص أسود»… 14 آذار تطلب نصف الحكومة مقابل 47 نائباً الناشف لدعم العهد وتمثيل «القومي» وزارياً… والمشنوق يشوّش على عودة النازحين بـ «الفيزا»
كتب المحرّر السياسي
من جهة يبدو الوضع الإقليمي نحو احتباس عنوانه المصير المجهول الذي ينتظر التفاهم النووي الإيراني، مع غياب الضمانات الأوروبية الواضحة لحقوق إيران التجارية والمصرفية التي كفلها التفاهم، والتي تبقي إيران تحت سقفه، وتحول بينها وبين الذهاب لتخصيب مرتفع لليورانيوم، يُشعل المنطقة بتصعيد وتصعيد مضاد. ومن جهة مقابلة يسلك الوضع في سورية مساراً مزدوجاً، بين رسائل أميركية حملتها الغارات في البوكمال التي استهدفت الحشد الشعبي، حاولت الضغط لحوار تفاوضي حول مستقبل التمركز الأميركي في العراق مع دور الحشد في تشكيل الحكومة الجديدة، كما تحاول حجز بديل مفترض للإمساك بطريق بغداد دمشق، إذا اضطرت لمغادرة التنف في تسوية الجنوب السوري. وبالتوازي تقدّم في مسار تركيب معادلات جنيف الجديدة للحوار السوري السوري انطلاقاً من صيغة مؤتمر سوتشي للجنة الدستورية، برعاية روسية إيرانية تركية، حققت تقدّماً في اجتماعاتها التمهيدية لجولة محادثات ستحضرها واشنطن وباريس والسعودية والأردن، فيما تشتعل حرب معلنة بين جماعات المعارضة التي صار التشقق أقلّ السمات التي يمكن أن تصف أحوالها. أما في اليمن فمكابرة سعودية إماراتية لإنكار الهزيمة في معارك الحُدَيْدة، وإصرار على نصر مستحيل، مقابل مساعٍ أممية يبذلها المبعوث مارتن غريفيت لاستنقاذ التفاوض السياسي كبديل عن مخرج لحرب الحُدَيْدة يحقق للسعودية والإمارات سياسياً ما عجزوا عنه عسكرياً، رفضه أنصار الله بصورة قاطعة، وهم يمسكون بعنق مصير مئات الجنود المحاصَرين من الذين شاركوا في الهجوم الفاشل على مطار الحُدَيْدة.
لبنانياً، لا تقدّم في المسار الحكومي، مع المراوحة التي فرضها الموقف السعودي التصعيدي، بمطالب القوات اللبنانية وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي لنيل نصف المقاعد الحكومية وعرض تمثيل رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر وقوى الثامن من آذار، بالنصف الباقي. وقد صار سهلاً التعرّف على العقدة التي تمنع تشكيل الحكومة بمجرد جمع مطالبة القوات بخمسة وزراء والمستقبل بستة والاشتراكي بثلاثة، عدا حصة رئيس الحكومة المستجدّة ومعها فرضية تمثيل الكتائب بوزير، بتمثيل نيابي من 47 نائباً، ومطالبة رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر وقوى الثامن من آذار الممثلين بـ 74 نائباً ارتضاء النصف الآخر بثمانية وزراء لرئيس الجمهورية والتيار وسبعة لثنائي أمل حزب الله والحلفاء، علماً أنّ قوى الثامن من آذار وحدها تعادل نيابياً قوى الرابع عشر من آذار والمعروض عليها نصف المقاعد الوزارية 7 مقابل 14 .
الطبخة الحكومية طبخة بحص أسود من الصوان الصلب، وفقاً لوصف أحد أركان قوى الثامن من آذار، والرئيس المكلّف سعد الحريري يدير الوقت السعودي الضائع بانتظار زوال الفيتو على حكومة تعيد النازحين السوريين، يشابه الفيتو السابق على وصول العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، ويجري التعبير عن كليهما بالطريقة ذاتها، رفع السقوف والخطاب الناري.
بانتظار عودة رئيس الحكومة وبدء جولة مشاورات جديدة، يفترض أن يشهدها قصر بعبدا بين رئيسي الجمهورية والحكومة، زار رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي حنا الناشف على رأس وفد حزبي بعبدا داعياً بعد لقاء رئيس الجمهورية لدعم العهد، خصوصاً في ملف عودة النازحين السوريين، مشدّداً على تمثيل الحزب في الحكومة الجديدة، بينما سجل المشهد السياسي محاولة مكشوفة لوزير الداخلية نهاد المشنوق للتشويش على ما تمّ إنجازه من تحضير لعودة آلاف النازحين بإشراف مباشر من الأمن العام ومديره اللواء عباس إبراهيم، عبر افتعال معركة عنوانها كيفية تسجيل دخول الإيرانيين إلى لبنان وختم تأشيرة الدخول على جواز السفر أم على البطاقة الخاصة بتنظيم الإقامة، وسط تساؤل عن التوقيت المريب للإثارة وعن حق الوزير في زمن تصريف الأعمال البتّ بقرار إداري من صلاحية المدير العام، يعود للحكومة الجديدة مناقشته واتخاذ القرار بوقفه أو الاستمرار فيه.
أكد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي حنا الناشف «تأييد الحزب لموقف رئيس الجمهورية من مسألة النازحين السوريين ودعوته إلى ضرورة عودتهم إلى بيوتهم وبلداتهم وأرضهم، ولا بدّ استطراداً من عودة النازحين إلى المناطق الآمنة في سورية، كما ينادي رئيس الجمهورية».
وبعد لقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على رأس وفد من الحزب ضمّ الوزير علي قانصو وعميد الشؤون السياسية في الحزب قيصر عبيد، أشار الناشف الى أن «زيارة الوفد قصر بعبدا، هي زيارة تضامن وتأييد للمواقف الوطنية التي يتخذها رئيس الجمهورية، لا سيما منها في مجال مكافحة الفساد».
وقال: «نستغرب في هذا السياق استهداف الرئاسة، من خلال بعض المواقف التي لا تخدم مصلحة لبنان، الاقتصادية أو السياسية أو الوطنية، علماً أنّ الإصلاح يكون من خلال البحث بهدوء وموضوعية في المواضيع المطروحة وليس من خلال التعرّض للأشخاص».
عرض الوفد أيضاً «الملف الحكومي»، وطلب بـ «أن تتمثل الكتلة القومية الاجتماعية في الحكومة لأنّ هذا التمثيل ليس مصلحة للحزب القومي، بل هو مصلحة للبنان، لأننا الحزب شبه الوحيد الذي يحمل مشروعاً إنقاذياً للبنان، ويناضل من أجل قيام الدولة المدنية الديمقراطية القوية والعادلة. ولأننا نريد أن نشكل دعماً للتوجّه الوطني للعهد».
الحكومة إلى ما بعد عودة بري
مع انتهاء عطلة عيد الفطر وعودة النشاط السياسي إلى طبيعته في البلاد تترقب الأوساط السياسية وصول الرئيس المكلف سعد الحريري الى بيروت مساء اليوم، بحسب معلومات «البناء»، لتبيان الخيط الحكومي الأبيض من الخيط الأسود وفتح جعبته السياسية ومدى تمكّنه من بلورة الاتجاه السعودي الدقيق بمسألة تشكيل الحكومة الذي رجحت مصادر التيار الوطني الحر أن تبصر النور خلال أسبوعين، رأت فيه مصادر أخرى تعمّد في التفاؤل من دون الاستناد الى معطيات واقعية في ظل ثبات العقد الثلاث في مكانها بلا تقدّم يذكر، علماً أن أجواء الحريري السعودية ضبابية ورئيس المجلس النيابي نبيه بري سيغادر البلاد الى إيطاليا في إجازة سياحية عائلية من نهاية الأسبوع وتمتد الى الأسبوع المقبل، وقد أبلغ الرئيس المكلف برحلته هذه. ما يعني تجميد جزئي للمفاوضات، لا سيما أن بري المفوض الرسمي بالتفاوض عن حركة أمل وحزب الله في مسألة التأليف ما يعني أن لا حكومة قبل عودة بري.
وإذ بقي الغموض يلفّ زيارة الرئيس الحريري الى السعودية، علمت «البناء» بأن «الحريري غادر السعودية بعد صلاة العيد إلى باريس في زيارة عائلية ولم يعقد أي لقاءات رسمية مع مسؤولين فرنسيين».
ووفق المعلومات من المرجح أن يكون الحريري قد عقد لقاءات عدة مع مسؤولين سعوديين بعيداً عن الإعلام، لكن يبدو أن الرئيس المكلف لم يعُد بتوجه سعودي واضح بمسألة تشكيل الحكومة. الأمر الذي زاده غموضاً وربما يصعب مهمة التأليف. وقالت مصادره لـ «البناء» إنه فور عودته المتوقعة مساء اليوم سيفعّل قنوات التواصل مع مختلف الأطراف السياسية للتوصل الى مسودة للتشكيلة الحكومية ترضي كافة الأطراف لعرضها على رئيس الجمهورية والتشاور معه.
وقد أجرى الحريري من باريس اتصالات عدة مع الرئيسين ميشال عون عون ونبيه بري ورئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط ورئيس القوات سمير جعجع وقيادات أخرى لاحتواء الموقف وتهدئة الأجواء ونزع فتيل التفجير على جبهة بعبدا المختارة، كما عقد مستشار الحريري النائب غطاس خوري لقاءات عدة بتكليف مع الحريري شملت الحزب التقدمي الاشتراكي وحركة أمل والقوات والتيار الوطني الحر للغاية نفسها. ولفتت مصادر «البناء» إلى أن «العقد التي اعترضت عملية التأليف لا تزال هي نفسها ولم تحلّ. وهي عقد حجم تمثيل القوات اللبنانية وتوزير سنة 8 آذار والعقدة الدرزية مع إصرار الرئيس عون على توزير النائب طلال أرسلان. وهذا ما يفسّر التصعيد الجنبلاطي الذي كان رسالة الى الحريري قبل عون ويجري العمل على التوصل إلى حل وسط».
لكن مصادر مطلعة على أجواء المفاوضات الحكومية لفتت لـ «البناء» أن حصة جنبلاط لن تتعدّى الوزيرين الدرزيين والوزير المسيحي الذي من المفترض أن يكون من حصته، عوضاً عن الدرزي الذي بات محسوماً لأرسلان أو مَن يسمّيه من حصة رئيس الجمهورية. وتشير المعلومات إلى أن الوزير المسيحي لن يكون من حصة جنبلاط والحل الأقصى المطروح هو وزير مسيحي من حصة جنبلاط، لكن بالتفاهم مع رئيس الجمهورية من منطلق أن جنبلاط يملك كتلة من 9 وزراء. وفي حال اعتماد قاعدة وزير لكل 4 نواب، فإن جنبلاط لن يأخذ أكثر من وزيرين».
وانتقد النائب أرسلان جنبلاط بالقول: «للأسف البعض لا يرى في السياسة إلا العملة الخضراء».
خرق اشتراكي للهدنة وبعبدا تنأى بنفسها
ووسط هذه الأجواء الحكومية الملبّدة بالغيوم، وبعد فرض «سعاة الخير» والوسطاء التهدئة على جبهة بعبدا – المختارة، سُجل خرق اشتراكي للهدنة التي وصفتها مصادر سياسية بالمؤقتة، وأوضح عضو كتلة اللقاء الديمقراطي النائب وائل ابو فاعور أن «موضوع التمثيل الدرزي ليس مسألة ضمانة، ولكن اذا كان هناك من يريد الانقلاب على نتائج الانتخابات فهناك مشكلة». وفي حديث تلفزيوني أكد أبو فاعور أن «الاتصالات قائمة مع حزب الله وطالبنا بالحصول على وزارة الصحة ومصرّون على هذا المطلب ولا نقبل بحجز الحقائب، وكأن الوزارات أصبحت عقارات خاصة». وسأل: «لماذا أصبح تمثيلُ القوات اللبنانية عقدة. وهذا التمثيل نابع من حجمها التمثيلي»، معتبراً أن « التيار الوطني الحر يأخذ أكثر من حجمه في الحكومة والإدارة وعليه أن يعرف حجمه الحقيقي».
غير أن بعبدا سرّبت للإعلاميين بأنها تنأى بنفسها عن الاشتباك الاشتراكي البرتقالي وغير معنية بالاتهامات والسجالات الإعلامية، لكن مصادر بعبدا استنكرت اتهام العهد بالفاشل، وعدّدت مصادر التيار الوطني الحر إنجازات عهد الرئيس ميشال عون منذ التسوية الرئاسية حتى الآن أبرزها قانون الانتخاب وإنجاز الاستحقاق الانتخابي النيابي وإشراك المغتربين في عملية الاقتراع والتشكيلات القضائية والدبلوماسية والإدارية وإنجاز قانونَيْن للموازنة.
تأشيرات الإيرانيين بين الداخلية والأمن العام
في سياق آخر، برزت قضية إعطاء تأشيرات الدخول والخروج للرعايا الإيرانيين على أوراق خارج جواز السفر، وسط تباين بين الداخلية والأمن العام. ففي حين أشاعت أوساط وزارة الداخلية أجواءً عن اتجاه الوزير نهاد المشنوق لوقف قرار إلغاء أختام دخول وخروج الإيرانيين في مطار بيروت لكونه متخذاً منذُ أسبوع من دون العودة إلى الوزير، لكن مصادر الأمن العام أشارت إلى أنّها لم تتبلّغ أي شيء بهذا الخصوص، بينما استغربت مصادر «البناء» «إثارة هذه القضية من قبل المشنوق لأسباب سياسية، علماً أن هذا الإجراء لا يخالف القانون اللبناني ومتبع في كثير من دول العالم».
إبراهيم: بعد إنجاز الترتيبات تنطلق قافلة عودة النازحين
على صعيد أزمة النازحين السوريين، أوضح مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم أن «كل المعلومات عن حركة المسافرين في المطار تحفظ على الكومبيوتر»، مشيراً الى أن «الاستعدادات شارفت على نهايتها لانطلاق قافلة النازحين السوريين التي يتم العمل عليها».
وفي حديث تلفزيوني له، أوضح اللواء إبراهيم بقوله «ما أن تنجز الترتيبات كافة ستنطلق القافلة وبعده تبدأ المراحل التالية تباعاً»، لافتاً الى أنه «لا حل آخر في الوقت الراهن». وأشار الى أن «المنظمات الدولية تقوم بعملها و الأمن العام يقوم بعمله ويعود الخيار للنازح السوري. ونحن لا نجبر أحداً على العودة».