ماذا يجمع القوات اللبنانية بالمملكة العربية السعودية؟
روزانا رمّال
بعد عودة الرئيس سعد الحريري من الرياض وساعات انتظار طويلة للقاء «الحدث» الذي لم يحصل مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، عُرف أن المسؤولين السعوديين الكبار الذين التقاهم الحريري أوصوه بحصة القوات اللبنانية في الحكومة اللبنانية بدون معرفة اذا كان الحريري قد حصل على الضوء الأخضر في التشكيل السريع أم انتظار التطور الإقليمي في «الحديدة» اليمن التي تستخدمها الرياض ورقة للضغط على طهران ومصالحها، رغبة بالتوصل لتنازل يأخذ إيران نحو الحل السياسي.
وبين هذا وذاك يبدو تركيز الرياض منكباً على تأمين حصة القوات اللبنانية «الوازنة» في الحكومة المفترضة من دون الالتفات إلى باقي الحصص واعتبارها جزءاً مما قد يشكل تعقيداً أساسياً بالنسبة اليها.
بالنظرة الى رؤية السعودية تجاه الحكومة اللبنانية فهي تتعلق بالتأكيد بحساب إقليمي بحت يتمحور بالأساس حول تشكيل جبهة منافسة لتلك التي شكلتها إيران بتفاهمات عبر حلفائها، تمّ على أثرها جمع التيار المسيحي الأكبر وهو التيار الوطني الحر بحليف طهران الأول حزب الله. الامر الذي يكرس إيران لاعباً وزاناً في الساحة اللبنانية بدأ يتوسع حضوره بتوسع اطار تحالفات «حلفائه» أي حزب الله بالمباشر وبغير المباشر. وهو الامر الذي يفسر إصرار السعودية على منع حصول شرخ كبير بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية عشية عودته من الرياض إثر ازمة الاحتجاز، حيث استمع اللبنانيون الى خطاب حاد من الرئيس سعد الحريري موجهاً للقوات اللبنانية واعداً ومتوعّداً بـ«بق البحصة» التي كانت تعني حينذاك فك الارتباط بين الفريقين ليستحضر ضغط سعودي يعلن عن رفضه لهذا السجال القائم. فأرسل الى لبنان موفداً سعودياً برئاسة نزار العلولا تكفّل بتضميد الجراح وتسوية الاوضاع بين الفريقين. وقد وضع النقاط على الحروف من قلب معراب إثر زيارته اليها واعتبار نفسه «داخل بيته» ليرسل لتيار المستقبل رسالة تحذر من تخطي الحليف المسيحي للمملكة العربية السعودية. فصار على الحريري ومنذ ذلك الوقت السير وفق خريطة الطريق هذه. فخيضت الانتخابات النيابية على هذا الاساس. واليوم يعاد التشديد على تعزيز هذه العلاقة والحفاظ على هذه الصيغة بإرضاء القوات اللبنانية أولاً في الحكومة بدلاً من إرضاء التيار الوطني الحر التي تشكل بالنسبة للسعودية الطرف الذي يتمسك فيه سعد الحريري، لكنه بنهاية المطاف هو حليف استراتيجي لحزب الله.
ترغب السعودية من خلال رسم هذه الخطوط بفرض معادلات جديدة على الساحة اللبنانية تعزّز من خلالها حضور القوات اللبنانية لفترة بعيدة المدى وتقوية موقعها مستقبلاً من خلال حفظ مقاعد وزارية وازنة. فهي تفرض القوات لاعباً خطيراً في الساحة المسيحية يهدّد بتوسيع دائرة التأييد دورة بعد الأخرى والتفوق على التيار الوطني الحر بعدما تبين أن الفارق بينهما نيابياً ليس كبيراً جداً، وفق رؤيا القوات. وبالتالي فإن تدعيم موقف القوات بالمزيد من الوزارات الخدمية او وزارة سيادية يعزز قوتها لمرحلة بناء استراتيجيات موائمة للاستراتيجية السعودية في لبنان بعد أن تأكدت من عدم وجوب اعتمادها فقط على العلاقة مع الحريري او مرور العلاقة معها عبر الحريري، وأن الحليف السني لا يكفي وحده لضمان النفوذ في بلد متعدد الطوائف والأحزاب والأطياف كلبنان. وهذا الدعم بطبيعة الحال هو دعم مالي وسياسي مستمر.
هذا التنوّع الذي توجّهت نحوه إيران من خلال حليفها حزب الله لم يظهر بالطريقة اللافتة التي أظهرته الرياض، هذا لان طهران اكتفت بدور حزب الله اللبناني أو المحلي الذي نجح بالتفاهم مع تيار المستقبل بدون الحاجة الى وسيط خارجي، كما ان نوع العلاقة بين حزب الله وإيران يتكشف هنا لجهة النظرة الإيرانية لمفهوم امتداد علاقاته ليتبين بالمقارنة مع السعودية أن حزب الله هو مَن يقدّم لإيران صيغه المحلية، ومن بينها صيغ التفاهم مع ميشال عون لا العكس، حيث يمنع الحريري من التعبير عن امتعاضه أو نيته فك حلف ما يتعارض مع السعودية ومصلحتها في لبنان ليتمّ ثنيه عن ذلك فوراً. أما الفرضية الثانية فربما تشير الى مستوى تنسيق عالٍ بين عون وأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بحيث لا يُضطر أي منهما للتطرق الى مصيرية العلاقة. وهذا وحده تكفل بدحض المحاولة السعودية فك الارتباط بينهما منذ لحظة انتخاب عون رئيساً للجمهورية في محاولة لاستمالته لتفشل المحاولة وتعيد المملكة ترتيب علاقتها بالطرف المسيحي الأثبت والأقدر على مجاراتها استراتيجياً وهي القوات اللبنانية.
لا يغيّر من أهمية مكانة القوات في الحساب السعودي ما يجري على المقلب العراقي، فبعدما أعلن السيد مقتدى الصدر برعاية إيرانية تحالفه مع الحشد الشعبي لم يعُد تحالف الصدر ورئيس الحكومة الحالي حيدر العبادي المقبول سعودياً أميركياً تغييراً للتوازنات، بل تلبية مزدوجة لتشكيل الكتلة الأكبر حول ثنائي الصدر والحشد من جهة ولعدم القطع مع الأميركيين والسعوديين من جهة أخرى، لكن دون حليف يُعتمد أحادياً على الدعم السعودي في العراق ويضمن نفوذها فيه، بينما هذه ما تمثله القوات سعودياً في المشهد اللبناني.