حزب الله بين ضغطين: الابتزاز والمراهنات!!
د. وفيق إبراهيم
تبحث هذه الإشكالية عن الأسباب التي تمنع فريق الحريري ـ جعجع وامتداداتهما الداخلية والإقليمية من القبول بتشكيل حكومة واقعية، تعكس نتائج الانتخابات مع «ميثاقية قنوعة» لا تلغي المعطيات، فكيف يمكن لحزب الله الذي نال نوابه الـ13 نحو 350 ألف صوت أن يكتفي بثلاثة وزراء في حين أنّ منتخبيه ينقصون قليلاً عن مجموع ناخبي حزبَي المستقبل والقوات اللذين يصرّان على 11 وزيراً.. فقط. هناك إذاً «وسائل متجددة» يعتقد فريق الحريري، وتحالفاته، أنّ بوسعها تأمين هيمنتهم على القرار الحكومي وبالتالي إدارة البلاد في مرحلة إقليمية متفجرة يختلط فيها وبشدة غير مسبوقة، الداخلي بالإقليمي والدولي.. فالمنطقة بأسرها تجتاز ضغطاً دولياً لا يماثل إلا مراحل التحوّلات في الحربين الأولى والثانية.. هذا ما يجعل التجاذب الداخلي في لبنان عنيفاً، يعتمد على الوسائل الممنوعة التي قد تطيح بالبلاد فعلياً، وليس لمجرد التهويل.
ما هي إذاً هذه الوسائل المتجددة؟
ينطلق الفريق اللبناني ـ السعودي من مسلمِّة قديمة ـ متجدّدة، تعتبر بأن مصلحة حزب الله، هي في تأمين «استقرار نسبي دائم» في لبنان، لتسهيل حركة انطلاقه نحو الإقليم في سورية و.. وبراحة غير منقوصة، لا تتسبب له بقلق وإزعاج لذلك، فيزعمون أنّ الحزب مع الاستقرار لكنه لا يقبل بالدولة القوية.
بناء عليه، يلوّح فريق الحريري وإعلامه الداخلي والخارجي باقتراب الاقتصاد اللبناني من مرحلة الانفجار.. وليس من مخرج حسب مزاعمهم إلا بتشكيل حكومة سريعة تضبط الأوضاع.. متناسين ما كانوا يردّدونه عن مؤتمرات دعم لبنان التي بوسعها تحويل التراب ذهباً أو ما يعادله!..
أين المشكلة إذاً، ما دام المال موجوداً.. وهنا ينبثق إبداع «السماسرة».. الذي يربط بين وضع هذه الأموال الأوروبية في خدمة الاقتصاد اللبناني وبين ضرورة قيادة الحريري لحكومة له فيها الغالبية.. وذلك للارتياح الغربي المؤيد لنهج الحريري وتموضعاته الإقليمية. والطريف أنّ هؤلاء في لبنان والغرب والسعودية، يدعمون آل الحريري في قيادة الحكومة اللبنانية منذ 24 سنة على الأقل.. ماذا كانت النتيجة؟ تحوّل البلد «مزبلة نفايات مفتوحة» ومطمراً للأوساخ كافة، علماً أنّ الشركات المولجة الاهتمام بالنفايات هي من دائرة الحريرية السياسية. وهل ننسى الكهرباء وصفقاتها والمياه المقطوعة والأمن السائب والديون المقبلة على أكثر من مئة مليار دولار.. هذا يُظهرُ أنّ تفضيل الغرب الأميركي والأوروبي والخليج لحكومة يسيطر عليها الحريري هي مسألة ترتبط بالسياسات الإقليمية والدولية ومجابهة حزب الله في الداخل أكثر من كونها دواء لمعالجة الاقتصاد اللبناني المتدهور..
الاقتصاد الكارثي، واحدٌ من آليات الابتزاز، لكنه لا يكفي.. لأنه ليس معقولاً منح إدارة الحكومة «للمسؤول الأساسي» لا الحصري عن تدمير الاقتصاد وفجأة تذهب عقلية السمسار لناحية أخرى.. وتلاقيها من حيث «تدري» معلومات علنية أميركية.. فتبدأ المعزوفة التقليدية بأن العقوبات الأميركية ـ الأوروبية والخليجية لا تقبل بدور حكومي كبير للحزب.. وقد تدفع نحو مقاطعة فعلية للبنان.
هذه المقولة أصبحت تقليدية ممجوجة. لكن أخبث ما فيها، تزامنها مع إعلان رسمي أميركي يتحدث عن تصعيد مستوى العقوبات على حزب الله.. أهي مصادفة، تحدث من دون تنسيق مع الفريق السعودي ـ الحريري المأزوم؟
يمكن هنا أنّ نضيف بقلوب واثقة، أنّ الحملة الاعلامية المتصاعدة على حزب الله في الإعلام الخليجي واللبناني، ليست بريئة من مسألة تشكيل الحكومة اللبنانية وهاكم الدليل.. فقد زعم بيان عسكري سعودي للتحالف في اليمن أنّ طيرانه الحربي قتل ثمانية مقاتلين لحزب الله في قصف جوي على أعالي صعدة اليمنية. وسرعان ما يتبنّى الإعلام الغربي الخبر من دون أي نقاش عقلي.. ومعه الإعلام الخليجي.. لكن الإعلام اللبناني المرئي و«المكتوب» خصوصاً، نشر خبراً كبيراً تبنى فيه الرواية السعودية مكرراً اسم حزب الله نحو 15 مرة بأسلوب المتيقن الذي ضبط الحزب متلبساً في القتال في أعالي اليمن.. كان يجب على هذا الإعلام «المرتشي» أنّ يستمع لمحطة الجزيرة وهي تطالب السعوديين باسم قتيل إيراني واحد أو لبناني من حزب الله سقط في اليمن السعيد منذ بدء الاجتياح السعودي قبل سنوات ثلاث ونيّف.
يتضح أنّ آليات الابتزاز ضعيفة، لكنها مقلقة نسبياً.. لأنها تذهب نحو التعطيل والتأجيل لكسر تمسك حزب الله بالحكومة المتوازنة.
ماذا عن الرهانات؟؟ من دون حياد أو خجل ولو بالحد الأدنى يتبنى المحللون التابعون للفريق الحريري والقواتي في إعلامهم المرئي والمكتوب نظرية الحرب الإسرائيلية على إيران في سورية ولبنان. وهم يقصدون بذلك الحرب على حزب الله تحديداً ويعتبرونها وسيلة للقضاء على دوره الإقليمي واستتباعاً الداخلي ويروّجون بأن هذه الحرب لم تعُد بعيدة وتطل بكوراتها في الأفق القريب.. لكنها تنتظر انتهاء المفاوضات الروسية ـ الأميركية، الأردنية، حول توزع القوى في الجنوب السوري، ولخوفهم من عدم اندلاع هذه الحرب المفترضة، يخترعون عناصر تفاؤل جديدة. منها بأن نجاح التفاهم الأميركي ـ الروسي من شأنه إقصاء الدور الإيراني من سورية واستتباعاً تقليص دور حزب الله في سورية ولبنان معاً.. لذلك يفترض حلف الحريري أنه رابحٌ في كل الوضعيات: حرباً إذاً هاجمت «إسرائيل» الحرب، أو سلماً إذا تم الاتفاق الأميركي ـ الروسي.
ففريق السعودية في لبنان يراهن على وجود تناقضات عميقة بين الدورين الروسي والإيراني في الميدان السوري. فيعتقدون أنّ روسيا تريد في إطار تفاهم مع الأميركيين والإسرائيليين تشكيل الممكن من الدولة السورية وفي مناطقها الغربية ـ الشمالية على الأغلب. وهذا يكشف بحث موسكو عن استقرار يسمح لها بالخروج إلى الإقليم العربي القريب. أما إيران فيزعمون أنّ حركتها في المشرق العربي هي للدفاع عن جمهوريتها الإسلامية. لذلك فلا مصلحة لها بتفاهمات جزئية. وهذا هو أيضاً موقف حزب الله، كما يقول السعوديون.
نحن إذاً أمام فريق لبناني يضع كامل أوراقه في معركة تشكيل الحكومة في إطار الضغط الإقليمي ـ الدولي على حزب الله الذي لا يزال يقاتل الإرهاب في ميادين سورية، مدافعاً بذلك عن كامل المشرق العربي، خصوصاً الجزء اللبناني منه، الأكثر ضعفاً والأكثر استسلاماً لكل ما يريده هذا الإقليم حتى في مرحلة تأييده ودعمه وتمويله للحركات الإرهابية وحروب «إسرائيل».
هذا ليس مجرد فبركات عابرة.. بدليل أنّ العودة إلى الاتهامات الأميركية والأوروبية للسعودية وقطر بتمويل القاعدة وداعش والنصرة، ليست عناصر جديدة.
فهل ينجح الفريق السعودي، في إجهاض الانتصار الانتخابي للحزب وحلفائه؟
إنّ مَن عجز في سنين سبع عن تحقيق مجرد عرقلة بسيطة لاندفاعة الحزب في قتال النفوذ الأميركي المتسربل بألف لبوس ولبوس، لن ينجح في مرحلة أنجز فيها حزب الله انتصاراً مدوياً في ميادين كبيرة. الأمر الذي يضعُ الرئيس المكلف الحريري أمام خيارين: تشكيل حكومة متوازنة، أو تكليف سني من المعارضة قد ينجح في تشكيل حكومة محايدة تنقذ لبنان وتمنعه من الانهيار.